8 أبريل، 2024 5:12 م
Search
Close this search box.

حزب (المثقّفين) و حزب (المساكين)

Facebook
Twitter
LinkedIn

كانت وماتزال تسمى (بطبقة المثقفين) اولئك الذين لا تحلو لهم الجلسات الا مع بعضهم بعضا ، والذين إذا بدؤوا حديث الثقافة، انفصلوا عن العالم الخارجي،  وعاشوا عوالمهم الخاصة او التي اوجدوا لها خصوصية ما. أما إذا جالسهم شخص من غير طبقتهم، شعر بثقل الجلسة التي تزدحم اجواؤها بمصطلحات معينة قد تبدو غريبة على ذلك الشخص. وربما يرافق احاديثهم احكام قاسية على الآخرين الذين يعدونهم اقل منهم شأنا. وهكذا، مارس حزب (المثقفين) نشاطه في برجه العاجي فقط بينما ظل (حزب المساكين) أو الجماهير لصيق الحياة في الشارع.

قد يتجاهل حزب النخبة هذا دور الجماهير في الثقافة، ويكتفي بوصفهم بالمتفرجين..او القاعدة او الجمهور دون أن يدرك أن هؤلاء المتفرجين يمتلكون ثقافة غزيرة وإن لم يقرؤوا الكثير او ينجزوا ما يمكن ان يضيف اسماءهم الى حزب المثقفين. الثقافة الحقيقية ليس لها تعريف محدد، حيث قيل انها القدرة على التوصيل والتواصل وقيل انها رياضة الذهن وقيل انها عملية (تشذيب).

فمن هو المثقف اذن؟ من يقرأ كثيرا؟ ومافائدة القراءة دون تطبيق عملي على ارض الواقع؟ وهل يعتمد الوعي على كم القراءة ام نوعها؟ ربما يختصر سطران اوثلاثة معرفة كتابين او ثلاثة، وربما يتحول القارئ الى ورقة مصقولة في كتاب او ملف في حاسوب، وقد يتحول البعض الى انصاف مثقفين ، وهؤلاء هم الطبقة الأخطر في المجتمع كما وصفهم (الاكساندر بوب) والتي انتشرت في السنوات الأخيرة دون ان تضيف الكثير لحزب الأغلبية.

فما جدوى ان يوصف شخص على أنه مثقف وهو غير معني بما يجري في الشارع؟ ما جدوى ان يكتب ما لا يفهمه الآخرون؟ لااظن القضية هنا قضية اسماء ، فقد اختلفت المقاييس واختلط الحابل بالنابل. في زمن الأنترنيت والقنوات الفضائية المفتوحة ومع تراجع الكتاب والقراء واختلاط المبدعين والقراء والعرضحالجية، ضاعت معها هوية طبقة المثقفين التي كانت اكثر وضوحا في السابق . لذا قد يكون (الوعي) هو المقياس الجديد او الإسم الجديد لما يسمى بـ(الثقافة) ، وقد يكون الوعي اكثر اهمية من الثقافة لأنه الأداة التي يتم من خلالها ترتيب المعلومات وفهمها. نحن الآن في مرحلة نحتاج فيها الى الكثير من الوعي بما يجري حولنا، والى الجدية في قراءة الواقع، والى الإسهام في القرار السياسي والإقتصادي والاجتماعي. وبما ان المثقف مازال خارج كل هذه الحدود، اذن فقد تم تهميش طبقة المثقفين الذين مازال بعضهم يظن ان عليه ان يبرز عضلاته في الصالات الأدبية والمهرجانات، وينفث دخان سيكارته في بعض المقاهي التي تفردت بارتياد هذه الطبقة اليها.

عانت طبقة المثقفين الكثير و تشرذمت في ظل النظام السابق الذي  وضعها على رأس قائمة تصفياته وتحولت ثقافة الداخل الى الحزبية والأدلجة  تبعتها هجرة الكثير من المثقفين، فكان من الطبيعي ان تنزوي هذه الطبقة او تتبعثر هنا وهناك ويتلاشى دورها تماما في صنع القرار بل وتختفي من الحياة العامة.

ولكن، وبعد ان اتسعت مساحات الحرية، مازالت طبقة المثقفين التي تقع على عاتقها المسؤولية الكبرى في البناء الثقافي والحضاري غائبة عن الساحة ، وربما غائبة عن الوعي. مازال حزب المثقفين يسكن برجه العاجي برغم انتشار الأحزاب والمنظمات في مختلف انحاء البلاد. لم تعد القصيدة تؤجج شارعا كما يفعل المسلسل التركي، ما زالت طبقة المثقفين مهمشة وغير فعالة، وإن تفضل أحدهم بالحديث فيكون حديثه لنفسه ، وإن كتبوا فلبعضهم البعض، بينما ينحدر البلد الى هاوية لا يعلمها الا الله ، واولئك الذين يرسمون خططهم خلف الستار ، وينظرون الى حزب المثقفين على انه حفنة (بطرانين) حالمين يبحثون عن هوياتهم في صحف ومؤسسات اعلامية معظمها مجهول الهوية. اما افراد هذا الحزب فمعظهم فقد القدرة على ان يكون صدى صرخة الشارع، بل إن ما يربط بينهم وبين حزب (المساكين) هو اشبه بحوار الطرشان…

[email protected] 

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب