23 ديسمبر، 2024 4:30 ص

 حزمة اصلاحات العبادي بين فرض الارادة الامريكيه وتغييب الدور الروسي

 حزمة اصلاحات العبادي بين فرض الارادة الامريكيه وتغييب الدور الروسي

منطقيا لا نمتلك ما يطعن بصحة وجود اتفاقات وترتيبات سريه إعتادت إعتمادها الدول العظمى فيما بينها ديبلوماسيا من اجل جدولة مصالحها وترتيبها مع ترك باب خيار التنافس أو بالأحرى التحايل مفتوح يستخدم (ديمقراطيا) سواء بقصد شل أركان القطب المنافس والايقاع به او في بسط النفوذ على الصغار, هذا بالضبط ما كان متبعا أبان الحرب البارده , و ما انهيار الاتحاد السوفيتي الا دليل على ما نقوله رغم كثرة المعاهدات والاتفاقيات التي حفظت لهما مرتبة العظمه والفوقيه و أهلــّتهم لتمرير خدعهم علينا نحن الصغار من اجل ضمان مصالحهم على حساب استقرار وسيادة بلداننا الصغيره وتطلعات شعوبها وهكذا أنظمتها , وعندما سنحت لأحدهما فرصة تفكيك الاخر حصل ما حصل مع الاتحاد السوفيتي.

في سقوط الاتحاد السوفيتي غاب قطب منافس للامريكان الذين أضحوا بعد هذا السقوط المدوي مستحوذين على زمام القوه وحرية المبادرات , فسارعوا الى ركوب اجنحة ساستهم الصقور طائرين باتجاه الفرائس لالتهامها او اصابتها ثم تركها تعاني دون رادع يمنعهم او ينافسهم في رحلاتهم ومؤامراتهم التوسعيه ,والعراق هو مثالنا الاقرب من ضمن امثله عديده تؤكد ما نحن عليه , واقع حاله لم يعد يطاق بعد تغيير نظامه بقوة الماكنه الامريكيه تحت مزاعم تحقيق رغبة العراقيين و امتلاك النظام لاسلحة الدمار الشامل, مصيبتنا ليس في كذب هذه المزاعم اوصدقها, انما في الخراب الذي خلفته والكوارث المتناسله التي تحتاج الى أعوام من الاستقرار ومليارات من الدولارات كي يعاد بناءها, في حين ورغم كل مآسي العراق, ما زال شغل أمريكا الشاغل منصب على المزيد من تشتيت طاقاته البشريه وموارده الاقتصاديه بعد تقسيمه الى دويلات صغيره .

نعم كان لابد لروسيا و لسنوات عديده أن تعاني من مواجهة ازمات ومخاوف متعدده الأشكال بعد الانهيارالمدوي للاتحاد السوفييتي , أخطرها انشطار الشارع الروسي بين لاهث نحو معكسر الغرب وبين مطالب بإعادة امجاد روسيا التي قادت الاتحاد السوفييتي لعقود من الزمن أكسبتها خبره كفيله لإستعادة دورها بعيدا عن التفكير باعادة ضم الجمهوريات السابقه , ولا في بسط نظام حكم الحزب الواحد الذي كان سائدا , من حسن حظ روسيا ان العديد من الدول الصغيرة منها والكبيره شاركت مخاوفها من ظاهرة تمادي القطب الامريكي وانفراده الأهوج,مما هيأ ارضية مشتركه للعمل والتنسيق ضمن ما سمي بمنتدى شنغهاي الذي إنطلقت أعماله منذ نيسان 1996 حيث ضم في بدايته لقاء روسيا والصين بهدف حل مشاكل الحدود بينهما ثم توسعت محاوره مع تطور اهدافه ليضم دولا اخرى ككازخستان وطاجكستان وقرغيزسستان ثم ايران كمراقب والهند كمؤيد , مما مهد لروسيا الوقوف على قدميها بعد تحسن اقتصادها وصناعاتها وبرمجة نظامها السياسي الجديد بخلاف ما كان متبعا في زمن الاتحاد السوفييتي .

بالرجوع الى عنواننا وموقف حكومة السيد العبادي وسيادتها التي تبدو مسلوبة الارادة والقرار , فقد اعلن سيادته عن حزمة اصلاحات ضرورية جدا لها علاقه صميميه بتسريع مهمة القضاء على داعش وتجفيف مصادر تمويله ,لو اعتمدنا في مرحلة معالجة الدواعش على الاتفاقية الامنية المبرمه بين العراق والامريكان , فإن الجانب الأمريكي هو اول المطالبين بالمساهمه الفعليه في عملية التسريع هذه , لكن الذي حصل كان العكس بعد ان انكشف زيف موقفه وعدم التزامه الاخلاقي بالاتفاقيه الامنيه , بالمقابل كانت جدية الديبلوماسيه الروسيه وحماسها تتألق وبشكل واضح بخلاف المهازل التي مارستها اميركا مع

العراق, روسيا استطاعت و بمعاونة الصين وايران لها ان تبقي سوريا بمنأى عن قبضة الامريكان وخارج مخططاتها التدميريه , واصرار روسيا ما زال مستمر بدليل حجم القوة والأسلحه المتطوره التي استقدمتها لتوجيه ضربات موجعه من شانها ان تسهل على الجيش السوري مهمة القضاء على المجاميع الارهابيه المتشدده من ضمنها داعش , أليس في هذا الفرق بين سياسة الدولتين (روسيا واميركا) ما يوحي لوجود خلل ما, ماالذي تنتظره حكومة العبادي بعد ان انكشفت خيوط اللعبه وأنكشفت امام الشعب النيات الامريكيه المبيته مذ استقدمت الطائفيين والشوفيين من السراق والفاسدين أخلافا لنظام حكم الديكتاتور , ناهيك عن موقفها الواضح من جرائم الدواعش والعلاقات التي تبرطها بهذا التنظيم المجرم , حيث لم يعد فينا نحن العراقييون من يثق قيد شعرة بوعود ومعاهدات الامريكان.

إذن على السيد العبادي إن كان يقود حكومة ودوله لها سياده واستقلاليه فإن نجاح حزمة اصلاحاته يتطلب البحث بكل شجاعه عن الادوات الجباره لتحقيق الاصلاح المنشود ,و لان القضاء على داعش شرط اساسي ومهم في الاصلاح كما اسلفنا, اذن اللعب مع الامريكان لم يعد يجدي نفعا بعد ان اصبح حال العراق يرثى له و لم يعد يتحمل إبقاءه ساحة لتصفية حسابات او بؤره لعقد مساومات واتفاقات اي كان مستواها,على رئاسة الحكومه والبرلمان (المنتخبان من قبل الشعب) أن يصدقان مرة واحده ويلتزمان بالقسم الذي أدوه في اتخاذ قراريلبي مطالب الشعب الذي هو السند الحقيقي لهم وليس التقيد بمصالح الذين جربناهم فخرجنا من المولد مهتوكين في وطننا يذبح بعضنا البعض بدون حمص ولا ذرة عدس , هل بإمكان حكومة العبادي والبرلمان مثلا الضغط على الامريكان لتغيير سياستهم واسلوبهم تجاه الدواعش وتجاه الدول الداعمه لهذا التنظيم؟ إن كان الجواب بكلا, ماذا ننتظر منهم اذن؟اما لو كان الجواب بنعم, فان تغير موقف امريكا من داعش ومن يمولها وتبني موقفا مشابها لروسيا هو المطلب الاشد الحاحا .