9 أبريل، 2024 1:00 م
Search
Close this search box.

حزب الدعوة الإسلامية البداية والمآلات

Facebook
Twitter
LinkedIn

إن حزب الدعوة الإسلامية مثار إشكالية منذ تأسيسه الى هذه الأيام التي تترافق وانعقاد مؤتمره السابع عشر في ظروف تستعيد إشكاليات البداية والمآلات، فمما لا شك فيه أن بداياتهكانت تعد بحراك إسلامي يحتدم في خضم قلق معرفي، يتحرك على ابجدية الإسلام الاصيلة، قبل أن تمارس الطوائف فعل الازاحة الذي باعد بين الدليل وأدوات الاستدلال، واليوم لا وجود لذلك القلق، ربما هناك قلق سياسي، وهو قلق عقيم غير منتج ما لم ينطلق من قلق معرفي، فقد تأسس الحزب في ظرف بالغ التعقيد، كانت تتنازع المؤسسة الدينية يومها رؤيتان، رؤية ترفض العمل السياسي وتعتبره خروجا على مسارات الشريعة، وهي رؤية تشكلت استجابة لظروف الواقع يومذاك، لا علاقة لها بالإسلام الثابت المتمثل بمنظومة الإسلام الدينية، وان كانت علاقتها واضحة بالإسلام المتحرك المتمثل بالمنظومة الاجتماعية الحركية للمسلمين، ولكنها أُلحقت بالمنظومة الدينية بفعل الازاحة التي أسهمت فيها أطراف عدة، لكل طرف منطلقاته الخاصة، من أبرز هذه الأطراف السلطة التي تسعي لتوجيه الأمور وجهة تحقق مصالحها، ورؤية ثانية لا ترى بأسا في العمل السياسي، تشكلت تحت مظلة مرجعية آية الله السيد الحكيم رحمه الله، التي امتازت بحضور سياسي كبير، فرض على الحكم نوعا من التوازن الذي جعل لمدينة النجف الأشرف، الحاضرة الإسلامية العريقة، قسطا من المشاركة في تحديد ملامح مستقبل العراق، وليس مستغربا ان ينعقد المؤتمر التاسيسي لحزب الدعوة الإسلامية في بيت السيد الحكيم وبمشاركة اثنين من أبنائه أواخر عام 1957 ليشكل الذراع السياسي للمرجعية، والضلع الإسلامي لحراك سياسي وطني قومي، الى جنب جماعة الاخوان المسلمين وحزب التحرير، اللذين تأسسا من قبل في مصر وفلسطين على يد حسن البنا والنبهاني، وان بعض قادة الدعوة المؤسسين كانوا منتظمين في حزب التحرير، وقد وصل بعضهم الى مواقع قيادية فيه، مثل الشهيدين محمد هادي السبيتي مفكر الدعوة الحركي والشيخ عارف البصري، اللذين جمعهما مع الشهيد عبد الصاحب دخيل القائد التنظيمي الفذ للدعوة، التطلع إلى تكوين حزب إسلامي لا يفرط بالخصوصية الشيعية، ولكنه يحركها في سياق إسلامي عام، متصالح من كل الاتجاهات الإسلامية المشكلة للامة، متجنبا الخيارين الحرجين، الأول خيار الخلافة، الذي جاء نتيجة استقراء أيديولوجي لحركة المسلمين السياسية بعد الفراغ الذي حدث إثر وفاة رسول الله ص، وهو خيار قد أضفى على الحكم قداسة الدين، واطلق على الحاكم تسمية خليفة الله، ولما قوبلت هذه التسمية باستنكار الصحابة، سماه خليفة رسول الله استنادا الى حديث عليكم بسنتي وسنة الراشدين من بعدي الذي يرويه العرباص بن سارية وهو حديث يضعفه كثير من العلماء، مشكوك في صحته مطعون برواته، ولو سلّمنا بصحته لا يمكن أن نفهمه إلا في سياق حثّ رسول الله ص على اتباع الحاكم، الذي تكون سيرته راشدة باتباعه لسنته ص، من دون تحديد لشخص بعينه، فليس هناك الا سنة واحدة هي سنة رسول الله ص، والثاني خيار ولاية الفقيه، القائم على حكم الفقيه بوصفه نائبا عن المعصوم، وهو خيار يستند الى روايات غير مجمع عليها، بل ان غالبية العلماء يقصرون هذا النوع من الولاية في حدود الفعل الديني المحض، أي الحسبة، والمعلوم أن الشيخ الكركي اول القائلين بها بناء على متطلبات العلاقة بين المؤسسة الدينية والحكم الصفوي أيام الشاه طهماسب ابن الشاه إسماعيل الصفوي، الذي اعلن تشيعه الخاص، وهو تشيع شكلي سطحي، مذهبا رسميا لدولته، ثم جاء فيما بعد الشيخ النراقي ليرسم لها اطارا فقهيا، وقد ترجمت عمليا على يد الامام الخميني رحمه الله، بعد الثورة الإسلامية في ايران، مستفيدا من خشية الإيرانيين على دينهم بعد ان كشف الشاه عن وجه حاقد على الإسلام منفتح على البهائية وما لها من علاقات مع الصهيونية والماسونية.

