انشغل العالم بتداعيات التصعيد العسكري والإعلامي بين الولايات المتحدة وإيران، في مشهد يعيد إلى الأذهان أجواء الاستعداد لشن الحرب على العراق بالغزو والاحتلال عام 2003.
ومرد هذا الانشغال هو أن تداعيات وشرر الحرب هذه المرة ستطاول عدة دول، سواء كانت حليفة لطهران أم معادية لها أو حتى التي تقف على الحياد، الأمر الذي دفع العديد من الدول إلى تخفيف حدة التوتر في المنطقة عبر وسطاء ورسائل.
وعلى الرغم من أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب أبقى الباب مفتوحا للتعاطي مع الأزمة الإيرانية إلا أن إيران ترى الحوار بظل التهديدات أمرا غير مجدٍ.
وهنا نتوقف عند تعاطي الإدارات الأميركية مع العراق وإيران؛ فبوش الابن أغلق أي حوار ورفض أي وساطة لنزع فتيل الحرب مع العراق، وأصر على خيار الغزو والاحتلال رغم أن القيادة العراقية في حينها رحبت بالحوار والحل السلمي للأزمة، في حين أن إدارة ترامب لم تغلق الأبواب إلى حد تمرير هاتف رئيسها الشخصي إلى الإيرانيين، فضلا عن تناقض تصريحاته إزاء العمل العسكري.
صحيح أن التلويح بالخيار العسكري وحشد الأساطيل واستعراض القوة أحد أوجه الصراع لفرض الإرادات، إلا أن خواتيم الصراع الملتهب بين واشنطن وإيران لا تشبه خواتيم الصراع مع العراق التي انتهت بالاحتلال المباشر.
وهنا نتساءل عن أسباب تصاعد حدة الصراع بين واشنطن وإيران؟ وكيف استثمرت الأخيرة احتلال العراق بدعم أصدقائها وحولته إلى حليف مؤثر في صناعة القرار العراقي، ونافذة لتخفيف الحصار الأميركي المفروض على طهران، وهو الأمر الذي عدته إدارة ترامب محاولة لإنقاذ طهران من العقوبات؟
في ظل التهديد والوعيد من كلا الطرفين فإن أدوات الحرب وقواعدها قد تغيرت بفعل التقدم التكنولوجي العسكري؛ فالحرب جراء هذا التطور لم تعد القتال وجها لوجه بين جندي وآخر، وإنما بواسطة الصواريخ البعيدة عن حلبة الحرب والطائرات المزودة بكل أشكال الرصد والتمويه ودقة الإصابة، فضلا عن الأقمار الاصطناعية التي تتيح للطرف التي يمتلك حداثتها إدارة مسار الحرب ودقة قواعد الاشتباك مع الخصم وهو على بعد آلاف آلاميال عن ساحة المعركة.
وطبقا لموازين الصراع وأدواته فإن الولايات المتحدة تمتلك الأرجحية وقوة التأثير والنيران، وبالمنظور العسكري تمتلك إدارة الصراع لصالحها حتى من دون حشد الآلاف من جنودها، كما تفعل ايران. فالحرب المحتملة هي حرب تدار من على بُعد وليس كما حشدت أميركا الآلاف من جنودها لغزو العراق واحتلاله.
وإذا عدنا إلى المقاربة بين حرب العراق واحتمالات الحرب على إيران نستطيع القول إنه خلال ربع قرن تعرض العراق إلى أربع حروب قادتها الولايات المتحدة وحشدت لها دولا ولغايات متعددة في عهود الرؤساء بوش الاب وبيل كلينتون وبوش الابن وباراك أوباما.
ففي عام 1991 قادت واشنطن في عهد الرئيس الأميركي بوش الأب تحالفا دوليا ضم أكثر من ثلاثين دولة لإخراج العراق من الكويت بعد اجتياح قواته لها.
خلال السنوات التي أعقبت هذه الحرب تعرض العراق إلى حصار قاسٍ استمر ثلاثة عشر عاما تخللها شن الإدارة الأميركية في عهد الرئيس بيل كلينتون سلسلة من الهجمات الجوية على مناطق حيوية بحجة عدم امتثال العراق لقرارات مجلس الأمن، ولتدمير قدرات الجيش العراقي.
وخلافا لحرب عام 1991 لم تستطع إدارة الرئيس بوش الابن حشد التأييد الدولي لغزوها للعراق عام 2003 باستثناء تأييد رئيس وزراء بريطانيا توني بلير لبوش لشن الحرب الثالثة.
ارتدادات غزو العراق واحتلاله أدت إلى وضع العراق والمنطقة والعالم أمام تحديات أمنية خطيرة جراء تداعيات الغزو وفشل المشروع الأميركي وتخبط إدارة بوش الابن في تعاطيها مع نتائج احتلالها للعراق أدى إلى تحويل العراق إلى ساحة لنشاط وملاذ للجماعات المتطرفة وجاذبا لها.
الرئيس الأميركي باراك أوباما أعاد مشهد التحالف الدولي الذي قادته واشنطن في حربها على العراق عام 1991 بتحشيد العالم من جديد لمواجهة خطر داعش ومكافحة الإرهاب بعمل عسكري لتفادي التمدد الداعشي.
حروب العراق من بوش الأب إلى أوباما وما سببته من مآسٍ على العراق والمنطقة، وما أحدثته من متغيرات إلى حد تلويح بشنها من قبل إدارة ترامب هي بالأحوال كافة هي أحد أسباب تنامي الصراع مع إيران بعد أن استثمرت الأخيرة خواتيم احتلال العراق الذي سيكون أحد أبرز المتضررين في حال اندلاع الحرب.
والسؤال: هل سيبقى العراق ساحة لصراع الإرادات وارتدادات تقاطع المصالح؟