دوران كالكان يدور حول نفسه
في البداية كنت مترددا في الخوض بهذا الموضوع لايماني باننا في هذه المرحلة احوج ما نكون الى رص الصف الكوردي امام المؤامرات التي تحاك ضدنا اقليميا والتي من احدى اوجهها الحرب المفروضة علينا من قبل داعش ومن يدعمها في المنطقة . ولكن يبدو ان فقرات هذه المؤامرة قد انيطت قسم منها الى جهات محسوبة على الكورد فكان لزاما الاشارة اليها وانتقادها , خاصة وان المواطن الكوردي العادي في كوردستان بدا يحس بمسئوليته الوطنية والقومية تجاه كوردستان اكثر من العديد من الساسة الذين يدعون الاخلاص لهذا الشعب زورا وبهتانا .
فقد انتقد عضو اللجنة الادارية لحزب العمال الكوردستاني (PKK) السيد دوران كالكان ما وصفه بالنظام المركزي في اقليم كوردستان عموما وفي الحزب الديمقراطي الكوردستاني بشكل خاص , وذكر بانه لا يجوز ان تحكم اربيل اقليم كوردستان كلها , مشيرا بان الحزب الحاكم في كوردستان ( الحزب الديمقراطي الكوردستاني) يقتدي بحزب العدالة والتنمية التركي , مؤكدا ان المجتمع الكوردستاني متعدد القوميات والاديان واللهجات لذلك فان من حق دهوك والسليمانية وسنجار من ادارة نفسها بنفسها , مضيفا انه لو تحقق ذلك فستنضم كركوك الى اقليم كوردستان التي وخلال تجربة ال 25 سنة الماضية لم تستطع حكومة الاقليم ضمها . وتناول كالكان موضوع توحيد البيشمركة مع مقاتلي حزبه ( الكريلا ) واتهم حكومة اقليم كوردستان بالوقوف ضد هذه الخطوة . واختتم تصريحه بالتاكيد على انهم اي العمال الكوردستاني لا يقبلون تقسيم كوردستان ولا يطمعون في الحكم الا انهم ( وكما قال) مع ادارة الشعب نفسه بنفسه .. .
في بدايات تاسيسه تبنى حزب العمال الكوردستاني شعارات ضخمة من قبيل كوردستان الكبرى باجزاءها الاربعة واخذ يخون كل الاحزاب الكوردستانية الاخرى التي تدعو الى اشكال من الحكم الذاتي ضمن بلدانهم حينها . ولان البدايات الحزبية تكون دائما دونكيشوتية فكنا على يقين بانه حال وصولهم للنضج السياسي والواقعية السياسية سينزل سقف شعاراتهم للمستوى الذي يوالم ظروف الواقع الكوردي في المنطقة . لكن ما يدعو للاستغراب ان هذا الحزب لم يتوقف عند حدود الحكمة السياسية بل نزل اكثر من السقف المطلوب بكثير لتقف مطالبه عند حدود الديمقراطية في تركيا و دعوات ( خجولة) لنوع من الادارة الذاتية , وتجاوز الحدود الطبيعية لينادي بكانتونات واقاليم متعددة ضمن كل جزء من اجزاء كوردستان , وفي الحالتين فان العمال الكوردستاني يخون من لا يتفق مع طروحاته ويتصور ان ما يتوصل اليه من افكار بعد كل مرحلة لا يدر بخلد الاحزاب الاخرى وهو الوحيد صاحب الحقيقة المطلقة
واضح من التصريح ان بعض اعضاء حزب العمال الكوردستاني وللاسف تساموا من حالة المراهقة السياسية التي عانوا منها في تسعينات وثمانينات القرن الماضي الى حالة الخرف دون المرور بحالة النضوج السياسي , ولكي لا نطيل على القاريء دعونا نسلط الضوء على النقاط التي اثارها كالكان كي نفهم الوضعية التي بدا العمال الكوردستاني ينحدر اليه .
1- التلاعب السياسي الواضح بمصطلحات الادارة والحكم في التصريح , فاذا كان السيد دوران يقصد بالادارة ( ادارات محلية للشئون المدنية) في المدن والمناطق الكوردستانية فحينئذ لن يكون للقسم الاخر من تصريحه معنى فيما يتعلق بالحكم المركزي في كوردستان , لان هذا ما هو موجود فعلا في الاقليم , اما اذا كان يقصد بالادارة في التصريح الادارة السياسية ( الحكم) فهذا يعني التقسيم باوضح صوره وهو يتناقض مع الجزء الاخر من تصريحه حينما يقول نحن لسنا مع تقسيم كوردستان .
