كتب الشهيد الخالد محمد حسين ابو العيس عضو المكتب السياسي للحزب الشيوعي العراقي عدد من المقالات السياسية، في جريدة اتحاد الشعب بداية عام 1960 ، حول دور وموقف داود الصائغ في محاولته لشق الحزب والسيطرة عليه وازاحة قيادته بالتعاون مع الزعيم عبد الكريم قاسم، ومن خلال صحيفة ( المبدأ ) التي صرح له بإصدارها ، بالإضافة الى تحليل لمواقف وسياسة الحزب، ثم صدرت تلك المقالات على شكل كراس وبنفس العنوان ( حزب شيوعي … لا يمينية ذيلية ) وقدم لها عضو المكتب السياسي بهاء الدين نوري .
حفاظا على جزء من تراث الشهيد ابو العيس ولأهمية ما ورد فيها سياسيا وتاريخا، اعيد نشر تلك المقالات مع المقدمة، ولعلها تساهم في تنوير البعض ( رغم الفارق الزمني والسياسي ) عن مدى انحرافهم نحو اقصى اليمين ضاربين تراث الحزب وتاريخه النضالي الثر عرض الحائط، ليكونوا اولاد واحفاد امناء لصاحب جريدة ( المبدأ )، الذين انتحلوا في غفلة من الزمن اسم الحزب الشيوعي، ليصل بهم الحال الى اصدار توجيه حزبي لرفاق الحزب وانصاره بعدم المشاركة في انتفاضة ومظاهرات الاول من اكتوبر / تشرين الأول 2019 وبحجج واهية، في وقت كان فيه النبض الوطني والثوري للشباب الثائر في قمته، ثم تراجعت عن ذلك بعد ان اكتشفت مدى الاندفاع الجماهيري مع تلك الانتفاضة، بالإضافة الى مشاركة شباب الحزب الواعي ( اكثر من قيادته ) وبحس وطني وثوري عفوي تاركين توجيه الحزب جانبا، مما يشير الى مدى تخبط تلك القيادة في واقعها اليميني البائس. وكذلك ليطلع جيل الشباب الواعد على سبل النضال المبدئي ويقارن بمواقف قادته اليمينية الذليلة .
حزب شيوعي … لا يمينية ذيلية
بقلم : محمد حسين ابو العيس
. . . ويحاول بعض الطيبين التقليل من أهمية الكفاح الفكري ضد هذا التيار الانتهازي الجديد نظرا لتفاهة الزمرة التي تحمله. ولانبعاثه بأسره من خارج الحزب وليس من داخله. ولكن ما يذهب اليه هؤلاء غير صحيح لأن هزال التيار وضعف حامليه لا يعني عدم وجود مفاهيم غريبة عن الطبقة العاملة يستند اليها هذا التيار ولا ينفي عدم وجود شعارات لا ثورية يحاول فرضها على الجماهير. ولا يمنع المستعمرين والرجعيين من تسخير هذا التيار في كفاحهم ضد شعبنا وثورتنا وجمهوريتنا .
فمهما كانت قيمة الانتهازيين فلا بد لنا من مناقشة شعاراتهم ومفاهيمهم. مناقشة موضوعية علمية لنتبين ما يستهدفون من وراء حركتهم هذه والدوافع الطبقية التي تبعث امثال هذه الحركة .
لم يكن ضمن ادعاء الشيوعية الجدد أمرا غير متوقع، وليست المسألة مسألة أفراد، فلو لم يتطوع هؤلاء في تقديم عريضة الحزب المزيف، لوجد خصوم الطبقة العاملة والحركة الوطنية بيادق أخرى تتبرع للقيام بهذا العمل، طالما ان الظروف الموضوعية والذاتية للحركة الثورية تسمح بذلك. ففي أي مجتمع طبقي يجتاز فترة ثورية تحتدم فيه التناقضات بين الشعب باسره وبين أعدائه من المستعمرين والاقطاعيين، وتظهر التناقضات داخل صفوف الشعب نفسه. لابد لأعداء الطبقة العاملة والشعب الكادح من مختلف الفئات والطبقات من ان يستخدم العناصر القلقة المتذبذبة من البرجوازية الصغيرة ويسخروها لنشر المفاهيم اللا ثورية بين الجماهير ومحاولة حرف الحركة الوطنية عن اتجاهها الثوري الصحيح. وعلى حزب الطبقة العاملة، أن يكافح المفاهيم والشعارات الانتهازية بين صفوف الجماهير الكادحة، ليضمن سلامة الاتجاه الثوري للطبقة العاملة والحركة الوطنية .
وتتخذ مسألة الصراع الفكري ضد الانتهازية في بلادنا وفي هذه الظروف بالذات، حيث يتكالب المستعمرون والرجعيون ويوحدون صفوفهم وينظمون أنفسهم للانقضاض على جمهوريتنا التي يقودها الزعيم عبد الكريم قاسم ويعملون على الاستفادة من كل حركة مفرقة للصفوف، أهمية خاصة ليس بالنسبة للحزب والطبقة العاملة فحسب بل لجميع الطبقات والقوى المعادية للاستعمار والرجعية .
