23 ديسمبر، 2024 5:28 ص

حزب العمال الكوردستاني والخيار الافضل

حزب العمال الكوردستاني والخيار الافضل

المتابع للتطورات الاخيرة في المنطقة وما رافقها من متغيرات في الملف الكوردي، يصل الى قناعة مفادها ان هذا الملف وصل الى مفترق طرق مفتوح على كل الاحتمالات , تعتمد نتائجه على نجاعة الاداء الكوردي ، وقدرته على التعامل مع التحديات الراهنة بحرفية وحكمة . ورغم ايماننا بخصوصية كل جزء من كوردستان لكن هذا لا ينفي تاثر كل جزء بالتطورات الحاصلة في بقية اجزاء كوردستان سلبا او ايجابا .
وفي الوقت الراهن فان الجزء السوري من كوردستان يمر بحالة صيرورة وتشكيل تتطلب من جميع الاطراف الكوردية توخي الحذر في التعامل معه ، ومن بين هذه الاطراف “العمال الكوردستاني”… الذي استحوذ على القرار الكوردي في سوريا بشكل كامل رغم السلبيات التي تسبب بها هذا الاستحواذ ، لذلك فهو مطالب اكثر من غيره باتخاذ قرارات تاريخية مهمة ليس من اجل مصلحة ذلك الجزء فحسب ، بل من اجل ان يخرج حزب العمال من الوضع الذي اوقع نفسه فيه سواء في تركيا اوالعراق او سوريا باقل الخسائر . فمن الواضح ان حزب العمال يعاني من مشاكل داخلية ، ومحلية كوردية ، واقليمية وحتى دولية ، كان سببها الخطوات الخاطئة التي انتهجها طوال ما يقارب الاربعين سنة من تاسيسه , هذه المشاكل تتطلب منه مراجعة شاملة لتوجهاته والطريقه التي يدير بها صراعه في المنطقة .

الاخطاء التي رافقت مسيرة العمال الكوردستاني

١- بعد ان تهاوى سقف اهداف العمال الكوردستاني من استقلال كوردستان الكبرى , الى الديمقراطية لتركيا كاضعف الايمان اصبح لزاما عليه الاجابة على التساؤول المشروع التالي .. لماذا نقاتل ؟
فتطبيق الديمقراطية وترسيخها لا يستوجب حمل السلاح والقيام بثورة مسلحة في دولة تقام فيها انتخابات ولديها برلمان وعملية سياسية مثل تركيا ( رغم تحفظات البعض عليها) ، ووجود حزب الشعوب الديمقراطي ( المقرب من العمال الكوردستاني ) في ذلك البرلمان قدم للشعب الكوردي اكثر ما قدمه العمال الكوردستاني من خلال البندقية. وبما ان العمال الكوردستاني تنازل عن طرحه القومي وتبنى فكرة الشعوب الديمقراطية ، فلماذا لا يسلك طريق حزب الشعب الجمهوري التركي بقيادة كمال قليجدار ، الذي يعارض هو ايضا حزب العدالة والتنمية ويحارب من اجل الديمقراطية كما يحارب من اجلها العمال الكوردستاني ، لكن من داخل قبة البرلمان التركي ، دون رفع السلاح ضده ، مع انه يتعرض للكثير من الضغوطات .
غالبا ما يؤكد العمال الكوردستاني بان احتفاظه بالسلاح يعزز تاثير حزب الشعوب الديمقراطي في الحياة السياسية في تركيا , بينما يثبت الواقع عكس ذلك ، فقد نجحت حكومة التنمية والعدالة باحالة الكثير من برلمانيي الشعوب الديمقراطي الى المحاكم تحت ذريعة دعمهم للعمال الكوردستاني ، لذلك فالوجود المسلح للعمال الكوردستاني اثر سلبا على النفوذ السياسي الكوردي في تركيا وليس العكس .

٢- طوال ما يقارب الاربعين سنة الماضية حارب العمال الكوردستاني الدولة التركية بايدلوجيات مختلفة بدأت من فكرة كوردستان الكبرى وانتهت بفكرة الكانتونات وديمقراطية الشعوب ، ومن الفكر اليساري الليبرالي الى فكر ضبابي يساري راديكالي ، غير مدرك بان القفز بين الايدلوجيات بانحنائات حادة تخلق جوا من العشوائية لدى مؤيديه تزعزع ثقتهم بقدرة حزبهم على تحقيق طموحاتهم التي يحاربون من اجلها ، وقد تخلى الكثير من العناصر المسلحة او التنظيمية عن الحزب لادراكهم بعدم جدوى ما يحاربون من اجله .