2- يفترض بحزب العمال الكوردستاني ان لا ينتقد صيغ الحكم المركزية اينما تواجدت في العالم , فطوال عمر الحزب كان الحكم فيه مركزيا متسلطا شانه في ذلك شان اغلب الاحزاب التي تبنت الفكر اليساري في اواسط القرن الماضي وزاد عنها باحاطة قياداته بهالة من القدسية لم تصل اليها اي من الاحزاب الكوردستانية في اجزاءها الاربعة. وما زال يعاني من هذه المركزية والا فكيف نفسر ادارته من سجن اميرالي لغاية اليوم ؟
3- ان الحديث عن اللامركزية والديمقراطية يكون في دول واقاليم انتقلت من حالة اللااستقرار الى حالة مستقرة دون تخوفات مستقبلية , ورغم اننا في اقليم كوردستان لا نزال نعيش حالة الثورة ولم نصل الى حالة الاستقرار السياسي الذي يمكن لنا من خلاله التفكير في بناء الاسس الديمقراطية الصحيحة الا ان الاحزاب الكوردستانية تبنت حالة ديمقراطية قبل نظيرها في كل دول المنطقة المستقرة . وهنا اريد ان اسال الاخوة في حزب العمال الكوردستاني … هل وجدت ديمقراطية ثورية في كل التجارب الثورية في العالم ؟
4- ان ادارة الحروب في اي دولة او اقليم تستوجب اتخاذ قرارات صارمة من حكوماتها كي تتفرغ لادارة المعارك وتوجيهها نحو النصر , وغالبا ما تكون هذه الاجراءات على حساب الحالة الديمقراطية فيها , ورغم ان الاقليم الان يعيش حالة حرب مفروضة عليه من الدواعش ومن يدعمها الا ان حكومته لم تحاول الالتفاف حول المكتسبات الديمقراطية للشعب الكوردستاني , بل استمرت في تعميق تجربتها الديمقراطية .
5- ما يدعو للضحك في التصريح انه عزى عدم انضمام كركوك الى كوردستان للمركزية الموجودة فيها ( على حد زعمه) . ويظهر ان الاخوة في العمال الكوردستاني لا يدركون ان ملف كركوك ليس له علاقة بالوضع الداخلي الكوردستاني لا من قريب ولا من بعيد وهي قضية دستورية تتعلق بحكومة المركز في بغداد , وسواء كان الحكم في الاقليم مركزيا او ديمقراطيا فقضية كركوك كانت ستمر بنفس المراحل التي مرت بها من الالفين وثلاثة ولغاية يومنا هذا .
6- لن نكون محامين للشيطان وندافع عن حزب التنمية والعدالة , لكن ما يستغرب منه هي الشزوفرينيا التي يعاني منه العمال الكوردستاني , ففي الوقت الذي يفاوض فيه حزب التمنية والعداله لاكثر من سنة على حل القضية الكوردية في تركيا ويهيل مسئولوه وخاصة السيد عبدالله اوجلان بالثناء والمدح على حزب اردوغان تاتي السيد كالكان لينتقد طريقة حكم اردوغان لتركيا متهما اياها بالمركزية … ترى لو كانت المفاوضات افضت الى نتائج ايجابية هل كان السيد المذكور سينتقد اردوغان وحكمه مثلما ذكر في هذا التصريح ؟
7- وجود قوميات واديان متعددة في اقليم كوردستان لا يعني باي حال ما ذهب اليه دوران كالكان في احقيتها او حتى المدن في ادارة نفسها بنفسها , والمضحك في الموضوع ان هذه المدن التي يحاول كالكان اعطاءها ادارات ذاتيه لا تضم اغلبيات قومية او دينية , بل هي مجتمعات متداخلة فيما بينها تعيش حالة نموذجيه من التاخي والسلام يجعل من اي دعوة كهذه كلاما سمجا وساذجا , فقد حاولت حكومة الاقليم تحويل كوردستان الى واحة للتعايش بين مكوناتها خلال الخمس وعشرين سنه الماضية ونجحت فيها ايما نجاح مما جعل الكثير من شرائح المجتمع العربي خارج اقليم كوردستان يطالبون بضمهم الى الاقليم .
ان الدعوة الى ادارات محلية تكون صحيحة عندما تكون حلا لمشلكة فقدان التعايش السلمي المشترك , لكن عندما تثار هذه النقطة لخلق مشاكل غير موجودة (مثلما يحاول هذا الحزب في منطقة سنجار الان) فهذا يعتبر خيانة لكل الشعارات التي ظل الحزب يرفعها منذ بداية تاسيسه ولغاية يومنا هذا .
8- اما حديث السيد دوران كالكان عن دمج مسلحي حزبه مع البيشمركة واتهامه بان الحزب الديمقراطي الكوردستاني يقف وراء رفض هذه الفكرة فهو كلام مردود عليه ومحالة للاصطياد في الماء العكر , لانه وببساطة فان البيشمركة مؤسسة عسكرية تابعة لاقليم لا يزال ضمن دولة اسمها العراق , وليس هناك اي مسوغ قانوني لدمجها مع مجاميع مسلحة تابعة لحزب يحاول الانضمام الى عملية سياسية في دولة مجاورة مثل تركيا .
ان كانت هذه الطروحات الجوفاء تنطلي على بعض المساكين في بعض مناطق كوردستان واجزائها فان شعب كوردستان العراق بكافة طوائفه وقومياته واديانه اوعى من ان تنطلي عليهم هذه الدعوات الباطلة والتي تصب في اجندات دول طالما حاولت وئد التجربة الكوردستانية في العراق .