فما الذي تستهدفه الحركة الانتهازية الجديدة ؟ واضح انها تستهدف ابتداء افتعال الحواجز أمام قانونية الحزب الشيوعي، ومحاولة مسخ الحياة الديمقراطية في جمهوريتنا واظهارها بمظهر عدم الجدية وبالتالي اعلان فشلها وتزكية الاتجاهات الرجعية المناوئة للديمقراطية في العراق وخارجه والانتصار لها. وإلا لماذا لم يقم الانتهازيون بعملهم هذا، لانتشال الحزب، ( كذا ) قبل اعلان اطلاق الحياة الحزبية ؟
ولكن أهداف هذه الحركة لا تقف عند هذا الحد ولا عند شق وحدة الصف الوطني، كما يبدو جليا من المقالات الدساسة التي نشرتها (( المبدأ )) للإيقاع بين الأحزاب الوطنية الثلاثة، وإنما ترمي في الأساس الى اخضاع مصالح الطبقة العاملة والفلاحين والجماهير الكادحة لمصالح الطبقات الأخرى وحرف الحركة الثورية عن مجراها الصحيح وذلك بالسيطرة على الحزب الشيوعي وحرف سياسته نحو اليمين وتحويله الى ذيل للبرجوازية ومحاربة الاتجاه الثوري للحركة الوطنية لتمكين أعداء الشعب من المستعمرين والرجعيين من توجيه ضرباتهم ضد مكاسبه الثورية. وهذا ما يفسر لنا الارتياح الذي قوبلت به الحركة الانتهازية من اذاعتي لندن واسرائيل والمديح الذي كالته لها جريدة الثورة المعروفة بعدائها للحركة الديمقراطية .
فما هي المفاهيم الخاطئة والشعارات المضللة التي ترتكز اليها هذه الحركة الانتهازية في كفاحها ضد الحزب الشيوعي والجماهير الكادحة ؟
ليس من الصعب الاهتداء الى مفاهيم هؤلاء الانتهازيين وشعاراتهم فقد اعلنوها في جريدتهم وهم لا يخجلون من ترديدها كل يوم. ومفاهيمهم هذه ليست جديدة فقد رددتها جميع الصحف الرجعية والمعادية للحزب والشعب والجمهورية وكل ما فعله هؤلاء انهم البسوها جلباباً أحمر وأضافوا اليها شعارات تكميلية لغرض محاربة كيان (( الحزب الشيوعي العراقي )) السند الوطيد لجمهوريتنا الظافرة والعقبة الكؤود أمام دسائس الاستعمار وخططه ومؤامراته .
تعمل الحركة الانتهازية الجديدة على تهريب مختلف المفاهيم الغريبة عن الطبقة العاملة والمضللة لها والتي تستهدف حرف حركتها والحركة الوطنية عن مجراها الثوري الصحيح، وهي لا تكتفي بنشر ما تردده الصحف الرجعية والمعادية للديمقراطية من هراء حول الحركة الثورية وسياسة الحزب الشيوعي العراقي، بل تعمل تهريب مفاهيم المحرفين اليوغسلاف الى طبقتنا العاملة وحزبنا. وسنتناول هذه المفاهيم لنرى حقيقة هؤلاء الماركسيين، ومدى حرصهم الكاذب على مصلحة الطبقة العاملة والحزب الشيوعي .
لست في معرض مناقشة هؤلاء حول اسس التنظيم اللينيني للحزب وامتهانهم لها بمجرد ادعائهم تأسيس (( حزب شيوعي ))، جديد، فهذه امور نوقشت كثيرا، واصبحت واضحة وهي من أوليات المبادئ التي يعرفها حتى المبتدئون في العمل الحزبي، وهي تدين بشكل لا يقبل الجدل محاولة أدعياء الأمانة (( للاتجاه اللينيني في اسلوب العمل وطراز التنظيم الحزبي )) .
ان ما يهمنا مناقشته هو المفاهيم السياسية التي يستند اليها الانتهازيون لتبرير دعوتهم التخريبية وعملهم المعادي للطبقة العاملة والحركة الوطنية .
يضع الانتهازيون مسؤولية الأحداث التي مرت بها الجمهورية على عاتق الحزب الشيوعي، شأنهم في ذلك شأن جميع خصوم الحزب الشيوعي والطبقة العاملة، ويخطئون سياسته العامة، ولا يرون في جهاده المشرف أي جانب مشرق ويجسمون ما حصل من أخطاء تاكتيكية عدلت في حينه بعزم وسرعة تعبران عن جدية الحزب، ويتخذونها ذريعة (( قميص عثمان )) للهجوم على الحزب وقيادته واتجاهه الثوري الصائب .
