في الحلقة الاولى تطرقت الى مسرحية ( ابو طبر ) المفتعلة لخدمة الثورة البيضاء التي يفتخر القائمون بها على انها قامت دون قطرة دم واحدة ، و الحقيقة ان الدماء انسابت انهارا بعد الثورة البيضاء ، اذن هي دماء مؤجلة . اعذروني اذ نسيت ان اتطرق الى مقدمة مسرحيات البعث في محاكمات ما سموه بالجواسيس بعد قيام تلك الثورة ببضع شهور ، كنت صغيرا و لكن رغم صغري سالت نفسي بعفوية المراهق : كيف تتمكن حكومة جديدة لم يمض على قيامها بضعة اشهر ان تكتشف شبكة تجسس واسعة بهذه السرعة ؟ مع ان الحكومة البعثية حينها لم تشكل بعد جهازا للأمن او المخابرات ، كنت اتابع يوميا من خلال المذياع محاكمة الجواسيس : عزرة ناجي زلخة و البير و غيرهم من قبل السيد على هادي وتوت رئيس محكمة الثورة حينها ، كان عسكريا برتبة عقيد .
توالت الاحداث و المسرحيات لتركيز اسس البعث في العراق و اشغال الناس من السذج ” و هم كثيرون ” فبعد ابو طبر ضابط الشرطة حاتم كاظم هضم الذي جنده صدام بالذات للقيام بمهمة اغتيال غير المرغوب فيهم و لتغيير المسار من العنف الى الرياضة ، استبدلت المسرحية بأخرى أكثر تشوقا و هي عدنان القيسي :
مسرحية الاسطورة ( عدنان القيسي )
عدنان عبد الكريم احمد القيسي . هذا الرجل عراقي الاصل امريكي الجنسية يعيش في مدينة ( ديترويت ) الامريكية ، مصارع ليس معروف انذاك ، قابله صدام حسين و طلب منه ان يقيم نزالات مظمونة الفوز في العراق ، استغرب القيسي انذاك و لكن الاغراءات المالية جعلته الخادم المطيع ، فهو يعرف جيدا انه ظاهرة تستغل لاشغال الشعب العراقي عن احداث تمكين سلطة البعث لتثبيت جذورها في العراق .
كنا نشاهد على التلفاز تلك المنازلات التي تنتهي بفوز القيسي ( بالعكسية ) التي اشتهر بها انذاك ، كان الشعب المسكين مصدقا لكل ما يرى على شاشة التلفاز التي لم يك يمتبكها احد في بيته لذلك كانت المقاهي تكتظ بالمشاهدين حين النزال و لا عليك حين تذهب الى المقهى سوى ان تدفع ثمن الشاي الذي لم تشربه ، وقوف على اريكات و كراسي و طاولات المقهى ، صراخ ، هتاف ، ضرب الراس حين يضرب الخصم عدنان ، صعد نجمه عاليا بسرعة كبيرة حتى بات بطلا قوميا ومثالا للشباب وفارس احلام المراهقات. ومثلما صعد نجمه عاليا بسرعة كبيرة حتى بات بطلا قوميا ومثالا للشباب وفارس احلام المراهقات، اختفى فجأة ولم نسمع به او نراه حتى ظهر مساء الثلاثاء، وفجأة ايضا، في برنامج ستوديو الرياضة في قناة الحرة الذي يقدمه المذيع الرياضي حسام حسن، والذي استضاف القيسي من مدينة ديترويت بالولايات المتحدة حيث يسكن حاليا.
القيسي قال خلال البرنامج ان الحكومة العراقية آنذاك “استغلت ظاهرته” لاشغال الشعب العراقي، معترفا بان ما كان يجري في حلبات المصارعة التي يفوز فيها على “ابطال عالميين، كان تمثيلية يتم الترتيب لها مسبقا”، مبررا استمراره في تقديم هذه التمثيليات رغم معرفته بمساؤها على الحياة السياسية في العراق بانها كانت “حفاظا على الحياة، ولأنه لم يكن هناك من يستطيع ان يقول لا للحكومة”.
وكانت الفوز الذي حققه القيسيس على المصارع (غوريانكو) قد حضر له القيسي واستعد لستة شهور، وسافر الى المدن والقرى العراقية ليعلن عن هذا التحدي الكبير في العراق وحدد بأن تكون المباراة في صيف 1969 في ملعب الشعب الدولي لكرة القدم، حيث نصبت الحلبة وسط الملعب وجلس الجمهور الذي قيل انه تجاوز الـ100 الف متفرج على العشب الاخضر للملعب، بالاضافة الى المدرجات، كما نقلت المبارة مباشرة عبر تلفزيون بغداد و كانت المباراة من ثلاث جولات وانتهت بفوز عدنان القيسي والبس حزام البطولة، هذا الحزام الذي اصبح فيما بعد ماركة لنوع من الاقمشة التي سادت موضها بين النساء العراقيات انذاك.
وسعد الشعب العراقي بأجمعه بهذا ” الانتصار العظيم ” وأصبح القيسي بطل الشعب وحتى الحكومة العراقية احتفلت بهذا الانجاز ومنحته سيارة (مرسيدس) وبيتا كما عين مديرا في وزارة الشباب .
ثم توالت اللقاءات التي خاضها القيسي مع “بطل الكومنويلث” جون ليدز و”بطل افريقيا ” برنس كومالي ونزاله الشهير مع بطل فرنسا (فيريري) العملاق و”بطل البرتغال” طرزان وغيرهم من عمالقة المصارعة الحرة غير المقيدة، اذ تمتع الجمهور العراقي بتلك النزالات التي جرت اغلبها في ملعب الشعب الدولي، وكانت تحظى برعاية الحكومة التي شكلها حزب البعث بعد عام 1968، واستفاد منها في شغل المجتمع العراقي لتثبيت سلطته كما يقول القيسي الذي أضاف في لقائه مع قناة الحرة “”لو كنت رفضت القيام بهذه التمثيليات لما كنت حيا الى الان”.
ذلك كما هو حال العراقيين الان بين ( ريال مدريد ) و ( برشلونه ) .
كنت في اسبانيا خلال تموز 2012 سالت هم تلك الفرق ، ضحك من سالته قال لي : انها فرق تتنافس بينها في مباريات شعبية هابطة ، ، قلت له ان كل الناس في بلدي متابعون لهذه الفرق الهابطة كما تقول ، قال ربما هناك دعم سواء كان تجاري او سياسي و إلا لماذا لا يهتم شعبك بالفرق العملاقة في البرازيل او غيرها من دول الرياضة الاخرى ، ، قلت له : نعم انه هدف سياسي لإلهاء الشعب و خصوصا الشباب ، هنا قارنت القيسي في زمن البعث و تلك الفرق الشعبية في زمن الدعوة .
و الى تكملة السلسلة العنكبوتية لحزب البعث و حزب الدعوة ” الصورة المماثلة ) .