18 ديسمبر، 2024 7:12 م

حريق وضحايا في مستشفى لمرضى الكورونا ببغداد:كيف ينتهي زمن الفواجع العراقية؟

حريق وضحايا في مستشفى لمرضى الكورونا ببغداد:كيف ينتهي زمن الفواجع العراقية؟

لقد عاش العراقيون ليلة 24-25 نيسان 2021 ساعات مظلمة عصيبة وهم يشاهدون ويسمعون عن فاجعة الحريق الهائل الذي ألتهم ردهات مستشفى أبن الخطيب (الحميات سابقا) والواقع عند أطراف مدينة بغداد في منطقة ألتقاء نهر ديالى بنهر دجلة..وهو حريق أودى بحياة ما يقرب من 90 ضحية وأدى الى جرح وحرق ما يزيد على 150 من مرضى المستشفى المصابين بفايروس الكورونا ومضاعفاته، ومن الكوادر الطبية والتمريضية، والكوادر الصحية الأخرى العاملة في ساعات الدوام المتأخرة، متابعة لحالات مرضى المستشفى الخاص بتشخيص وعلاج الأمراض الأنتقالية الألتهابية ومرضى الكورونا.
وقد عملت طبيبا مقيما في المستشفى المذكور والذي تأسس في عام 1959 ببغداد حيث خدمت في ردهاته في عام 1982 ضمن برنامج تدريبي للطبيب المتخرج حديثا، حيث يكون أكتساب خبرة العمل في كيفية معالجة الأمراض الأنتقالية مهما. كما عمل في المستشفى المئات من الزملاء الأطباء والذين عالجوا فيه أمراض داء الكلب وألتهابات سحايا الدماغ ومرضى الكزاز وحمى التايفوئيد الى غير ذلك…وها قد حان الزمن لأستعمال المستشفى كمركز صحي تخصصي لعلاج مرضى الكورونا والذين لابد لهم من أن يكونوا بحاجة ماسة لغاز الأوكسجين الطبي، والذي يصفه الأطباء كدواء في حالة نقص تركيز الأوكسجين عند مريض الكورونا، الذي ألتهبت عنده المجاري التنفسية والرئتين فأنخفض تركيز غاز الأوكسجين في دمه. ويعطى العلاج الأوكسجين بتراكيز مختلفة وحسب ظرف المريض الصحي وطبيعة تطور الكورونا وآثارها عنده.
أما تزويد الأوكسجين الطبي والذي يعتبر غازا قابلا للأشتعال بسرعة في حالة توفر العوامل المساعدة، فيكون عن طريق مركزي في ردهات المستشفيات الحديثة، ولكنه في مستشفى أبن الخطيب كما في غيره من المستشفيات العراقية يوزع على شكل أسطوانات مصنوعة من الفولاذ أو الألمنيوم (أخف وزنا)، حيث يضغط غاز الأوكسجين بدرجة ضغط عالية في هذه الأسطوانات، والتي يجب أن تنتج حسب معايير صحيحة.
وكما يبدو –والأمر قيد التحقيق- فأن مصدر لهب قريب كان هو السبب وراء أنفجار أسطوانات الأوكسجين في مستشفى أبن الخطيب.. وهي أسطوانات أذا انفجرت أصبحت كالصاروخ في شدة تأثيرها الأنفجارية…
لقد كشفت فاجعة حريق المستشفى البغدادي عن تقصير فاضح في:
1. تطبيق أسس السلامة الصحية في المستشفيات العراقية والتي تستوجب أعادة النظر فورا للحؤول دون تكرار مثل هذه الحوادث المؤلمة. ويدخل ضمن ذلك التقصير الكبير في توفير نظام الأنذار المبكر عن حالات الحريق في المستشفيات وأرتباط ذلك بوحدة متخصصة لأخماد الحرائق في المراكز الصحية.
2. تمكين المستشفيات العراقية من أن يكون غاز الأوكسجين الطبي فيها موزعا توزيعا مركزيا خاصة وأن العراق يعيش أزمة وباء الكورونا (الكوفيد19) حاليا حيث الحاجة ماسة للأوكسجين في العلاج في حالة أضطرار المريض لدخول المستشفى. ومن المعروف أن النظام المركزي للأوكسجين يمكّنه من توصيل الغاز الى كل نقطة أحتياج كصالات العمليات وردهات المرضى والأنعاش أو العناية المركزة وما شابه. ويتم تخزين الأوكسجين المستخدم في هذا النظام المعمول به عالميا في خزانات أوكسجين خاصة كبيرة مهيأة لهذا الغرض وحسب سعة المستشفى.
3. تدريب الكوادر الصحية والعاملة في المستشفيات على طرق السلامة والأمان في حالة حدوث الحرائق في مكان العمل.
4. التهيؤ العملي ومن قبل فرق الدفاع المدني والفنيين من المسؤولين عن شؤون الصيانة وأدامة الأجهزة الطبية، وبما يتيح للجميع أداء دوره وبالسرعة الممكنة في حالة نشوب الحريق.
