23 ديسمبر، 2024 9:40 ص

رغم كل الدعاوى حول تأمين الحريات العامة التي ينص عليها الدستور الدائم، ثمة دعاوى اخرى تحد من هذه الحريات على خلاف المبادئ العامة للديمقراطية. ومن أخطر هذه الدعاوى ما أشيع قبل ايام من مساع في مجلس النواب لتشريع قانون يتيح لرئيس الكتلة النيابية او السياسية طرد اي نائب يختلف مع الكتلة. الطرد الذي يجري الحديث عنه قد يعني أمرين الاول الطرد من الكتلة والثاني الطرد من البرلمان.
ثمة قليل من النقاش يمكن ان يثور بشان النوع الاول من الطرد. فمن المفهوم ان تسعى الكتل السياسية والبرلمانية الى توحيد مواقفها وتمتين صفوفها. وقد لا ترضى الكتلة ان يكون بين صفوفها من يخالف نهجها وتوجهاتها. هذا رغم ان مثل هذه الحالات موجودة في البرلمانات الغربية حيث ان نجد ان بعض النواب يخالفون كتلهم وأحزابهم عند التصويت  لكن هذا لا يؤدي الى طرد النائب من كتلته او حزبه. فالديمقراطيات الغربية تسمح بقدر ملموس من حرية الرأي والموقف لنواب كتلة معينة او حزب معين.
المشكلة في النوع الثاني من الطرد وهو الطرد من البرلمان وإعطاء رئيس الكتلة سلطة استبدال النائب المخالف بنائب جديد. لا احسب هذا إجراء ديمقراطيا ولا حتى دستوريا. صحيح ان الشخص يفوز بمقعده النيابي من خلال قائمة معينة ترشحه للانتخابات لكن فوزه يتحقق بناء على تصويت الناخبين له، نظريا عاى الاقل. وبالتالي فان التفويض والتوكيل بالنيابة جاء من الناخبين وليس من رئيس الكتلة الذي قد لا يكون منتخبا اصلا او ان يكون مجرد نائب ترأس كتلته بلا امتياز دستوري آخر.  ان النائب ليس وكيلا ولا ممثلا لرئيس الكتلة انما هو نائب عن الشعب ووكيل له. هذه هي قواعد الديمقراطية وأسسها.  ولا دخل للخصوصيات الوطنية او الثقافية في هذا الأمر. 
الديمقراطية العراقية ديمقراطية ناشئة وهشة وقابلة للارتداد وتعاني من الكثير من عيوب التاسيس واخطاء الممارسة. ومجلس النواب هي الجهة التي يفترض فيها حراسة هذه الديمقراطية وصيانتها وحمايتها ومن ثمة ترسيخها وتعميقها. وإذا ما واجهت هذه الديمقراطية بعض الإشكالات التطبيقية وآلاجرائية، مثل مخالفة النائب لكتلته في بعض المسائل، فان العلاج لا ينبغي ان يبتعد بالديمقراطية عن أصولها وقواعدها وجوهرها ومقاصدها. العلاجات ينبغي ان تكون نحو المزيد من الديمقراطية وليس نحو تضييقها. وإعطاء رئيس الكتلة سلطة طرد نائب منتخب من الشعب من البرلمان يشكل تضييقا كبيرا لمفهوم الديمقراطية. تحتاج الديمقراطية من بين أمور اخرى كثيرة بطبيعة الحال الى نواب للشعب على قدر المسؤولية الوطنية والسياسية والديمقراطية. ومثل هؤلاء النواب يجب ان يتمتعوا ايضا بقدر كبير من الاستقلالية والقدرة على اتخاذ الموقف السليم المحكوم بالضرورات الوطنية وليس بالضرورات الحزبية وان يكونوا على قدر كبير من الثقافة السياسية والديمقراطية والفهم العميق لها وللمسائل السياسية التي يواجهونها. اما جعل النائب تحت رحمة رئيس الكتلة وسلطته فهذه مصادرة على المطلوب.
لا اشك في ان من يفكر بهذه الطريقة ينقصه الكثير من فهم الديمقراطية. وتلك إحدى عيوب ديمقراطيتنا الوليدة.