  لقد بدأ حزب الدعوة الإسلامية يقول بالشورى متجنبا خياري الخلافة وولاية الفقيه، ولكنه عدل فيما بعد عنها، وسط غموض مبهم لا يدعو الى الاطمئنان، خاصة وان بعضهم يقول ان السيد الشهيد الصدر قد توصل إلى توثيق التوقيع أما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا، فإنهم حجتي عليكم وأنا حجة اللّه، الذي فهم منه الرجوع إليهم في قضايا الولاية بقرينة الحوادث الواقعة، فجاء تبنيه لولاية الفقيه، معبرا عن تطور نوعي في نظريته السياسية، وهذا التوقيع يعلمه عامة الشيعة من المتعلمين تعليما بسيطا، كيف غاب عن السيد الشهيد الصدر المفكر الالمعي والمجتهد والفقيه بل والمرجع، وما يزيد الامر غموضا ان السيد الشهيد الصدر قد طلب من طلب من قيادة الدعوة المتمثلة يومذاك بالشهيدين دخيل والسبيتي، ركني الحزب التنظيمي والفكري، كما يذكر الشيخ العاملي، سحب أسس الدولة الإسلامية من التداول فرفضا، ما يضع الباحث امام احتمالات، لا مجال لذكرها الان، ولكنني ساذكرها ان شاء الله تعالى في كتابي الذي شارفت على الانتهاء منه.

  من دون شك ان حزب الدعوة الإسلامية، في تصور المؤسسين وبالخصوص الشهيدين دخيل والسبيتي، يرسم مسارات لحراك إسلامي متحرر من الغرائز الطائفية، اغنته اطروحات السيد الشهيد الصدر الفقهية والفكرية والفلسفية، كان له ان يقود حركة تصحيح كبرى، تنقي المفاهيم الإسلامية من مقولات الغلاة والنواصب، لكن استعجال مواجهته من قبل نظام البعث الدموي الذي ارعبه نهجه الإسلامي الاصيل، علاوة على ظروف انتصار الثورة الإسلامية في ايران، حال دون استكماله للتغيرات الفكرية المطلوبة، فزج في مواجهة مع نظام قوي متعسف، خاضها مفتقدا لقادته الكبار، السيد الشهيد الصدر ورفيقيه الشهيدين دخيل والسبيتي، وكان من قبل قد فقد العطاء الشرعي للمرجعية بموت آية الله السيد محسن الحكيم رحمه الله.

  إن تصور المؤسسين لا أثر له اليوم، فالحزب كان قد تعرض لنكسات بعد الهجرة الى ايران، بدأت من ازاحته عن موقع الصدارة، بوصفه الحزب الذي قاد المعارضة الإسلامية وبالتحديد الشيعية ضد البعث، وزج في مؤسسة المجلس الإسلامي الأعلى حاله حال أي حركة عراقية إسلامية تاسست بعد الهجرة، وانتزع منه معسكر الشهيد الصدر، والحديث في هذا الخصوص يطول، ولكن بعد عودته عام 2003 بعد اسقاط الامريكان لصدام، كانت له اطلالة سياسية واعدة بتفجر ينابيع الفكر التي غذاها المؤسسون، ولكن لم يتحقق شيء من ذلك، ربما هناك إرادة دولية لازاحته عن موقع الصدارة، التقت معها رغبات اطراف محلية إسلامية بل وحتى شيعية، ولكن هذا لا يعفي المتصدين للقيادة من التقصير، الذي اوصلهم الى خلاف على منصب رئيس الوزراء، أدى الى ان يخسر الطرفان الموقع، وكاد ذلك الخلاف ان يؤدي الى تصدع الحزب لولا النجاح في التوافق على انعقاد المؤتمر السابع عشر الذي حافظ على وحدته، ولكن ما خدش هذه الوحدة هو انتخاب المالكي امينا عاما، الخطوة التي رفضها المالكي نفسه، ولكنها مررت بقوة من قبل جماعات محسوبة عليه، وكان بامكانه ان يجد الأسلوب المناسب للرفض، الا انه لم يفعل.

من دون شك أن المالكي هو ابرز الدعاة واكثرهم حضورا واقدرهم على القيادة، ولكن اختياره_ وليس انتخابه طبعا_ امينا عاما في هذا الوقت بالتحديد، وبعد الخلاف الذي كاد يطيح بوحدة الحزب، يعني ادانة لكل الدعاة الذين اختلفوا معه، وهذا ليس العلاج على الاطلاق.

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب