23 ديسمبر، 2024 1:29 م

حسن العلوي وعلي الوردي..وستراتيجية  الإبداع الفكري – 1

حسن العلوي وعلي الوردي..وستراتيجية  الإبداع الفكري – 1

قد يكون هناك اختلاف في المنهج الفكري مابين العلامة أستاذ علم الاجتماع الكبير علي الوري والكاتب والمفكر حسن العلوي، من حيث تشخيصهما لجوانب وسمات الشخصية العراقية ، والبغدادية منها على وجه الخصوص، الا ان هناك من الفوارق ما يكاد يظهر اختلافا ولو جزئيا ازاء النظرة الى طبيعة المجتمع العراقي.
فعالم الاجتماع الكبير الاستاذ علي الوردي يسرد حقائق وتفاصيل كثيرة عن الشخصية العراقية في خمسينات وستينات القرن الماضي، ويبين سماتها من وجهة نظر علم الاجتماع ، لكن الاستاذ حسن العلوي يرى فيها ابعادا أخرى، كون الاول مفكر منهجي بحثي، والثاني سياسي فكري، وكلاهما له اختلافات مقبولة في وجهات النظر، وان اتفقا على أشياء أساسية ضرورية، الا انه لايمكن لأي مؤرخ او دارس للشخصية العراقية أن يتجاهلهما، كون أحدها يكمل الآخر في سد الثغرات التي حاول كل منهما تركها لمن يضع سماتها أو يحللها وفقا لرؤيته ، كي يترك للآخرين فرصة ان يضيفوا اضافة نوعية أخرى الى دراسات الشخصية.
لقد نهل مؤسس علم الاجتماع العراقي علي الوردي من فكر ابن خلدون وتحليله لطبيعة الشخصية العربية والعراقية ، وكانت رؤاه لاتختلف كثيرا عن ابن خلدون ، الا ان الوردي أسهب في تفاصيلها، وأوضح لنا حتى الجوانب المخفية وتلك التي لاتلفت اليها الانظار ، ليغوص في اعماق الشخصية العراقية ويظهر كنهها وسر تعقيدها ، وهو ما لم يتسن للكاتب والسياسي الكبير حسن العلوي لأن يدخل مجالها، وذلك بسبب طبيعة الاخير السياسية ، في حين لم يدخل الباحث علي الوردي في دهاليز السياسة ، وان لم يستبعد الدخول في أروقتها، لكنه نأى بنفسه عن الانغماس فيها ، وبقي يبحث بين ثنايا الشخصية العراقية ويحلل ويفكك سماتها وخصائصها ، في حين كان العلوي سياسيا له وجهات نظر فكرية وعقائدية ازاء احداث بلده ، وهو يحلل بعمق رؤيته الصحفية ، المتعمقة في معاشرة شخصيات عراقية كثيرة عايشها عن قرب، وكان ينظر الى العناوين الكبيرة من هذه الشخصيات على انها ملهمته او زاده الروحي الذي ينهل من ينابيع ابداعه ما يشكل ثروة فكرية وسياسية للرجل، وكان مثقفا مبدعا منذ نعومة أظفاره وذكي يراقب ويحلل ويقيم علاقات مع كبار الشخصيات العراقية والعربية ويقرأ كثيرا وبخاصة للاستاذ علي الوردي وآخرون، كما نهل من فكر وعبقرية الشاعر الكبير محمد مهدي الجواهري ما يضيف له منهجا فكريا يغني شخصيته القوية ، فكان متوهجا منذ السبيعينات في كتابة المقال الصحفي ويحلل ويراقب الكثير من الاحداث، وكان منهجيا هو الاخر ، غير انه لم يتسع له المجال للغوص في أعماق الشخصية العراقية مثلما غاص فيها الاستاذ علي الوردي، الذي سرد لنا تفاصيلا كثيرة، ماكان الكاتب حسن العلوي يرى فيها ربما داع لزج المتابع بالوصول الى التفاصيل الصغيرة ، لأن المهم لديه ان يضع خطوطا عريضة للفكرة او تحليل جوانب الشخصية البغدادية التي أبدع فيها العلوي في جوانب كثيرة، في تاريخ العراق الحديث.
لقد ابدع المفكر والكاتب حسن العلوي في تشخيص الكثير من توجهات الحركات السياسية العراقية المعاصرة وبخاصة الحاكمة منا الان ، وشخصها وأبدى العديد من الملاحظات التي تظهر ان لديه تشخصيا دقيقا للكثير من مراحل التاريخ السياسي العراقي قديمه وحديثه عنها وعن توجهاتها ، ولديه شغف في أن يربط بين الشخصيات العظيمة في التاريخ العربي والاسلامي ، ويبين دورها الكبير ، كما استعرص الشخصيات السياسية الحالية ، ولم يمنعه المذهب او الانتماء السياسي من ان يشخص جوانب الخلل في تلك الشخصيات ونقاط قوتها وضعفها وفق استقراء تحليلي شمولي، وبخاصة للشخصيات التي تحكم البلد حاليا ومقارنتها بمراحل سابقة ونقده اللاذع لشخصيات مقربة من العلوي نفسه او تربطها به علاقات وصلات سياسية او مذهبية ، وربما كان لرئيس الوزراء نوري المالكي حصة الاسد في الملاحظات ازاء طبيعة الحكم ونوع وشكل القرارات التي يتخذها او الطريقة التي يتعامل بها مع عموم الشعب العراقي، وأبعد العلوي نفسه كثيرا عن الطائفية والمذهبية ولم يجعلها ستارا للتمترس خلف واجهاتها ، بأن الف كتبا في النظرة الفقهية والمذهبية ، لم يجرأ كثيرون على دخول ميادينها الحساسة، فكانت الكتب والمؤلفات التي صدرت عنه تعطي صورة دقيقة عن مجريات الكثير من الاحداث والرؤى لم يكن بمقدور كبار الشخصيات العراقية التي تشترك معه في التحليل والتشخيص ان تصل الى  ما وصل اليه العلوي في دقة تشخيصه وصواب نظرته، وسنحاول في حلقات مقبلة توضيح الكثير من الحقائق عن شخصية الكاتب والمفكر حسن العلوي وكيف أسهمت في رسم معالم الشخصية العراقية وطبيعة قراءته للاحداث ومساراتها برؤية منصفة.