كل ماقيل في احتفالات العيد الرابع والخمسين بعد المئة للصحافة العراقية ، بما في ذلك ماقاله النقيب اللامي ورئيس الوزراء السوداني، فيه الصحيح الذي تزكيه الوقائع والممارسات وفيه المدلس والمنافق والكاذب !
صحيح ان لاسجين رأي عندنا على مستوى الإعلام ، بمعنى ان القضاء حكم عليه بالسجن بسبب آرائه وافكاره وماينشر أو يدوّن ، لكن لدينا مجموعة كبيرة من أوامر استدعاء وشكاوى مسؤولين حكوميين على اعلاميين وصحفيين بسبب آرائهم وانتقاداتهم وكشفهم للفساد والمفسدين أو ، وهو المهم، بسبب دخولهم منطقة الحظر الفكري والسياسي ، كما حصل بايقاف برنامج المحايد الذي كانت تبثه فضائية شبكة الاعلام العراقي بقرار قضائي ، واصبحت الاستدعاءات السيف المسلط على افكار الصحفيين وهم يسوّقون آراءهم للجمهور !
بعد 2003 ومع الفورة الاعلامية بوجود نحو 200 مطبوع وفضائية وراديو ، دفعت الاسرة الصحفية ثمناً باهظاً تمثل بتعرض الصحفيين الى التهديد والقتل والمطاردة والتغييب للاصوات المعارضة الحقيقية وكانت التصفيات تتم على ايادي الميليشيات المنفلتة واحزاب في السلطة والارهاب ، وهي ممارسات افرغت الساحة الاعلامية والصحفية من اصحاب الرأي الذين غادر قسم كبير منهم العراق بحثاً عن ملاذات آمنة ، خصوصا بعد ان ارتفعت اعداد الضحايا من الاسرة الصحفية الى نحو 350 صحافياً منذ 2003 عام التغيير حتى عام 2022 !!
والدلالة الأكثر وضوحاً عن حال حرية التعبير في البلاد ماجاء في تقرير لمنظمة مراسلون بلاحدود عام 2022 جاء مانصه ” حلّ العراق في المرتبة 172 من 180 دولة، شملها تصنيف حرية الصحافة ، متراجعا تسعة مراكز عن تصنيف العام 2021″!
وفي كوميديا حرية التعبير في البلاد ،فان الصحفي لم يعد يعرف عدد الخطوط الحمر التي ينبغي عليه ان لايقترب من اجوائها او يعرض شخصياتها او مؤسساتها الى النقد الذي كفله الدستور !!
اما عدد الصحفيين الذين قتلوا أو اختطفوا أو تم تهديدهم بالقتل بسبب مشاركتهم في حركة الاحتجاجات في البلاد عام 2019 فلا توجد ارقام حقيقية لارسمية ، وهذا متعذر طبعاً ، ولاتقوم نقابة الصحفيين بالاهتمام بهذا الموضوع الذي يضع حرية التعبير في العراق بين مزدوجين !
لكّن جمعية الدفاع عن حرية الصحافة، وهي منظمة عراقية غير حكومية،أحصت 345 اعتداءً طالت الصحفيين خلال عام 2022 فقط ووفقا لإحصاءات المنظمة، فإن 205 صحفيا تعرضوا للاعتداء بالضرب والمنع من التغطية، بينما تعرض 66 للاعتقال والاحتجاز، و14 لدعاوى قضائية ومذكرات قبض، وتعرض 11 صحفيا لإصابات مرتبطة بعملهم الصحفي!!
الوقائع تشير الى ان حرية التعبير في البلاد في محنة حقيقية مع استخدام قوانين العهد الصدامي للجم أي نوع من المعارضة فضلا عن التضييقات في قوانين جديدة تحتوي على بنود قابلة للتفسيرات والتأويلات التي يمكن استخدامها على نطاق واسع لتكميم الافواه !!