حسام آل زوين.. بين جمر التجربة ولهيب الكتابة

حسام آل زوين.. بين جمر التجربة ولهيب الكتابة

وُلد القاص حسام حمزة يوسف آل زوين في مدينة المحمودية سنة 1954، ونشأ فيها حتى أنهى دراسته الثانوية في ثانوية قضاء المسيب عام 1971. ومنذ بواكير شبابه، انخرط في النشاط الطلابي عبر اتحاد الطلبة، وكان عضوًا فاعلًا في الحزب الشيوعي العراقي، مما جعله عرضةً للملاحقة والمضايقة الدائمة من أجهزة الأمن في مدينته.

أكمل دراسته الجامعية في معهد التكنولوجيا – القسم المدني (هندسة الري والبزل) / جامعة بغداد، وتخرج في نهاية عام 1973، غير أنّ نشاطه السياسي جعله هدفًا للاعتداء من قبل بعض طلبة الاتحاد الوطني، حتى أنه بالكاد تمكّن من أداء امتحاناته النهائية. وبعدها التحق بالخدمة العسكرية الإلزامية في الأشغال العسكرية بمعسكر المسيب، ثم سُرّح من الجيش سنة 1974.

انتقل بعد ذلك إلى مدينة الحلة، حيث عمل في مجال البناء، متجنبًا الانخراط في الوظائف الرسمية مثل مشروع المسيب الكبير، خشية أن يكون تحت أعين الأجهزة الأمنية. وفي عام 1975، غادر العراق متجهًا إلى الاتحاد السوفيتي لإكمال دراسته، وهناك واصل مسيرته العلمية حتى حصل عام 1981 على شهادة الماجستير في الهندسة المدنية. غير أن يد البعثيين امتدت إليه حتى في المهجر، حيث تعرض للاعتداء من بعض عناصرهم المتواجدين في أوزبكستان.

شدّ الرحال بعدها إلى عدن / اليمن الديمقراطي، حيث خضع لدورات عسكرية، ثم التحق بصفوف قوات الأنصار الشيوعيين في كردستان العراق سنة 1982. وهناك لم يقتصر دوره على الواجبات القتالية، بل كان من أعمدة العمل الإعلامي للحزب، فكتب وحرّر في صحيفة طريق الشعب، وأسهم في صحف أخرى مثل: الشبيبة والطلبة، رابطة المرأة، مناضل الحزب، وبيري نوى باللغتين العربية والكردية، فضلًا عن مساهمته في إصدار المطبوعات والنشرات الحزبية المتنوعة.

ومع حملات الأنفال الكارثية وما رافقها من حرق للمقرات واستخدام الأسلحة الكيمياوية، اضطر إلى مغادرة كردستان عبر الحدود، ليقع في قبضة السلطات السوفياتية ويدخل السجن هناك لفترة، قبل أن يتوجه إلى سوريا لاجئًا، حيث واصل العمل الحزبي واشتغل في المطابع السورية بتصميم الكتب، ونشر مقالات وقصصًا متفرقة في صحف ومواقع عراقية، منها طريق الشعب وموقع الناس.

عاد ثانية إلى الاتحاد السوفيتي بعد تفككه، وحصل عام 1993 على شهادة الدكتوراه في الهندسة المدنية. غير أن سوء الأوضاع الاقتصادية والسياسية هناك دفعه إلى الهجرة مجددًا نحو بعض دول الخليج بحثًا عن عمل. ومع محاولاته المتكررة للعودة إلى العراق استجابة لدعوات الحكومة بعودة الكفاءات، ظلّت الأبواب موصدة أمامه.

ومع مرور الوقت، حالت ظروفه الصحية دون استمراره في العمل الحزبي، فانصرف إلى مراجعة المستشفيات طلبًا للعلاج، لكنه لم يهجر الأدب والكتابة. فقد نشر عددًا من المقالات، وأبدع في كتابة القصة القصيرة التي ظهرت في الصحف والمواقع الإلكترونية، وأصدر روايتين هما: لقد قصدها يومًا والمتألم المتأمل.

وقد توقّف النقاد عند تجربته الروائية باعتبارها امتدادًا لمسيرته النضالية والفكرية، إذ وجدوا فيها انعكاسًا صادقًا لمعاناته الشخصية واغترابه السياسي، ومزيجًا من السيرة الذاتية والخيال الفني. ورأى بعضهم أن لغته الروائية مشبعة بالهمّ الإنساني والسياسي، وأنه استطاع أن يحوّل محنته إلى نص أدبي يختزن شحنات من الألم والتأمل معًا، مما جعل رواياته وثيقة فكرية وأدبية في آن واحد.

آراء النقّاد في روايتيه:

1. رواية “لقد قصدها يومًا” يشدّد النقّاد على قدرة الرواية على نقل تجربة النضال بصراحة وعمق، دون اللجوء إلى المبالغات أو تبسيط الأحداث، محافظًا على توازن بين السرد الواقعي والجمالية الأدبية. كما يلفتون إلى الغموض الرمزي في العنوان، الذي يفتح أفقًا واسعا للتأويل؛ إذ يُنْتَظر أن يعبّر عن قصد سياسي، أو عاطفي، أو فلسفي، مما يثير فضول القارئ منذ اللحظة الأولى. التداخل السردي غير الخطي يكرّس حالة الفوضى أو التعقيد في حياة الشخصية، لكنه يبقى منظمًا بما يكفي لعدم إرباك القارئ، بل لخدمته في فهم تقلبات النفس وصراعات المناضل. الكاتب نجح في مزج السيرة الذاتية بالخيال الروائي، ما أضفى عمقًا إنسانيًا على القضايا السياسية والاجتماعية الكبرى.

2. رواية “المتألم المتأمل”: يرصد الناقد محمد علي محيي الدين أن الرواية تمسك بـ«جمر الحكاية» وتسير بالقارئ على دروب من الشوك عاشها المؤلف. إنه سرد عن التضحية، والخيبة، والتأمل في الوطن. ليست حكاية انتصار، بل شهادة لنضال متواصل: صوت يصرّ على البقاء حيًا في زمن الخفيّة، وضمير يقظ في زمن النجاة فيه نومًا. الرواية تروي رحلة الإنسان من كردستان إلى صقيع روسيا، ومن ساحة الحرب إلى دهاليز الخيبة — رحلة الهروب نحو الحقيقة، ثم العودة نحو الألم الأخطر.

وهكذا ظلّ حسام آل زوين نموذجًا للمثقف الذي جمع بين الالتزام السياسي والعمل الإعلامي والإبداع الأدبي، رغم ما لاقاه من محن وتشريد، ليبقى اسمه شاهدًا على جيل عانى الغربة والمنفى، وحمل الوطن في قلبه وقلمه أينما ارتحل.

أحدث المقالات

أحدث المقالات