23 نوفمبر، 2024 4:31 ص
Search
Close this search box.

حسن العلوي .. وتحليل الشخصية العراقية – 2

حسن العلوي .. وتحليل الشخصية العراقية – 2

لسنا هنا في معرض الدفاع عن الكاتب والمفكر حسن العلوي وتفكيره السياسي ، بقدر ما يهمنا  ان نسبر اغوار تلك الرؤيا الستراتيجية التي يؤشرها حسن العلوي عند تحليل الواقع السياسي المعقد للعراق، والذي يسير بنا الى حقب موغلة في هذا التاريخ ، لنتمكن من الربط بين مايجري الان ، وما كان له إمتدادات تصل الى أعماق تفكير سياسيي العراق في أزمان غابرة، والصراع المرير الذي مر به العراق ، وكأن أحداث الماضي تتكرر بعض صفحاتها الان، حتى لتصح مقولة ان التاريخ قد يعيد نفسه .
الكاتب والمفكر حسن العلوي لديه رؤيا متعمقة عن مجريات الاحداث في العراق  ، قد نتفق مع العلوي وقد نختلف معه في هذه الرؤية ، لكن التمعن في طبيعة مايطرحه من مؤشرات تقترب الى حد ما من الرؤية التحليلية للشخصية العراقية الأقرب الى المصداقية ، هو الذي يدفعنا للتوقف عن أبرز ملاحظاته هذه ، كونه يمتلك قدرة على الاستشراف والبعد التحليلي المتعمق ، ولديه الجرأة التي ربما لايمتلكها الكثيرون عن قدرته على تشخيص الواقع السياسي العراقي المعقد الذي يجهل طبيعة صراعاته الكثير من السياسيين العراقيين في عصرنا الحالي.
قبل فترة لامني الكثيرون لأني وضعت الكاتب والسياسي والمفكر العراقي الاستاذ حسن العلوي في مرتبة المقارنة بينه وبين استاذ علم الاجتماع العراقي الكبير علي الوردي ، من حيث قيمة التفكير الستراتيجي المتعمق في تاريخ العراق السياسي والاجتماعي بصورة عامة والشخصية العراقية والغوص في أعماقها بصورة خاصة.
وقد انطلق بعض الزملاء في اختلافهم معي بشأن الموضوع من خلفيات الكاتب حسن العلوي وتقلباته السياسية في السبعينات وما بعدها ، اذ حسبوه على مرحلة معينة من تاريخ العراق ، ونسوا ان عقلية حسن العلوي واسعة المدى لايتسع حجم تفكيره مع مرحلته والرجال الذين عايشهم، وهو رجل بغدادي ولديه إلمام كبير بتاريخ بغداد وقادتها ومفكريها،ويعرف دروب بغداد ومكر سياسييها أو مصداقيتهم ، وما قدمه كل واحد للعراق من قيمة أو أثر سلبا او إيجابا.
كان الكثيرون يظنون ان حسن العلوي ( بعثي التفكير ) وهو ينطلق من تحليلاته من الرؤية القومية فقط ، وما ظنوا ان حسن العلوي لم يحتويه فكر سياسي معين، فقد يكون ضمن مرحلة سياسية كانت ربما الأقرب الى تفكيره كونه فكر عروبي، وهو يتعايش مع الفكر العروبي من هذا الجانب ، لكنه اشار اكثر من مرة انه كان عربي الهوى اكثر من كونه قوميا عربيا ، فالعروبة في مدلولاتها ومضامينها أشمل من القومية العربية كونها هبة سياسية فكرية تزامنت مع التفكير القومي الاوربي انذاك وترعرعت في اجوائه ومناخه الذي اتسع نطاقه بحثا عن وحدة اوربا التي عانت من فترة مظلمة اوقعتها في اشد فترات التاريخ ظلما وظلاما بعد ان سيطرت الكنيسة على الشارع الاوربي وحولته الى صراعات وحروب مذهبية وطائفية تشبه الفترة التي يمر بها العراق الان الى حد ما ، بعد ان وصل صراع المذاهب والطوائف في العراق الى مرحلة شبيهة بالفترة المظلمة التي عاشتها اوربا في تلك الحقبة المريرة التي مرت بها ، فوجدت في القومية الحل الذي يوحد دولها وشعوبها ويخلصها من اسوأ مرحلة عصيبة عاشتها اوربا في الفترة التي سميت بالفترة المظلمة.
