18 ديسمبر، 2024 8:42 م

حريق آرامكو رسائل متبادلة بين واشنطن وطهران

حريق آرامكو رسائل متبادلة بين واشنطن وطهران

شكلت الضربة الجوية التي استدفت مواقع نفطية ذات اهمية كبيرة على الإقتصاد السعودي تغيراً نوعيا في المواجهة الدائرة في الخليج بين امريكا وايران، وهذا التغير النوعي ليس لشدة الضربة واضرارها البالغة التي لحقت بالمنشأة النفطية وحسب بل لانها كشفت عن آفاق جديدة يمكن ان يبلغها التوتر في المنطقة ومدى اتساع الحروب الدائرة فيها.
الإعلام السعودي وعبر المتحدث الرسمي العسكري اشار الى تورط ايران بالضربة العسكرية وكذلك فعل الرئيس ترامب وان تجنب الاثنين الإشارة المباشرة الى انطلاق هذه الضربة من اللأراضي الإيرانية فقد اشار الأول الى ان السلاح المستخدم في الهجوم سلاح ايراني فيما اشار الثاني الى التورط الإيراني بدون أن يحدد نوع هذا التورط وترك الإثنان الأمر الى التحقيق الذي يجري حالياً من قبل السلطات السعودية أو الذي سوف يجري بمساعدة محققين امريكيين او أممين كما لوحت السعودية بذلك. وسوف نأتي على تحليل دلالة هذا التحقيق لاحقاً.
نحن اذن امام ثلاث احتمالات أما ان تكون ايران هي من قامت بالضربة الجوية من اراضيها بشكل كامل ولم يكن الدور الحوثي سوى اعلان تمويهي بالتبني لهذه الضربة أو ان طرف من أتباع ايران سواء كان الحوثي او غيره هو من فعل ذلك بإشارة ايرانية وبسلاح ايراني أو ان العملية جرت من الحوثي وحده وبسلاح صنع في اليمن.
الاحتمال الأخير مستبعد لأسباب موضوعية فمع ان الحوثيين اثبتوا قدرة كبيرة على مقاومة الحرب التي شنتها عليهم السعودية طيلة السنوات الأربعة المنصرمة إلا ان علاقتهم مع ايران والدعم الذي تتلقاه منهم حتى لو كان معنوياً فمن غير المعقول والمنطقي أن يقوموا بعملية كبيرة كهذه بدون ان أن يتشاوروا مع اهم حلفائهم لتقدير عواقبها الكبيرة المحتملة جدا خصوصا ان الحوثي اثبت انه ليس خصما ساذجا بل أثبت العكس واستطاع اختراق الوضع المحلي وصار جزءا من اللعبة الإقليمية. لهذا لا يمكن بأي شكل تصور احتمال التصرف المنفرد من قبل الحوثي ويبقى السؤال عن السلاح المستخدم لو كان الحوثي هو الذي قام بالعملية هل هو سلاح ايراني ام لا؟ بلا شك ان الحوثيين استفادوا من تكنلوجيا تقدم لهم من حلفائهم رغم انه في كل الضربات السابقة فشلت المملكة السعودية في اثبات استخدام الحوثي لسلاح ايراني سواء على مستوى الصواريخ او الطائرات المسيرة ومع ذلك لا يمكننا استبعاد الإحتمال المنطقي وهو تقديم مساعدة ايرانية في صنع الأسلحة على أقل تقدير.
الإحتمالان المتبقيان لا يختلفان كثيرا من ناحية الدلالة سواء كانت ايران قامت بالفعل بنفسها أو عبر حليف لها ولكن تختلفان بلا شك من جهة العواقب المحتملة والنتائج ويشكل قيام ايران بهذا الفعل بشكل كامل أمرا مستبعدا جدا، لأنه تصعيد خطير جدا ويذهب بحبال التوتر في المنطقة الى أقصى مدياته وايران لم تستنفد بعد كل وسائلها فما يزال لديها المزيد.
ومع ذلك لنفترض ان ايران فعلا هي التي استهدفت المرافق النفطية في السعودية بضربات مباشرة أو عبر الحوثي بعد استبعاد العراق من قبل الوزير بومبيو في اتصاله الهاتفي مع رئيس الوزراء العراقي، فماذا يعني هذا الاحتمال؟
يعني ببساطة ان منظومة الدفاعات الجوية المتقدمة التي اشترتها المملكة السعودية بعشرات المليارات من امريكا قد اخترقت بواسطة ايران، وانها عجزت عن التعامل مع الطائرات المسيرة او الصواريخ الإيرانية ولم تفك شفرة التسلل لحد الآن. وهذا استنتاج واضح جدا لا يحتاج الى تأمل، ولكن السؤال التالي ما دلالة هذا الاختراق والعجز عن فك شفرة طريقة الأختراق؟
دلالته تكون احتمالات متباينة،
الإحتمال الأول: ان تكون امريكا قد باعت السعودية خردة بحجة انها اسلحة متطورة وخدعتها وسرقت اموالها الطائلة بصفقات اسلحة فاسدة ولو صح هذا الاحتمال فيتضح معه ان موقف امريكا الحقيقي من السعودية هو سرقة اموالها فقط ومن ثم تركها لوحدها ينهش بها خصومها ويطيوحوا بها وانها لا تشكل أي اهمية عند الولايات المتحدة واسرائيل. وان كل الضجة مع ايران ما هي الا حيلة شيطانية لسرقة كل المال السعودي ومن ثم لتفعل ايران بها ما تشاء.
