23 ديسمبر، 2024 2:59 م

حزب الدعوة والموت السريري

حزب الدعوة والموت السريري

” لاتجد قوما يؤمنون بالله واليوم ألآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا أباءهم أو أبناءهم أو أخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب في قلوبهم ألآيمان وأيدهم بروح منه ويدخلهم جنات تجري من تحتها ألآنهار خالدين فيها رضي الله عنهم ورضوا عنه أولئك حزب الله ألآ أن حزب الله هم المفلحون ” – 22- المجادلة –

لا الزمان زماني ولا الرجال رجالي – ألآمام جعفر بن محمد الصادق –

الحزب في ألآسلام وسيلة وليس هدفا , وهذه الوسيلة أن صدأت أو أصابها عطب أو خلل من عاديات الزمان , أو من سوء تصرف الحزبيين ” أنتشر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ” فهؤلاء الحزبيين الفاسدين أصبحوا من عامة الناس وليسوا من حزب الله المفلحين , وعموم الناس محكومون بالقاعدة القرأنية ” أن ألآنسان لفي خسر , ألآ الذين أمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر ” – سورة العصر –

تعرض حزب الدعوة لآنتكاسات تنظيمية منذ بداية أنطلاقه , وهذا ما لايعرفه أكثر الدعاة , بل حتى الذين منحوا أنفسهم ألقابا قيادية في التنظيم وهم ليسوا أهلا لها مثل : لقب ألآمين العام , ولقب : المكتب السياسي , ولقب شورى الدعوة حتى هؤلاء لايعرفون ألآنتكاسات التنظيمية بمعناها الفكري والتربوي , وحتى بعض الذين أمتد بهم العمر ولازالوا يتذكرون ألآيام ألآولى وأشخاصها , ألآ أنهم ليسوا من الذين يتمتعون بعمق فكري يعطي للتنظيم وللحزب معناه ومضمونه في مسيرة المجتمع فهم عناصر طاردة , وليست عناصر جاذبة في الدائرة ألآجتماعية , فضلا عن فشلهم في الدائرة التنظيمية , وهذا ما يعرفه أغلب الدعاة ولكن لايجدون له حلا فضلوا يلوذون بالصمت السلبي , وألآنسان مأمور بالكلام وليس بالصمت , وهذه أولى مشاكل حزب الدعوة التي قادته الى الموت السريري اليوم , ومن يموت سريريا ليس أمامه سوى أنتظار القبر وهذه سنة الله , وحتى الذين يتجاوزون مرحلة الموت السريري وهم حالة نادرة ويعودوا للحياة العاجزة , فهؤلاء لايصلحوا بعد ذلك لآدوار البناء , وأنما هم ينتظرون موتا محتما , قال الشاعر :-

وكنت كذي رجلين رجل صحيحة .. ورجل رماها الزمان فشلت ؟

وحزب الدعوة بمظاهره الحزبية التي تدعي به المجموعات التي تعمل بمكاتبه , هي مظاهر زائفة منافقة لاتحمل من مبادئ ألآسلام شيئا ولا من أخلاقيات الموروث ألآجتماعي المطبوع بألآسلام أثرا , ومن هنا فدعوات بعض المخلصين لقيام حزب الدعوة بأنقاذ الدولة العراقية من الفساد وأنقاذ نفسه من الفساد , هي دعوات تغرد خارج سرب الحدث العراقي وهو جزء من المنطقة والعالم , وهذا الحدث المتسارع بالغريب من المظاهر وألآدوار التي خرجت على كل مألوف وأستجمعت كل ماهو بالشناعة والفساد موصوف , ولم تعد تنتمي لخطاب السماء أن على مستوى الكلمات أو الحروف كداعش ومن معها من عصابات ألآرهاب التكفيري التي لاتعرف الحياة بل تعرف الموت والحتوف .

وكل الذين تخلفوا عن خطاب السماء من أنظمة السلطة ومن أحزاب السلطة , ومن هم معهم وفي خطهم من علمانيين لم يعرفوا معنى العلمانية , أو متدينين  لم يعرفوا معنى الدين , كل هؤلاء يشكلون طابورا فاسدا تلفظهم الرحمة الربانية ولا تستغفر لهم ملائكة السماء بل تلعنهم بما أرتكبوا , يتساوى في ذلك الداعشي وغير الداعشي من أصحاب ألآنحرافات مع الفارق في درجات العقاب والحساب , فهناك عذاب , وعذاب أكبر , والله من ورائهم محيط .

فالميت سريريا وهذا مصطلح طبي وأحد ألآخوة الطيبين ممن أقترحوا ذلك ألآقتراح هو طبيب حاذق يعرف أكثر من غيره معنى ” الموت السريري ” والموت الدماغي , والشلل الرباعي والشلل النصفي , وكل هذه ألآعراض المرضية أصيب بها حزب الدعوة بشخص من يعملون في مكاتبه التي تحولت الى أثار وخرائب تسكنها الغربان والبوم , وأذا أستحضرنا قول الشاعر :-

أذا كان الغراب دليل قوم .. يعلمهم على دار الخراب ؟

ولذلك بسبب العقول المعطوبة التي لم تكن يوما من صناع الفكر الدعوتي الذي طرحه العملاق الموهوب والمتواضع المرجع  محمد باقر الصدر والذي تنبأ بمستقبل هؤلاء الخائبين عندما قال لهم أواخر أيام حياته الشريفة : أنكم لم تحصلوا على ملك هارون الرشيد , فلا تنتقدوه حتى تملكوا ماملك الرجل , فأذا حافظتهم على أستقامتكم في الحكم  عند ذاك يمكن لكم أن تنتقدوا من لم يرع حق الحكم والناس ؟

أن الموجودين في مكاتب حزب الدعوة اليوم تنطبق عليهم قاعدة ” فاقد الشيئ لايعطيه ” وهؤلاء بشخص من سمي بأمين عام ومن سموا بشورى الدعوة , ومن سموا بأعضاء المكتب السياسي , ومن سموا بمسؤولي المناطق والمكاتب , كلهم ينطبق عليهم قول الشاعر :-

ثلاث عجائز لهم وكلب .. وأشياخ على ثلل قعود

فكلبهم كلب هراش , وعجوزهم عجوز نفور  وأنكماش , والقاعدون على الثلل منهم ليسوا بأشياخ .

وحزب الدعوة الذي أنفرط عقده التنظيمي الى عقد مسيرة بيد لاتريد لحزب الدعوة البقاء وألآستمرا كحزب عقائدي رسالي يعمل في صفوف ألآمة المسلمة ليس بالعراق وأنما حيث يوجد المسلم الواعي بغض النظر عن جنسيته وقوميته , ولذلك كانت تسمية ما يسمى بحزب الدعوة تنظيم العراق تنحو منحى الذين خططوا لآنشقاقه وهم ليسوا عراقيين ليقولوا للسذج والبسطاء بأن تنظيم حزب الدعوة هو لآهل العراق فقط ؟

والذين تلبسوا برداء ألآنشقاق وهم ليسوا أهلا لحمل الفكر الدعوتي أنطلت عليهم خطط الذين يريدون أنغماس حزب الدعوة بمشاكله الداخلية حتى لم يعد منافسا في الساحة ألآسلامية لمن يريدوا ألآستفراد بها , فجاءت تسمية ألآنشقاق ألآخر وهو ما يسمى بحزب الدعوة تنظيم الداخل ؟

أما كوادر الدعوة , وأنصار الدعوة , وأحرار الدعوة فهي ردات فعل غير مدروسة على واقع تنظيمي يمر بظروف محاصرة سياسية خانقة أفقدته الكثير من قياداته  , وحركة الدعوة وهي أقدم ألآنشقاقات التي لم يكن من كان ورائها من حملة الفكر الدعوتي بأفاقه العالمية , ولا قياديا يمتلك مواصفات الشخصية القيادية بالمواصفات التي حددها رسول الله “ص” وهي مائة وثلاث صفات , وأنما كان كادرا من كوادر منطقته الجنوبية أدى سوء تقديرهم للموقف التنظيمي الى أرباكات وأهتزازات راح ضحيتها عام 1974 مئات الدعاة .

لقد كان شيخ من مشايخ الدعوة المعممين يقول لمن حوله من الشباب : أذا طلعت الشمس عليك أن تطفئ الشمعة ؟ ويقصد بالشمس الجمهورية ألآسلامية في أيران , ويقصد بالشمعة حزب الدعوة ألآسلامية , والمقولة قيلت في ظرف عاطفي يغري البسطاء ومن ليسوا من أهل الفكر , وهي مقولة تحمل خطأ سياسيا وتنظيميا  وفكريا , فحزب الدعوة ألآسلامية لم يكن منافسا لقيادة الدولة ألآسلامية , وأنما هو ذراع من أذرع ألآمة الواعية يمكن أن يكون سندا وعونا لكل المخلصين في قيادة ألآمة , ولذلك قال الشهيد محمد باقر الصدر مؤسس حزب الدعوة ألآسلامية كلمته الشهيرة التي لم يفهمها محبوه وخصومه على حد سواء وهي : ذوبوا في ألآسلام كما ذاب ألآمام الخميني في ألآسلام .

