5 نوفمبر، 2024 6:56 ص
Search
Close this search box.

حرية ” التعرير”

حرية ” التعرير”

“حرية التعبير” هو احد المصطلحات التي وفدت الينا بعد عام  2003. جاء على ظهر الدبابات الاميركية هو الاخر مع من جاءوا محررين لا فاتحين. وطوال السنوات العشر الماضية سجل هذا المصطلح اعلى نسبة من الخلاف والاختلاف الذي افسد الود والقضية معا. حصل هذا في وقت لا يوجد فيه احد ضد مبدأ حرية التعبير بعد عقود من الشمولية الاعلامية. ولعل من بين اهم الاسباب التي ادت الى اتساع مساحة الاختلاف هو ما طرأ من متغيرات في السلوك الجمعي للمجتمع العراقي بعد التغيير.
ويبدو ان الانسان العراقي لم يكن مهيئا لانقلاب مفاجئ في كل شئ وعلى كل المستويات. فما حصل لم يكن انقلابا عسكريا طالما تكرر في تاريخ العراق الحديث. بل كان انقلابا في كل شئ .. في السياسة والاقتصاد والاجتماع والثقافة والاعلام والطقوس والعادات والمفاهيم والاخلاق. وبينما ساعد الانفتاح الاعلامي الهائل المجتمع العراقي على الخروج من العزلة الطويلة عن العالم فان كمية ما تم ضخه الينا من القيم والافكار والمفاهيم ادى الى “عسر هضم” نتجت عنه افرازات لا قبل للمجتمع بها من قبل.
وفي وقت اطمأن الجميع شكلا الى ما تضمنه الدستور من ضمانات على اصعدة مختلفة من اهمها حرية التعبير فان الدستور لا يبدو مؤهلا الى معالجة التناقض الحاد بين سلطة الدين التي لاتزال مطلقة وخارج الدستور الوضعي وبين سلطة الدولة المقيدة بالدستور المختلف عليه والمشتوم على المنابر سواء كانت مساجد او حسينيات او ساحات تظاهر واعتصام. في ظل هذه التقاطعات الحادة لابد من تضحيات وضحايا وهو ما حصل بالفعل حين تسللت الى منظومة قيمنا فنانة المانية لم تكن معنية بان “تصدق” ما اذا كانت لدينا حرية تعبير او ما اذا كانت سلطة الذائقة عندنا تتفوق على ذائقة السلطة حين تكون في لحظة “عري” داخلي امام المقدس.
سلطة الذائقة التي عبرت عنها الفنانة الاجنبية بعرضها المسرحي الخالي من قصدية الاثارة المسبقة كشفت عري ذائقة السلطة الخائفة من المتسلط الاكبر عليها وهو رجل الدين الذي يعد نفسه حارس القيم المطلق وبلا منازع. وبصرف النظرعن مفهوم العلاقة بين مفهوم “حرية التعبير” المكفول ولو شكلا بالدستور وبين عرض “التعري” المرفوض اجرائيا لانه يحيل الى سلطة الجسد بوصفه “عورة” فاننا وحيال هذا الاشتباك الحاصل في الرؤى والقيم والمفاهيم نجد انفسنا امام مصطلح جديد لكنه ليس وافدا بل هو من صميم واقعنا وهو “حرية التعرير”.
ان ما ظهر من جسد الممثلة لم يكن “لحما طريا” يسيل له لعاب الرافضين له بالعلن متمنين لعقه بالسر وانما هو لون الملابس التي تتطابقت فنيا مع بياض الجسم.  ماحصل اننا استعرنا العري كلحظة انكشاف جواني تعيشه دواخلنا باسم منظومة القيم عندنا بينما لم ننظر الى الجسد كقيمة تعبيرية ادائية على خشبة مسرح تتحمل قدرا من المشاكسة والتاويل. لقد  نظرنا اليه بوصفه حالة سقوط شبقي جعلتنا نتحرك في مسافة قاتلة بين حرية “تعبير” موهومة ووهم حرية “تعري” .. 

أحدث المقالات

أحدث المقالات