٣- في الوقت الذي استمر فيه العمال الكوردستاني بقتاله مع تركيا , فتح جبهة جديدة في كوردستان سوريا , كانت جبهة عسكرية في البداية ثم ما لبثت ان تحولت بعد القضاء على داعش الى جبهة سياسية تتعامل مع واقع سياسي سوري غاية في التعقيد والتشابك ، لدرجة ان الكثير من الدول الاقليمية المؤثرة غادروا الساحة السورية , بينما بقي العمال الكوردستاني يتعامل مع هذا الواقع المعقد بالرغم من كونه جهة عسكرية غير مهيئة سياسيا لهذا الدور ، فاصبح مكشوفا ومعرضا لهزات سياسية وعسكرية كثيرة ، راينا نتائجها في التوغل التركي لاراضي كوردستان سوريا .

٤- رغم ما اوضحناه في النقطة الثالثة اعلاه استمر العمال الكوردستاني بالاستفراد في السيطرة على الوضع السياسي والعسكري لكوردستان سوريا , رافضا اشراك القوى الكوردية الاخرى , ادى ذلك الى توتر علاقاته مع الاحزاب الكوردية الاخرى ومع شريحة واسعة من الشارع الكوردي ، مما اضعف الموقف الكوردي في سوريا .

٥- بعد مضي ما يقارب الاربعين سنة على تاسيس العمال الكوردستاني لا يزال يتبنى النظريات اليسارية في قيادة الثورات , رغم ان استيراده لنظريات جاهزة وتطبيقها في بيئة غريبة عنها وغير مهيئة لها افقده قوة التاثير في الشارع الكوردي المحافظ في تركيا ، سانحا المجال لحزب التنمية والعدالة في استثمار هذه النقطة لصالحه وتقديم نظريته الاسلامية القريبة من نبض شعوب المنطقة المحافظة , وقد نجح في الحصول على تاييد شريحة واسعة من الكورد على حساب حزب العمال الكوردستاني الذي ظل متمسكا بالنظريات اليسارية الجاهزة ، بينما كان الاولى به استنباط افكار ونظريات سياسية خاصة به حسب المجتمع الذي يتحرك خلاله والظروف المحيطة به .

٦- ينبغي الاشارة الى نقطة غاية في الاهمية ساهم بتسويقها الاعلام الغربي ، وانخدع بها العمال الكوردستاني ودفع ثمن تصديقه لها ، وهو نفس الخطا الذي وقع فيه صدام حسين وبن لادن وتقع فيه الحكومة الايرانية حاليا , وهي المبالغة في تصوير القوة والامكانيات ، وايهامه بالقدرة على تحقيق التغير من خلال الذات الحزبية او المنظماتية . فقد عمل الاعلام الغربي في فترات كثيرة على تسويق قوة حزب العمال الكوردستاني العسكرية والتنظيمية ، وكان هذا التسويق الاعلامي الغربي في تصاعد ونزول طرديا مع حدة الصراع السياسي بين الغرب وتركيا . ويبدو ان العمال الكوردستاني قد تقمص هذا الدور ، وتصور انه القوة الكوردية الوحيدة المؤثرة على الساحة ، وان بامكانه تحقيق الكثير من المكاسب السياسية والعسكرية ضد تركيا . وبذلك وقع بنفس المطب الذي وقع فيه الكثير قبله ، فاخذ يتعامل بفوقية شديدة مع بقية الاحزاب الكوردية في اجزاء كوردستان الاربعة ، رغم ان الكثير من الاحزاب الكوردية الاخرى قد حققت ما لم يحققه العمال الكوردستاني طول مسيرته .
لا نستطيع انكار ان هذه الهالة الاعلامية الكبيرة افادت العمال الكوردستاني في انضمام الكثير من الشباب الكوردي له في فترة من الفترات , الا ان هذه النظرة الفوقية افقدته البوصلة , ومنعته من الاندماج مع الواقع السياسي الكوردي , فبقى في برجه العاجي وحيدا يغرد خارج السرب الكوردي مما اثر عليه سلبا في النتيجة .

رغم ما ذكرنا اعلاه من اخطاء وهفوات تكاد تفقد العمال الكوردستاني تاثيره في المنطقة ، فلا يزال امامه ثمة فرصة سانحة قد تكون الاخيرة لانقاذ ما يمكن انقاذه عن طريق مراجعة شاملة لمسيرته بواقعية بعيدا عن التنظير، ودراسة الظروف الدولية والاقليمية وموقع الملف الكوردي من هذه الظروف .