وسط هذه الأجواء التي اتسع فيها الفكر القومي الاوربي وجد كثير من السياسيين العراقيين والعرب ضالتهم في ان ينقذوا الدولة العربية او يسعوا لاعادة امجادها،  فوجد فيها العلوي وعراقيون اخرون انها الفرصة التي يمكن ان يحفظوا من خلالها هوية العرب ، وكانت هناك قوى ذات توجهات قومية عربية منها الفكر الناصري والقوميين العرب والبعثيين ، ربما وجد فيه هؤلاء الطامحين الى استعادة الهوية العربية لرونقها ، وهي قد انساقت مع رغبة شعوبها بالخلاص من الحقبة الاستعمارية التي غلفها الاستعمار الاوربي بأطر قومية واذا بهذه الدول والكيانات قد اتخذت منها وسيلة لان تتحول الى قوى استعمارية راحت تتكالب على الوطن العربي وتحتل دوله الواحدة بعد الاخرى ودخلت الأمة العربية في احلك عصورها ظلامية وحروبا وتفككت قواها وتم السيطرة على مقدراتها، الى ان تم شن حرب ظالمة لاسقاط انظمتها الواحدة بعد الأخرى واحالت حلم عرب تحقيق دولتهم الى احلام طوباوية لم تجد لها صدى على ارض الواقع لانها تقوقعت على نفسها وراح كل كيان سياسي يعمل على الإطاحة بالآخر والعمل على اسقاطه بدعم اوربي امريكي ، وما جرى  في العراق وبقية الدول العربية يدخل في هذا الاطار بان سيطرواعلى مقدرات العرب واخضعوهم لسيطرتهم تحت دعاوى مواجهة الحكومات الدكتاتورية واذا بالحكم الدكتاتوري يعود مجددا تحت يافطات الديمقرطية وهو ابعد مايكون عن الديمقر اطية في شيء.
ولم يكن بمقدور مرحلة ان تتسع لفكر حسن العلوي وهو ينظر الى نفسه انه يمتلك بعد نظر قلما يشاطره آخرون في مرحلته الا ماندر، ولهذا بقي عراقيا النشأة عروبي الهوى حتى في احلك ظروف الظلمة يشق طريقه بقوة تأثيره وهو يرى نفسه ومكانته وقيمته التي يتفوق بها على كثيرين من جيله ومرحلته لما يمتلكه من سعة التفكير وعمق الرؤية، قلما يمكن لاخرين اللحاق به او الوصول الى مستواه والاثر البالغ الذي يتركه تفكيره على صعيد الفكر الستراتيجي لطروحات الرجل ، حتى نال اعجاب الكثير من العراقيين في الوقت الذي حمل عليه اخرون على انه اناني الطبع لايهمه الا مصلحته الشخصية ، الى ان تبين لهم فيما بعد ان حسن العلوي ثروة عراقية قل نظيرها في العصر الحديث، وكان الاحرى بكل عراقي يحب العروبة ويتشرف بالانتماء اليها ان يرى حسن العلوي احد  المدافعين عنها بشرف واخلاص، وكان وفيا لعراقيته بان رفع اسم بلده عاليا بين دول العالم وهو الذي وضعه في المكانة التي يستحقها رغم كل حملات الغيرة والنقد غير الموضوعي الذي واجهه من كثيرين، بعدها سيكتشف الكثير ممن وقفوا ضده أو تهجموا عليه ،  صدق طروحاته والاثر البالغ الذي تركه ينهلون من عمق تفكيره مايضيء دروب ظلمتهم الى حيث بلوغ مراحل العلا نحو الشموخ اليعربي الذي يعد العروبة قيمة عليا لاتضاهيها قيمة ، بل ان قمة عظمة الاسلام انطلقت من كونه عربيا وتشرف الاسلام بحمل لواء العروبة فكانا خير رفيقين لن يفترقا على مر الازمان، وهو مفتاح قياس الرجل ومدى تعلقه بعروبته بل وبأمانته وأخلاصه للعروبة كقدر محتم.
وقد اشرت في مقال سابق الى إن هناك ترابطا في الرؤيا بين حسن العلوي والاستاذ العلامة مؤسس علم الاجتماع العراقي علي الوردي، وأشرت في حينها الى ان هناك فروقا فردية بين الرجلين من حيث ان منهج  الاستاذ علي الوردي ينطلق من تحليل اجتماعي أقرب الى البحث العلمي الاستشرافي ، في حين ان رؤية حسن العلوي وطبيعة تحليله للشخصية العراقية تنطلق من فهم سياسي اعلامي اكثر اقترابا من واقع عصره الحديث ، استفاد حسن العلوي من قدرته على الكتابة الصحفية المتقنة اللغة في تعميق نظرته الشمولية الى الحياة وصراعات السياسة التي ربما فاتت على الاستاذ علي الوردي ، وعاش في مرحلتين تاريخيتين مر بهما العراق وهو اقترابه من فترة الاحتلال البريطاني العراق ومخلفاته والاحتلال الامريكي للعراق ومخلفاته، لانه كان يعتمد التشخيص الاجتماعي اكثر من استخدامه البعد السياسي التاريخي..فحسن العلوي يتقن دراسة تاريخ العراق وتاريخ العرب والدولة الإسلامية وصراعها مع الحضارات والإمبراطوريات التي تصارع الاسلام والتي لم تترك فرصة الا وسعت الى تفتيت جسد الشخصية العراقية وعملت على تمزيقها وتشويه تاريخها المليء بكل ما يرفع الرأس واذا بها تجد نفسها وهي تواجه تحديات خطيرة تستهدف كيانها القومي الوجودي ككيان روحي ومادي للاطاحة بها ، وكان كل من الفرس والروم واقوام اخرى يناصبون الدولة العربية الاسلامية العداء للايقاع بها والحط من قدرها بل والعمل على تركيعها بعد ان واجهوها بضرواة في اكثر من موقعة ، وبان حقد كل من الروم والفرس اعظم امبراطوريتين واجهت العرب ولم يتركوا فرصة للانقضاض على دولتهم الا وشنوا ضدها حربا شعواء وبلا هوادة.
ربما يدرك العراقيون العرب الاصلاء دور حسن العلوي ،فيما تركه من فكر متعمق وتحليل شمولي متعمق للعراق لفترة ما بعد الاحتلال الامريكي عام 2003 ، وهو الاكثر جرأة على تشخيص الواقع العراقي وتأريخ كل السياسيين العراقيين الذين حكموا العراق في تلك الحقبة الموغلة في الظلم والظلام والفساد وفي تحطيم معالم الدولة العراقية ، وكيف باع بعض الساسة شرف عراقيتهم لبلاد فارس او لاميراطورية امريكا واداروا ظهورهم للعروبة ولإخوتهم وسلموا مقدرات العراق لكل من ايران وامريكا لكي يتحكما بمسقبل العراق ويقسموه ويشرذموه على هواهم وكل ما يجري من اقتتال طائفي وحرب مذاهب ودماء تنزف انما بسبب سياسات حكام العراق حين عدهم افسد دولة حكمت العراق وسلمت رقاب ابنائه للاغراب والأعاجم وراح مصير  شعبهم تتصارع به الارادات الاقليمية والدولية على هواها واسقط الحكام الجدد  الدولة العراقية التي لن تقوم لها قائمة بعد اليوم.

أحدث المقالات

أحدث المقالات