29 ديسمبر، 2024 4:32 م

حريم السلطان .. تركيا والاسلام

حريم السلطان .. تركيا والاسلام

غزت الدراما التركية مجتمعاتنا كالسيل الجارف المفاجيء ، مكتسحة الدراما العربية ، دافعة بها الى زاوية ضيقة ، وربما نحو النسيان .
وذلك يجعلنا نتسائل تساؤلا مشروعا ، ما سبب هذه (الهجمة المفاجئة) ان صح التعبير ، بحيث نرى كل يوم ما يفوق الخمس مسلسلات على مختلف المحطات الفضائية العربية والمحلية ؟ ، هل انها ضمن دائرة قدرتنا الشرائية ، بمعنى أخر انها (ارخص) من انتاجنا العربي ؟ ام ان هنالك توجه لتسويق الثقافة التركية نحو مجتمعاتنا ؟ او ربما ، تمهيد لشيء أخر أكبر؟ ، لست منقادا الى نظرية المؤامرة ، لكن ما سبب دخول تركيا دخولا فاعلا في كل القضايا العربية بعد فترة خمول طويلة ، الى درجة تنصيب نفسها راعيا بل شرطيا على المنطقة العربية متزامنا مع الهيمنة الثقافية والاعلامية؟ هذا بعد ان يأست من الدخول في الاتحاد الاوربي ، فقررت التوجه جنوبا.
توغلت تركيا سياسيا في المنطقة العربية بمنتهى الذكاء ، كلنا يتذكر خصومة رئيس الوزراء التركي مع رئيس الكيان الصهيوني ، وكيف ان السيد رجب طيب ، ترك  قاعة الاجتماع غاضبا ، وانبرت وسائل الاعلام العربية بالتهليل للحدث وكيل المديح للسيد رجب ،وعملت له دعاية سياسية هائلة ، وكيف ان اي زعيم عربي لم يجرؤ على هذا الفعل ، وشهدنا استقبال رئيس الوزراء التركي من قبل شعبه استقبال الابطال ، هكذا دغدغوا مشاعرنا ، مستغلين تشبثنا بأي مَنْ ينقذنا من مسلسل الهزائم والانكفاء المزمن ، ولو بحركة مسرحية رمزية .
وتلا ذلك حادثة سفينة (مرمرة) المشهورة ، وما صحب ذلك من توتر للعلاقات بين الدولتين ، وطالبت تركيا على اثر ذلك الاعتذار لها علنا ، وقد اعتذرت اسرائيل بعد طول انتظار ، اعتذارا خافتا مقتضبا ، وبضغط  من قبل الرئيس الأمريكي في أحدى زياراته الى (اسرئيل).
 وها نحن الان ، تركيا تصالحت مع اسرائيل ، واصبحوا (حبايب) كما هو شأنهما دائما ، ذلك التحالف الازلي الذي طالما أضر بنا ، ليس اولها اخذ اسرائيل على عاتقها بناء المزيد من السدود الهائلة في تركيا لحرماننا من المياه ، ربما لجعل وادي الرافدين اثر بعد عين ، وابتزازنا لتزويد تركيا بخمس براميل من النفط مقابل برميل واحد من المياه لنروي عطشنا !.
وجدت المسلسلات التركية رواجا واسعا لدى النساء خصوصا ، ربما بسبب مشاهد حرية المرأة المطلقة لديهم الى درجة التهتك والاستهتار  وطريقة ملبسها الاوربية ، والدعوة الى التحرر الذي نفهمه على انه انحلال ودعوة للابناء للتمرد على ذويهم ، وأن قلة أدبهم مع أبائهم له ما يبرره ، وأن الحمل خارج اطار الزواج حق لا يواجهه الا متخلف ، ولا نشاهد الحروف العربية فيها الا منقوشة على شواهد القبور وكأن اللغة العربية لغة للاموات .
ربما تنقاد المرأة لدينا الى هذه المسلسلات ، للتنفيس عن حرمانها في جميع الاصعدة ، كون المرأة عندنا تعيش في العصور المظلمة ، وهي ترى طرف نقيضها في هذه الاعمال ، وترى نفسها تعيش واقعا اجتماعيا مزريا.
لست من دعاة الانغلاق الثقافي ، بل على العكس ، أؤمن بالانفتاح البناء ، ولكني أقول لا أفراط ولا تفريط ، انما هو أمر بين اثنين.
ابان حكم العثمانيين لنا ، كانت فترة مظلمة بجدارة ، اشعر بالانقباض والضيق ، والاشفاق على اسلافنا ممن عاشوا في تلك الفترة ، لقد تسلط علينا ولاتهم الغرباء ، كانوا مضرب مثل في الفساد والغباء والقسوة وسفك الدماء لقرون ، ركبوا الاسلام مطية للتسلط على خلق الله بالقهر والسيف ، حتى اني كنت احاور أحد الانكليز فقال : اي اسلام هذا ،ترفع سيفك في وجهه ، وتقول :اما تسلم او تموت ،فأسقط في يدي وسكتُّ .
حتى اتى السيد (اتاتورك) ، فمحى كل الحروف العربية  وكل ما يتعلق باللغة العربية ومنها الاسلام ، وتحول الى اللاتينية ، الى درجة ان احدى عضوات البرلمان التركي  وتدعى (مروة قاوقجي) طردت من مبنى البرلمان وسُحبت منها الجنسية التركية لأنها دخلت البرلمان مرتدية حجابا بسيطا ، وفي ذلك خرق للدستور العلماني!، ولو أنها دخل عارية ، لتهللت الوجوه!.
الذي دفعني لكتابة هذه السطور ، مشهد عابر من مسلسل (حريم السلطان) ، فلست من مشاهدي الاعمال التركية ، مشهد يصور سلطان موغل في الترف وفنتازيا الجواري وما ملكت يمينه  ، وجو مكهرب من الدسائس والمؤامرات ، وهو يقود الجيوش لغزو السند والهند وفتح اوربا التي لم يحتفظ (الرجل المريض) بأي منها ، وبأسم الاسلام – الموجة مرة أخرى، ولسان حالهم يقول (اذا ضاقت بك الدنيا ، فتذكر ايام عرسك )!. 
احذروا يا أخوتي ، اي بضاعة تسوقون ، أحذروا ، فنحن أغنى امة بالامثال العليا  ، فما حاجتكم لتركيا ، لتكون مثلكم الاعلى ؟.