هذا الإحتمال يصعب القبول به بل يستحيل، لان امريكا لا تفرط بسمعتها العسكرية بهذا الشكل السخيف والساذج، ولا السعودية بهذا الغباء المفرط مع خبرتها الطويلة في شراء الأسلحة ولذلك لا مناص من القول انها بالفعل قد ابتاعت اسلحة حقيقية متطورة.
الأحتمال الثاني: وهو الأحتمال الحقيقي والواقعي، ان ايران قد استطاعت خرق منظومة الدفاع الجوي، وهذا يعني ان ايران تملك اسلحة هجومية متطورة تكنلوجيا الى حد تتفوق به على منظومة الدفاع الأمريكي.
وليس السؤال هنا كيف للمملكة العربية السعودية مواجهة هذا العدو الإيراني الذي تفوق على السلاح الأمريكي نفسه؟ فانها في كل الأحوال غير قادرة على ذلك بنفسها، ولكن ماذا ارادت ايران بهذا الأختراق ان تقول؟ ان هذه الضربة ان كانت مباشرة من ايران أو عبر حليف لها فانها رسالة للامريكي وليس للسعودي تقول فيها:
ان ايران تملك من الأسلحة السرية التي سوف تفاجأ امريكا وانها اي ايران سوف تلحق اضرارا كبيرة وخسائر فادحة بها لو جربت امريكا القيام بأي عمل عسكري ضدها، وان على امريكا ان تجمع هذه الرسالة مع الرسالة السابقة باسقاط الطائرة الامريكية المسيرة من قبل والتي اثبتت فيها ايران امتلاكها لمنظومة دفاع جوي اقوى مما كانت تتخيله امريكا وغير امريكا والآن تثبت أن لديها من الاسلحة الهجومية ما هو اقوى من منظومة الدفاع الأمريكي الموجودة في المنطقة بشكل سافر وبطريقة يتضح فيها التفوق غير المتوقع.
وعندما تفهم هذه الرسالة سوف يكون حينذاك تصريح رئيس الحرس الثوري غداة الهجوم على المصفاة في البقيق بان ايران مستعدة للحرب الشاملة وان القواعد والسفن الامريكية بمرمى الصواريخ الإيرانية في نفس السياق. وانه بالضم مع الهجوم على المواقع النفطية السعودية تحذير شديد لأمريكا بمسار الحرب وما سوف تتحمله فيها امريكا من خسائر لو فكرت بشنها. الرسالة سهلة الفهم وواضحة تقول ان ايران تملك من الأسلحة الهجومية والدفاعية ما لا يخطر ببال امريكا وان هذين جزء ظاهر لما هو مخفي من الترسانة.
وصلت الرسالة لأمريكا وارجعتها من خلال تصريح الرئيس ترامب الأخير، اذ انه اشار مؤكدأ للدور الإيراني في الهجوم الذي استهدف السعودية، ليقول ان هذه العملية جزء من المواجهة بيننا وبين ايران وليست جزء من حرب محلية في اليمن ولكنه يدرك خطورة المواجهة المباشرة مع ايران ولذا لم يقطع بنوع المسؤولية لا هو ولا السعودية ونتائج التحقيق المعلنة سوف تكون وفقا لتطورات الأحداث المستقبلية ومتماشيا مع رد الفعل المقابل وليس استنادا للوقائع الحقيقية على الأرض.
ما طرحه السيد ترامب بالامس يتلخص بالتالي: يقول لايران فهمنا الرسالة جيدا ونحن لا نريد الحرب المباشرة معكم، ولكن فعل مثل هذا لن يمر بدون اتخاذ اجراء عقابي ضدكم عندما أكد مشددا على مسؤولية ايران عن الهجوم ولكن تجنبه تحديد نوع المسؤولية الايرانية، ليقول أيضا لن يكون هذا الإجراء العقابي تصعيدا في التوتر أو خارج حدود السيطرة حتى لو كان عسكريا واستهدف اذرعكم او هدفا غير مهم، بل هو ضمن السياق الجاري وقواعد الإشتباك الحالية ولذا أشار من جديد الى سياسته بالإنتفاع من المال السعودي وتأكيده على ان السعودية سوف تدفع ومطالبة الضيف البحريني بذلك مع ان الكل يدرك ان البحرين لا تملك مالا يغري احدا للقيام بأي فعل عسكري لصالحها، ليؤكد تمسكه وبقائه على نفس النهج السابق والحالي وانه ما من جديد في الأمر وان القضية لن تتطور الى اكثر مما هي عليه من ضربات هنا وهناك ولكن لن تصل الى المواجهة المباشرة.
رسالته الأخرى ان امريكا لن تورط نفسها في التنافس الإقليمي بين ايران والسعودية عندما قال اني لم اعد السعودية بالدفاع عنها، كأنه يقول رسائلكم أيها الإيرانيون يجب ان تبقى في حدود الصراع الإقليمي بحدود التنافس وليس بتهديد المصالح الدولية.