23 ديسمبر، 2024 11:25 ص

{إستذكارا لدماء الشهداء التي ستظل تنزف الى يوم القيامة، من أجساد طرية في اللحود، تفخر بها أرواح خالدة في جنات النعيم، أنشر موسوعة “دماء لن تجف” في حلقات متتابعة، تؤرخ لسيرة مجموعة الابطال الذين واجهوا الطاغية المقبور صدام حسين، ونالوا في معتقلاته، خير الحسنيين.. الشهادة بين يدي الله، على أمل ضمها بين دفتي كتاب، في قابل الايام.. إنشاء الله}
لا موقف أنبل من تبني القضايا العامة، على حساب الوجود الشخصي.. ترجيح المطلق على النسبي، من دون إنتظار ثمن! تلك هي شهادة حسن محمد حسين محمد رضا الصباغ، بين يدي الله، وهو في ريعان الشباب.. له ثلاثون عاما من عمر في قمة نضجه وفتوته وعنفوان لذة الحياة.. مات وهو لم يزل ذا طاقة فياضة، تمكنه من الاقبال على الملذات بشغف.. عافها وإختار الموقف!
لكنه… لكنه آثر ان يذبح شبابه قربانا بين يدي العراق، مفرطا بإغراءات تضل أصلب الرجال!
 
جار الحسين
على مرمى سهم من نبال يزيد التي نشبت في عين العباس تفقأها وجيد عبدالله الرضيع تنحره، ولد حسن الصباغ، في كربلاء، العام 1961، سائرا على نهج أصحاب الحسين، نحو الشهادة، معتركا بركانيا رهيبا، تخطاه الى الجنة، حين إعتقل في جملونات حسين كامل، عقابا لمشاركته الفاعلة، مؤثرا في سير أحداث الانتفاضة، يوم ضاقت الارض بما رحبت من حول أجساد المنتفضين، بينما السماء تفتح أبوابها لأراوحهم، وملائكة الرحمن تهلل مكبرة فيما تزغرد الحوريات: “هيت لك”.
 
جملونات الاعدام
حسن في بواكير زواجه.. لم يرتوِ من الدنيا بعد، يعمل موظفا حكوميا، إستنادا الى شهادة الدراسة المتوسطة، التي إتخذ منها مفتاحا أوليا، ليعب علوم الاولين والآخرين، بوعي عقلي متفتح وخلق رفيع.
فأي يد آثمة تلك التي تعمد الى قتل ثقافة إعتصمت بذاتها.. إكتفاءً في التنوير، الذي ترجمت نظرياته الايمانية.. دينيا ومدنيا، الى إجراء عملي، مشاركا في إنتفاضة آذار 1991؛ ضد الطاغية المقبور صدام حسين، في أعقاب هزيمة جيشه من غزو دولة الكويت الشقيقة..
الجيش يحتجز إخوته في جملونات تفتقر لمقومات الحياة، من دون طعام ولا ماء ولا… أي شيء، بإنتظار أن يبدي حسين كامل رأيه الاهوج.. الطاغي تيها؛ بإعدامهم على طريقة مفتوحة؛ إذ وضع الجنود مؤشر الرمي في بنادقهم الرشاشة الى درجة “الصلي” مجهزين على المحتجزين قاطبة، من ركن الجملون الى ركنه.. كأن أقطاب الارض والسماء، تلتقيان اللحظة، تشكوان ظلم الانسان لأخيه الإنسان حين يقتدر متمكنا منه..
 
جبان لا يعف
قوات مستفزة، يقودها جبان إذا تولى لا يعف.. إنما يوغل في إذلال من لا حول ولا قوة له؛ لأنه يرتضي لضعفه التذلل إستخذاءً للأقوى…
تفرد الشهيد حسن، مع مجموعة من قادة الانتفاضة البارزين، بالإعدام رمياً برصاص مصوب نحوهم تخصيصا، وليس مع الجمع، فالموت واحد، لكن ثمة نهاية أشد قسوة قبل مفارقة الحياة، عاناها حسن وهو يحلق في أثير رحمة الله الى جنة الخلود.
قطع راتبه؛ حين نشبت في ضلع العراقيين، أظفار العقوبات الدولية جراء الغزو.. (الحصار) الذي فرضته أمريكا على الشعب وظل صدام مرفها، يواصل مطاردة عوائل الشهداء ينكل بهم في القبور!
فت الحصار بعضد العائلة، فطوت البطن على الجوع، بكبرياء جن له جنون البعثية؛ فـ “من يتقي الله يجعل له الله مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب”.