فتركيا اليوم تعيش وضعا سياسيا استثنائيا يمكن استغلاله بشكل من الاشكال , بعد ان تضخم عندها الطموح لان تتحول الى قوة اقليمية مؤثرة , ويبدو هذا جليا في محاولاتها التدخل في بعض دول المنطقة ابتداءا من سوريا ومرورا بالعراق وليبيا وانتهاءا بتدخلها في الصراع الاذربيجاني الارمني ، ولسنا هنا بصدد تقيم التوجه التركي هذا , بقدر ما يهمنا دراسة ما يمكن تحقيقه للملف الكوردي من خلال هذه التطورات .
هذا الطموح التركي يحتاج الى وضع داخلي مستقر سياسيا ، واي خطوة من قبل العمال الكوردستاني على طريق التهدئة مع الحكومة التركية سيقابل ايجابيا من الجانب التركي ، خاصة ان كانت الخطوة الكوردية تصل حد تخلي العمال الكوردستاني عن الكفاح المسلح ، وتحوله الى العمل السياسي داخل تركيا ، كذلك اعلانه عن سحب يده من كوردستان سوريا ، ضمن اعلان واضح وصريح بذلك .
قد يتبادر الى ذهن القاريء ان ما نقوله هنا لا يمكن للعمال الكوردستاني حتى مجرد التفكير فيه ، غير ان المنطق السياسي للتطورات يوحي بان هذه هي الخطوة الاكثر عقلانية في هذه المرحلة , والتي ستكون لصالح الملف الكوردي في العراق وسوريا وحتى في تركيا على المدى البعيد . فيجب ان لا نتغافل عن التطورات السياسية الكوردية في سوريا وبدء الاهتمام الغربي والامريكي بالموارد النفطية والطبيعية لكوردستان سوريا ، والذي تكلل اخيرا بعقد الادارة الذاتية اتفاقا مع شركات نفط عالمية لاستثمار الثروة النفطية في شرق سوريا ، هذا التوجه الامريكي الغربي الاخير لن يعطي المجال للعمال الكوردستاني في الاستفراد بالملف الكوردي السوري مثلما كان عليه في السابق ، فنمو مصالح اقتصادية امريكية في منطقة الادارة الذاتية سيدفع بها للتفكير جديا بتهدئة الوضع السياسي في تلك المنطقة ، ووجود تاثير العمال الكوردستاني فيها يجهض محاولات التهدئة هذه وتثير حفيظة تركيا ، وبالطبع فان امريكا ليست بصدد التضحية بمصالحها الاقتصادية والامنية والسياسية مع تركيا والادارة الذاتية شرق سوريا من خلال معادلة لا ارى للعمال الكوردستاني مكانا فيها ، يعزز ذلك تنامي بديل كوردي سوري تستطيع الاعتماد عليه المتمثل بجناح الجنرال مظلوم كوباني . وفي رايي فحتى الحملة التركية الحالية على مواقع العمال الكوردستاني في المناطق الحدودية بين اقليم كوردستان وتركيا هي بضوء اخضر امريكي يهدف الى اضعاف تاثير هذا الحزب في الداخل الكوردي السوري وكذلك تحييده تركياً .لذلك فمن الضروري على العمال الكوردستاني الهروب خطوة الى الامام واعلان فك ارتباطه عن الداخل السوري لاعادة ترتيب اوراقه مع الغرب فيه , ثم الاعلان عن رغبته في القاء السلاح والمشاركة في الحياة السياسية في تركيا مثله مثل اي حزب تركي اخر , وبذلك سيتمكن من الدخول ب( باكج ) كامل في المشروع الذي تتضح ملامحه الجديدة في المنطقة ، والذي يربط اقليم كوردستان مع مناطق الادارة الذاتية في كوردستان سوريا من خلال الثروة النفطية .
هناك الان قواسم مشتركة كثيرة بين اقليم كوردستان وكوردستان سوريا ، تعززها المصالح المشتركة بين الجانبين فيما يخص ربط حقول النفط في المنطقتين بالعالم ، اما عن طريق تركيا ، او عن طريق سوريا باتفاق امريكي كوردي وبتنسيق سوري , كما اشرت الى ذلك في مقالات سابقة .
وفي كلتا الحالتين فان تصفير المشاكل الكوردية مع تركيا في المنطقة ستصب في صالح الاجزاء الثلاث من كوردستان ..في العراق وسوريا كاقليمين اداريين ، وفي كوردستان تركيا من خلال عملية سياسية قد تساهم في تهدئة الوضع السياسي في المناطق الكوردية في تركيا تمهيدا لاعمارها وتطويرها .