إذا كنّا نتكلّم عن ثقافة حرّية التعبير وعن تغذية الجميع بها، فإنّها يجب أن تبدأ من البيت ومحيط الأسرة أوّلاً، حتى يكبر الفرد وهو مؤمن من داخل الذات بأهمّيتها ووجودها في حياته، فمن يتعوّد على الذل وعلى العبودية لا يمكن أن يعرف طعم ومعنى الحرّية، وخاصة في التعبير.
كم والد يا تُرى ضرب ابنه أو نهره لأنّ ابنه مُختلف عنه؟! كم أم غصبت ابنتها على ارتداء ما لا تريده لأنّها تظن أنّ هذا الرداء ستر وطاعة، مع أنّ الابنة تلبس ثياباً ساترة؟! كم أخ قال لأخته «إنتي غير» لأنّها أنثى وهو ذكر؟!
إذا كنّا نتكلّم عن حرّية التعبير في أوسع أبوابها لابد أن نتكلّم عن المساواة والعدالة داخل الأسرة قبل أن نتعلّمها في المدرسة أو في المجتمع أو نجعلها مبدأ نؤمن به، فمسألة أنا ولد وأنتِ بنت، أنا رجل وأنتِ امرأة، أنا أقول ما يحلو لي وأنتِ لا تستطيعين التحدّث وإبداء الرأي، مازالت هذه العادات موجودة داخل بعض الأسر للأسف الشديد، مع أنّ الضرر على الرجل وعلى المرأة متساوٍ!
الرجل والمرأة، الفتاة والولد، الذكر والأنثى، المراهقة والمراهق، جميعهم سواسية في الخطأ وفي الصواب، ومادام الذكر يستطيع التعبير عن رأيه في أمر ما، فالأنثى هي الأخرى تستطيع التعبير، وليس هناك فرق بينهما، مع أنّ بعض المتخلّفين يظنّون العكس!
ويا ليت حرّية التعبير في البيت تقف عند الفتاة والولد، بل تتعدّاها إلى الزوج والزوجة، فالزوجة في بعض البيوت ليس لها حق في إبداء رأيها، لا هي ولا أبناؤها، وعندما تتكلّم يتم الحط من قدرها وإنزال درجتها أمام أبنائها، فما العمل يا تُرى؟!
العمل هو توعية الأسر عن حرّية التعبير، وعمل الجميع من أجل غرس هذا المبدأ في الكيان الأسري، فعندما ينشأ الفرد على عدم الخوف من القمع وعدم الخوف من التحدّث بالتّأكيد سيكون فرداً صالحاً في المجتمع، فهو سيسعى دوماً إلى تقدّم أسرته وتنميتها، ومن يسعى إلى تقدّم أسرته وتنميتها سيسعى إلى تقدّم دولته وتنميتها.
لنحفّز مؤسسّات المجتمع المدني من أجل تحقيق هذا المبدأ، ولندعو أئمّة المنابر إلى تعزيز ثقافة حرّية الرأي وعدم الخوف، ولنحاول زرع هذا المبدأ في كلّ أسرة بحرينية حتى تنمو نموّاً صحّياً اجتماعياً ونفسياً، فليس هناك أفضل من عدم الخوف من الآخر.
نقلا عن الوسط