5. التوعية الصحية للمواطن والتي تعتبر ركنا اساسيا في أي نظام صحي ناجح.. فغاز الأوكسجين يتسبب بالحرائق أذا كان مصدر لهب قريبا عليه.. أو أذا كان قريبا منه شخص مدخن، أو أذا تم استخدام الزيت على جهاز الأوكسجين نفسه..حتى ان درجة الحرارة العالية أو أنعدام التهوية الصحيحة قد تؤدي الى أحتراق غاز الأوكسجين وأنفجار أسطوانته مما يجب ان يعرفه المواطن والعامل في المستشفى.
6. الرقابة على الزائرين للمستشفيات الخاصة بمرضى الكورونا من أهالي المريض، وتمتين عرى العلاقات الأيجابية بين المراكز الصحية والناس.. فالحرص على توفير ما يحتاجه المريض من خدمات أساسية خلال فترة رقوده في المستشفى بسبب المرض سوف لا يعطي الحجة لأقرباء المريض من جلب مواد طهي الطعام أو أجهزة معينة للترويح عن قريبهم المريض وتغذيته مثلا، مما يمنع تكرار مثل هذا الحادث المأساوي في مستشفى أبن الخطيب.
وعليه فلابد من أن يكون ما حصل من كارثة أودت بحياة العشرات من المرضى والكوادر الصحية في واحدة من أهم مستشفيات بغداد مدعاة لأعادة النظر بشكل جذري في كيفية تطوير النظام الصحي العراقي بعيدا عن فساد الفاسدين والذين يتلاعبون بقوت الشعب وصحته وحياته. وعليه فلابد من تخصيص ميزانية خاصة لوزارة الصحة وبأشراف لجنة رقابية متخصصة ولجنة علمية مستقلة من كبار الأطباء والعلماء العراقيين، لبحث خطة تطوير النظام الصحي العراقي وبما يتجاوب مع أزمته الحالية وأزمة وباء الكورونا والذي تجاوزت حالات الأصابة به عراقيا المليون أصابة وبما لا يقل عن 15 ألف حالة وفاة حسب أحصائيات حكومية، وقد تكون الأرقام أكثر هولا..
أن العراق بالذات قد تميز بين دول العالم ونتيجة ظروفه وتاريخه السياسي الصعب من أن له الآلاف المؤلفة من أطبائه المتميزين والذين هم يعملون في الخارج وفي دول العالم المتقدم، وهم في أغلبيتهم يتطلعون لمد يد العون لوطنهم الأول، العراق..وهو عون خبرة ومهارة عالمية غير مسبوقة، على صعيد التخطيط العلمي الأداري أو على الصعيد الطبي السريري الخدمي.
ولابد من الأشارة هنا الى ما كتبه أستاذ الجراحة المغترب الدكتور منذر الدوري حول موضوع كارثة مستشفى أبن الخطيب في بغداد حيث طالب بالآتي:
. العمل بنظام التدريب الأجباري السنوي لجميع الأطباء والممرضات في المستشفيات العراقية على أطفاء الحرائق، وكيفية أخلاء المرضى في حالات الطواريء، وأدخال نظام الأنذار السريع، وربطه بوحدة أطفاء الحرائق. كما يجب توزيع غاز الأوكسجين الطبي مركزيا كما هي الحالة في المستشفيات العالمية.
2. أتخاذ خطوات جادة لتأهيل وتعافي الطب كمهنة وكبرنامج أنساني في العراق، ووقف المحاصصة، وتعيين ذوي الكفاءة والولاء للوطن، وليس لشخص أو لحزب معين.
3. الأعلان عن الوظائف الأدارية على أن يدعى للتقديم أليها الأشخاص من ذوي الكفاءة المعروفة، ويتم أختيار الكفوئين منهم للمنصب حصرا.
4. أعداد خطة خمسية لتحديث المؤسسات الطبية على أسس علمية، وتشكيل هيئة مرتبطة برئيس الوزراء من ذوي الكفاءة للأشراف والمتابعة.
5. تقليل عدد كليات الطب في العراق مع التركيز على النوع وليس الكم.
6. أتباع نظام التوأمة مع كليات الطب المشهورة في العالم المتحضر، وتبّني نفس نظم القبول والتدريس والأمتحانات في تلكم الجامعات، وذلك للأستفادة من الجيل الثاني من الخريجين بجعل مستواهم قرينا بالشهادات الأجنبية.
7. التركيز على التمسك بأخلاقيات المهنة الطبية، والأستفادة من نموذج المجلس الطبي العام أو ال
GMC في المملكة المتحدة.
8. على الدولة تشريع قانون يمنع التعدي بجميع صوره على الأطباء أو على الكوادر الصحية الأخرى في العراق.