فمن المسؤول عن الأحداث التي حصلت في العراق خلال عهده الجمهوري ؟ لم يبق هذا السؤال ليتبرع الانتهازيون بدافع من غيرتهم على الرجعية الاجابة عليه بالافتراء على حزبنا وقيادته المخلصة. فقد سبق للشعب أن اطلع على افتراءات الجهات المعادية للجمهورية كما أدرك الهدف من تلك الحملة المغرضة ضد الحزب وهو تصديع وحدة الصف الوطني وتركيز الهجوم أولا على المنظمات الديمقراطية والجماهير الشعبية الكادحة، وتجريد الجمهورية من أقوى سند لها ثم الاجهاز عليها وعلى قيادتها الوطنية. اثبتت الوقائع صواب ما أدركه الشعب في حينه، واظهرت الحقائق سواءا التي كشفها قائد الجمهورية سيادة الزعيم عبد الكريم قاسم في مؤتمره الصحفي الأخير، أو ما كشفت عن اعترافات المتآمرين وشهادات الشهود في محكمة الشعب، ان العناصر الرجعية المتآمرة ومن ورائها المستعمرون، كانت المحرك لجميع الأحداث، التي حصلت في كركوك، والهندية، والمسيب . . الخ
وأصبح الجواب على هذا السؤال، في نظر أوسع جماهير الشعب، المحك الذي يوضح حقيقة الجهة التي تقدم الجواب. فماذا أظهر هذا المحك بالنسبة للانتهازيين ؟ انهم ما يزالون يعزفون نفس المعزوفة الرجعية المقيتة معزوفة الافتراء على الحزب الشيوعي وقيادته، وتزكية الرجعيين والمتآمرين .
لقد صفعت الحقائق جميع الأبواق الرجعية كجريدة بغداد والحرية والفجر الجديد، ولم تعد افتراءات هذه الصحف لتنطلي على أحد، فتطوعت الزمرة الانتهازية الجديدة، للقيام بالمهمة غير المشرفة، مهمة تضليل الجماهير والتستر على النشاطات الرجعية، بالضرب على نفس المعزوفة ولكن باسم (( الماركسية ــ اللينينية )) و (( الشيوعية )) وتحت أقنعة من المصطلحات والألفاظ (( الثورية )) .
ان ابسط العمال والفلاحين وجميع الأخيار الطيبين، وقد اكتووا بنار الأحداث التي خلقها الرجعيون المتآمرون، يدركون تماما ان تلك الأحداث كانت مقدمة للمؤامرة الأخيرة، وان استمرار الافتراءات على المنظمات الديمقراطية والجماهير الكادحة والحزب الشيوعي لا يعني سوى التمهيد لمؤامرة جديدة. ولكن (( فلاسفة )) الانتهازية، دعاة الاستجداء أمام النشاطات الرجعية، لم تقنعهم جميع الحقائق التي أقنعت الجماهير وفضلوا (( انتشال )) الدعايات الرجعية من الافلاس الذي أصابها .
ولا يغير من هذه الحقيقة ان هؤلاء ركزوا هجومهم على قيادة الحزب، فالمسألة واحدة لا تتغير وهي مسؤولية الاحداث التي حصلت في البلاد ودور العناصر الرجعية فيها. ان مجرد وضعها على جهة ثورية يعني تبرئة الرجعيين والمستعمرين فلقد كانت الابواق الاستعمارية تضع مسؤولية المؤامرات على عاتق الشعب العراقي باسره وعائق حكومته الوطنية وتعتبر المتآمرين ضحايا العدوان، ولما وجدت نفسها غير قادرة على التضليل بدأت بمحاولة شق الصفوف وأخذت تركز الافتراءات على الحزب الشيوعي وأخذ عملاء الاستعمار والرجعيون في الداخل يتظاهرون كذبا بتأييد الحكومة الوطنية وقائد الجمهورية لتهريب افتراءاتهم الى ان تكشفت دسيستهم هذه والآن يحاول الانتهازيون تركيز نفس الافتراءات ضد قيادة الحزب الشيوعي وهم يقصدون نفس الهدف وهو إدانة الاتجاه الثوري الصائب الذي اتبعته الثورة في مسيرتها في السنة الأولى وتبنته الجهات المخلصة ومنها حزبنا الشيوعي .
ويستطيع القارئ ان يتتبع كتاباتهم في جريدتهم ليجدها تبدأ بهذه النقطة وتنتهي بتخطئة السياسة العامة للحزب. فهم يعتقدون أن جميع ما قام به الحزب كان خاطئاً ولهذا يطالبوننا بتنحية القيادة واحلال قيادة تسير على سياسة مغايرة تماما لما سار عليه حزبنا خلال العهد الجمهوري .
فهل كانت ستراتيجية حزبنا الشيوعي خاطئة كما يدعي الانتهازيون ؟