رسالة من احد مقاتلي الجيش الحر إلى حبيبته في دمشق
ـ حبيبتي ها أنا اكتب إليك وقلمي يرتجف يأساً ودموعي تشارك حبري الأسى والخيبة لان كل ما بنيناه يتساقط فوق أحلامنا والطائرات والمدافع والدبابات التي كنا نقتطع اللقمة من أفواه أطفالنا لكي نطعمها مدت ألسنة أحشائها لتشتمنا بيتاً .. بيتاً وبدلاً من أن تتوجه نحو العدو أعملت مخالبها بلحم صغارنا وبصقت علينا حمماً من حقد وتمكنت أن تفعل بنا ما عجز عنه العدو وبصراحةٍ يشوبها الذهول لم نعد نعرف معنىً محدداً للعدو فدرعا التي توشحت بالخراب حاولت أن تصرف النظر عن اغتصاب دير الزور ففاجأتنا حلب على الشاشات وقد فض بكاره أبناءها وتاريخها ورزقها أقوام لم نعرفهم من قبل عاثوا في الأرض فسادا وخرابا.
إنهم ” الشبيحة الذين لا نعرف اقرب آبائهم ” لا لشيء سوى أنها كانت تندب جرحها في بابا عمرو ..
حبيبتي رويده عن أي المصائب أحدثك عن حمص التي استبدلت ثياب عفويتها بأسمال من دم ونجيع أم عن القامشلي والحسكه وديرالزورأم عن اللاذقية وجبلة وطرطوس أم عن إحيائنا الميتة في القابون وسقبا وباب توما والحجيرة وكفر سوسة والمزة والحجر الاسود وعين ترمة وكفر بطنا وحمورية ومزارع الزبداني ومصيبة ادلب وجنائز داريا وكل هذا الموت يحدث والسيدة زينب تنتظر من يفتح جراحات الماضي الراقدة بفتنة طازجة وما أسعدنا لو كان الرصاص الذي يقتلنا يهودياً لعلنا نحصل على الشرف الذي فقدناه يوم يأسنا من إمكانية المواجهة واقتصرت عمليات الإعداد فقط لحربنا لكنه الرصاص الذي بعنا من اجل أن نحصل عليه أقلام الرصاص .
رويده ، ما الفائدة لقد اتسع الجرح وأصبح بحجم الوطن والمشكلة إن الدماء لا تقبل التفاوض ستقولين لي إن عقالاً ونجمة سداسية وحلم إمبراطورية كانت تزود بنادقنا بالرصاص وتصدقين فلسنا نياماً على أذاننا فحين يقتل الأب أسرته فانه يفتح الأبواب لدخول الجيران لقد كان الأب أفعى ظالمة تزدرد سجونها سعة ابناءالوطن وأحلامهم فمنذ عقود وهو يقتل ويغتصب ويرعب ويأنف حتى أن يرمي فتات موائده إلى الشعب وهو اليوم يقطع عنا الماء والكهرباء والأمان والكرامة … (يصطفل هوة من اليوم هالحكي ما كان هيدا من تلاتين سنه ) .
لكننا قررنا هذه المرة أن نموت بشرف أن نذل الرصاص الذي لا يعرف لا يعرف الحياء حين يقتلنا ويترك العدو ان نفضح جرحنا الذي كنا نخشى أن يشمت الجيران بنا لانه مخزٍ ولن نرجع إلى بيوتنا المهدمه لنطلب العفو ممن لا يعرف الرحمة سنصرخ ونبكي ونرقص ونطلق النكات ونفر ونهرب ونستسلم لأننا بشر ولسنا آلهة لكننا سنعيش كما نريد ولن نعود إلى حياة لاغني فيها ولا كرامة ( أي حاجة نموت وما حدا عارف شو عم بيصير أي حاجة موت حاجة زل ما عاد فينا نسكت ولا عاد فينا نموت هلا بدنا نفرجي الناس شو هوة الشعب السوري).
لقد صبرنا عقوداً بانتظار خرافة الإصلاح دون جدوى نموت في بيوتنا كما نموت في السجون والعالم يتسابق لكي يغدق الألقاب المجانية على أبينا في الحرية والعدالة واحترام الآخر وأينما نذهب تقمعنا عبارته ” الأسد للأبد” فعن أي حرية وعن أي احترام وهو إله آخر ورث عن أسرته حق استعبادنا وسيورثنا مثل كل المقتنيات إلى أبنائه وهكذا حتى يأذن الله وفوق كل ذلك يجب أن نشعر بالامتنان لأنه يحكمنا فإذا وسوست لك نفسك غير هذا ففرع فلسطين كفيل بأن يعيد الأمور إلى مجاريها أو يرميك في مجاريها لا فرق المهم ” الأسد للأبد ـ لكان “.
( وهلاّ راح تسألني هاي الحرية اللي يدكمياها قتل ودمار وهتك أعراض ودولة سلفية ومستقبل مجهول امنيح هيك ) طيب ويبقى السؤال يحمل في طياته سيلاً من المغالطات عندما نحمل الضحية مسؤولية القتل ولكي نكون منصفين علينا أن نسأل من كان السبب ؟ فهذا الشعب العاشق للسلام والحياة لم يكن يحلم بشئ أكثر من حياة تليق بالإنسان متناسياً شيئاً اسمه الحكم غير أن الطغاة وقد تحركت بداخلهم براكين الكراهية لم يتركوا الناس وشانهم فالسجون والضرائب وتعمد الاهانه والاستخفاف بالمشاعر والمصائر والتغييب في أتون المتاهات المجهولة والفقر والجهل والتخلف وحرمان الشعب المختلف من حقه في الاختلاف فلا لغة ولا عادات ولا مدارس إلا لمن بأذن له ” الإله للأبد ” وحين يطالب الشعب بالإصلاح يرد على هدوء كلماته صخب الدبابات وهدير المدافع وعبارات الطائرات البليغة فمن هو الذي هدم ودمر واغتصب واستباح ؟ ومن كانت بيده مفاتيح الأزمة فوضع المزيد من الأقفال ومن ومن … ؟
ليس مهماً الآن لديكم من كان وراء ذلك كله ومن وضع كل علامات الاستفهام في طريق بلا إجابات وليكن فإن الأعمار قد ضاعت مع الظلم وان الاهانة تشربت بالزاد والماء والهواء وان الدماء قد سفكت دون وجه حق وان حقنا في الحب والحياة قد جف مع جفاف بردى وبعد ذلك كله لن يكون مهماً أيضا أن نتشبث بحياةٍ تحتاج إلى حياة .
حبيبتي إن انشغالي وهيامي بعينيك الصافيتين البريئتين لم يشغلني يوماً عن رؤية سوريا فيهما وقد يكون صحيحاً إننا نحمل البنادق والأسلحة والذخائر لكن لنا في قلوبنا عشق ابدي للسلام ولمعنى الحياة الكريمة وللحب الذي قد يمرض فينا لكنه لن يموت لان سوريا اكبر ونحن بصمةٌ على صفحةٍ ناصعة نكتب فيها ما يليق بنا وفي ذات الوقت أنا أتذكرك جبلاً من جمال ويمطر رقة وعذوبة يرد على نسمات جبل قاسيون بأنفاس العطر وأكاليل الروعة لكنني ومنذ انطلاق هذه المواجهات ابكي مساء كل يأس كلما تذكرت الراحل الكبير محمود درويش وقد تغيرت عندي صورة العدو ومع الأسف أصبحت اردد دائماً ( بين رويده وعيوني بندقية ) .
[email protected]