شيء ما ينتظر في مكان ما، شيء لا أعرف ماهو، لكني متيقن ان على احد ما ان يغلقه والى الابد، شيء يُصدّر إلى هذا المكان الذي هو قفص تجارب ما، كل هذا الخراب، كل ما يحتاجه من أدوات ليستمر الخراب، شيء من السحر الأسود… يخطط لكل هذا، لا أعرف ما حجم القوة اللازمة لذبح شعب كامل او التخطيط لذلك، لكنها هناك تخطط لترتيب كل شيء في البلاد على نحو ماتريد.
لا أعرف ماهو هذا الشيء الذي يحدث، لكني أعرف أن يداً تمتد وتضغط زراً لتتحرك القطع نحو النهاية المرسومة، في الطريق الى النهاية تسقط قطع وتستبدل باخرى لكنها قطع لها حكايات قطع من لحم ودم، كل قطعة تسقط تهدم لبنة من مجتمعها الصغير، فأنت ترى أن خارطة الوجوه مثل سماء مبقعة، الكثير من الفراغات، بناء يتأكل من كل الجهات، يُدَّعمُ بالصغار الذين ينوؤن بحمل حجم القطع الاكبر، ويكبرون وهم صغار.
في الطريق الى النهاية، يصبح الرأس؛ رأس الضحايا الأحياء من الداخل يشبه شريطاً سينمائياً مستنسخاً عن اشرطة البقية، مكرراً مع بعض الأختلافات، ملتفٌ وفي طرفه خيط يعيده الى البداية او يحور المسارات كلما اراد الانتهاء، خيط من الامل الذي يشبه المسكنات، مرة على شاكلة طفل يبتسم، ومرة على شكل نجاحات مزيفة، ومرة على شكل باقة من الورد،….
وطن هو هذا القفص، وطن لكنه لم يعد في المكان الذي وجد فيه، ليس من ارض ولا خارطة، الناس هم المكان، لكن لا ناس الا ما تبقى هنا وهناك مثل نجمات تخبو، فبغداد لم تعد في بغداد، والعراق لم يعد في العراق، وطن في الروؤس، الروؤس التي هي شبابيك وأبواب، تعمل عكس الابواب والشبابيك، فهي تفتح لا لكي يدخل لها الهواء وانما هي ترسل الضوء والهواء الى ما يحيط، وتموت فلا هواء ولاضوء جديد إلا في الروؤس التي تتناقص، مثل الخراف في عيد المسلمين الكبير، لكنهم ليسوا خرافاً لكنهم يذبحون كالخراف، قدراً على الحي أن يموت، لكن كيف يذبح ميت، تنفس عمره هكذا مثل تراب منقوع بالدم والبكاء، أو كيف يتناثر هكذا في الهواء مثل بالون ينفجر، دون أن يبتسم ولو لمرة وهو واثق انه عاش.
وطن هو لكنه لعبة من الأسلاك، الاسلاك المقطوعة والمعقودة على بعضها كملايين من المصائد والفخاخ، مصائد من وجوه وأسماء، مصائد الدين، مصائد اللحى والسحنات النوارنية بفعل الخمس والزكاة والاوقاف والمزارات، مصائد الثورات، باسم الحسين وباسم عمر، مصائد الصدريين وحزب الدعوة والقائمة العراقية، مصائد الأعظمية ومدينة الصدر، مصائد الكرادة والبدريين، مصائد الدورة والسيدية والقاعدة، مصائد كبست على رقبة رونزا حسين مصائد الحكومة الملتحية التي تبول على شعبها رصاصاً وارهابيين وجنوداً يسكرون في المساء ويفحصون العربات المفخخة والعادية بأعضائهم الذكرية، ثم يذهبون للصلاة، مصائد الفتاوى التي هي قيح العقول، مصائد التظاهرات المدفوعة الثمن، دون أن يدرك الثائرون أنهم مستأجرون، مصائد الفضائيات والفنانيين والصحفيين والشعراء، مصائد لا تنتهي ووطن لا يعرف اهله كيف يستعملوه، مثل آلة غريبة تبيض ذهباً خلف الحدود، مثل بالوعة خراء في الهواء الطلق وجنة تحت الارض.
وطن هو لكنه يحتاج لمواطنين، وطن به نسمةٌ هواء وشمس وبعض وجوه، لو أنك جالستها لشعرت ان قلبك يغتسل بنور، لكنها بعض وجوه، مثل عائلة تمشي بين عربات من سكاكين، ليس لي ان اعترف الآن ما اهمية الاعترافات، غير انه عبء لن ينفذ، مثل نبع مر يجري، وسينتهي مع النفس الأخير.
ولا نفس اول ليكون هناك نفس اخير، حزن له وقع ارتجاج باب كباب الله، كترتيل يخرج ملتفاً حول كل شيء، حزن اكتشاف المرء انه ميتٌ ومامن امل ان تعاد له الحياة، حزن الذي يمشي في شارع طويل يكحل الليالي لوحده، محتظناً اياكم عبر نسمة هواء، حزن الذي يدرك انه ماخرج ليعود .