أن ألآشخاص الذين لم يحسنوا أدارة التنظيم وتحولوا الى متحزبين , والذين أنقسموا على أنفسهم , والذين أستبدلوا بحزب الدعوة ماهو أسوأ من المسيئين في حزب الدعوة , والذين أتيحت لهم فرصة الحكم عبر دورات من حكم العراق أمتدت من أيام مجلس الحكم سيئ الصيت الى نهاية حكم 2014 لم يكونوا أهلا للحكم والقيادة ولذلك ظهرت حركتهم نشاز تدعو للسخرية وتجلب العار لهم ومن معهم , وهؤلاء ظلوا يرددون شعارات أسلامية نظريا وهم أنفسهم يمارسون عكسها مما جعلهم ممن ينطبق عليهم الجهل المركب ” أي أنهم يجهلون ويجهلون أنهم يجهلون ” فلا أستعموا لناصح , ولا قربوا كفاءة وخبرة , وأنما أصروا على أحاطة أنفسهم بالمحدودين والفاشلين وهؤلاء هم أسرع للفساد من غيرهم , وهكذا ومع وجود دولة فيها ثراء طمع فيه الفاسدون , وعجز عن تنظيمه وأستثماره  المحدودون , فعم الفساد أجهزة الدولة , فأفتقر الفقير , وأزداد غنى ألآثرياء وطغى الفاسدون منهم , فأنهارت القيم التي تعرضت لهزات قوية أيام الحصار ألآقتصادي في التسعينات , وبأنهيار القيم في المجتمع فسد كل شيئ أمنيا وأقتصاديا وسياسيا وتربويا وصحيا وثقافيا ودينيا .

وحزب وصل أعضاؤه الى هذا الحد من ألآنقطاع عن القاعدة الشعبية , فكل وسائله كانت فاشلة وفاسدة , من ألآسناد العشائري الذي أصبح مطلبا جماهيريا لآلغائه , والى الصحوات التي لم تكن مبنية على أسس تعبوية تنظيمية صحيحة , الى المصالحة الوطنية التي لم تكن سوى رغبات المنتفعين الفاشلين الذين لايعرفون فكر وثقافة المصالحة , الى ألآنتخابات التي حولوها الى ولاءات طائفية حزبية ضيعت بوصلة الوطن والمواطن , الى تعيينات جعلوها للمحازبين والحواشي , الى مناصب وزعت حسب المحاصصة وليس حسب الكفاءة , الى أدارة دبلوماسية لاتعرف من الدبلوماسية شيئا غير الراتب وألآمتيازات , الى أدارة عسكرية وأمنية فاشلة في كل شيئ ومنغمسة في الفساد مما جعل العصابات ألآرهابية التكفيرية تجد فرصتها الذهبية في التوغل وأيجاد حواضن متكلسة على ألآحقاد الطائفية والتي وجدت في داعش متنفس لها حتى خاب ظنها عندما رأت جرائم وفضائع داعش بألآعراض وألآموال والمنشأت والممتلكات .

أن فكرة أن يقوم الدعاة بأجراء محاكمة للعناصر الفاسدة , فكرة تظل مقبولة مبدئيا ولكنها في الواقع لم تكن وسيلة نافعة للحكم الذي تجاوزهم ورفضهم حتى ممن لم يسيئ منهم ولكن جريرة الفاسدين الظالمين تعم الجميع على قاعدة ” أتقوا فتنة لاتصيبن الذين ظلموا منكم خاصة ” .

وفكرة أن تقوم الدعوة بأصلاح فساد الدولة , فكرة محكومة بقاعدة ” ترجيح بدون مرجح ” ومعها قاعدة ” فاقد الشيئ لايعطيه “

ولذلك فالمفكرون من الدعاة القدامى الذين قطعوا علاقتهم بحزب الدعوة ألآسلامية نتيجة تشخيصهم المبكر للآمراض السلوكية  يقولون للدكتور حيدر العبادي : أبتعد عن غطاء حزب الدعوة وأبتعد عن غطاء أحزاب السلطة , لآنهم كلهم فشلوا في أدارة الحكم والدولة , والكثير منهم فسدوا وأفسدوا , ولا زال الدكتور حيدر العبادي يبدي تعاطفا غير مبرر مع الحزبيين الفاشلين ممن عملوا في مكاتب حزب الدعوة , وهذا التعاطف يشكل خطرا على تجربة ألآصلاحات التي نادى بها الشعب ودعمتها المرجعية الدينية في النجف ألآشرف .

لذلك وبكل محبة وأخلاص وتقدير نقول للآخوة الذين لازالوا يعتقدون أن مكاتب حزب الدعوة ودولة القانون بأمكانها أصلاح فساد الدولة أو أصلاح فساد مكاتب حزب الدعوة هم واهمون , لآن الكل أصبحوا خارج عملية ألآصلاح , والمدان لايمكن أن يكون مصلحا , نعم يمكن أن يكون تائبا , فللتوبة أحكام , وللآصلاح والبناء أحكام , وما بينهما يتقرر مشروع الحكم الصالح , وهذا مما لم تسلم منه تجربة الحكم التي تجاوزت مفهوم الراسخين في العلم , وأهل الذكر , وأولي ألآمر وخلطت بين ألآصطفاء الحق وبين مفهوم الغلبة السلطوي الذي جر على بلاد المسلمين ويلات وفضائع ظلت تتحدث بها كتب التاريخ .