23 ديسمبر، 2024 8:00 ص

حروب شاذة تعيشها مهنة المحاماة (16)

حروب شاذة تعيشها مهنة المحاماة (16)

تكملة لمقالنا السابق نتناول المحور السادس عشر في الحروب الشاذة التي تعيشها مهنة المحاماة، وهو:تعقيب المعاملات من قبل المحامإن ازدياد عدد المحامين (مائة وعشرون ألف محام) افرز لنا معـقـّب مـتـطــوّر يحمل شهادة المحاماة ويمارس عمل التعقيب فقط ويبتعد عن مهنته الأساسية؛ لأسباب عديدة منها قد تعود لأجور التعقيب الجيدة وأخرى لقلة الدعاوى التي يترافع بها وهناك صعوبة في ممارسة عملهم بسبب ضعف خبرتهم وغير ذلك من الأسباب؛ لكن تبقى نظرة المحامي لنفسه ونظرة المجتمع له مهمة، وعلى المحام ان لا يترك مهنته الأساسية بدون ان يفكر او يجهد نفسه قليلا من أجل مهنته لأنها مهنة سامية. هناك قانون ينظم عمل الدلالين وكتاب العرائض ولم يرد فيهما كلمة محام، ولم يرد في قانون المحاماة رقم 173 لعام 1965 النافذ ما يسمح للمحامي بتعقيب المعاملات، فقط في المادة (م19)منه، التي سمحت للمحام المتمرن كمرحلة أولية بممارسة التعقيب، وهذا يعد عيب في قانون المحاماة النافذ فمن غير الصحيح ان يتخذ المحام من مهنة التعقيب بديلاً عن مهنة المحاماة ويترك الترافع أمام المحاكم، ولا ينغمس في خضّم المرافعات والمحاكمات، لأن هدف المحامي أساساً هو المحافظة على حقوق الناس، وحدد قانون المحاماة دور المحامي في سوح القضاء، لأجل نيل هذه الحقوق.ولا بد من الإشارة الى ان هناك فرق بين المعقب وكاتب العرائض.كاتب العرائض: (هو شخص الطبيعي اجيز له ان يحترف كتابة العرائض نيابة عن أصحابها مقابل اجر وذلك فيما يتعلق بشؤونهم لدى الجهات العامة وغير العامة.)اما معقب المعاملات: (الشخص الطبيعي الذي يحترف مهنة تعقيب وإنجاز المعاملات لدى الجهات العامة وغير العامة نيابة عن أصحابها مقابل اجر).وفي العراق لا يوجد قانون ينظم عمل المعقبين، ففي دول أخرى مثل سوريا؛ نقابة المحامين السوريين منعت المحامين من تعقيب المعاملات، وهناك نقابة تنظم عمل المعقبين اسمها نقابة المجازين القانونيين(نقابة الحرفيين) حيث لا يتم العمل بالمعاملات وكتابة الطلبات والعرائض والاستدعاءات إلا بموجب ترخيص من هذه النقابة، والتي تتابع اعمال المعقبين وتراقب الأخطاء إن وجدت، فالمجاز يقوم بحلف اليمين القانونية أمام المحاكم المدنية، ويحق له العمل في جميع دوائر الدولة ماعدا المحاكم لأن القانون الذي ينظم اعمالهم  يمنع دخول المعقبين الى المحاكم بسبب وجود المحامين وللحفاظ على هيبة المحام وعدم تداخل عمله مع المعقب، فيما اذا استجدت عن دعوى المحام متطلبات إدارية تستوجبها دعوته، والمعقبين في سوريا لهم اكشاك ولوحة مدون فيها اسم المعقب المجاز والرقم الخاص به حتى لا يدخل أناس غرباء على المهنة، ولكل معاملة لها معقب مجاز خاص فالمعاملات العقارية لها معقب خاص والمعاملات المرتبطة بالصحة لها معقب خاص، فيكتب على اللوحة نوع التعقيب.التعقيب لم يرد في باب اتعاب المحاماة:لم ترد عبارة تعقيب المعاملات في قانون المحاماة النافذ عند تحدثه عن اتعاب المحاماة (الباب الخامس من القانون)، فبالنسبة لاحتساب أتعاب المحامي، هناك نقطة مهمة؛ إذا كان دور المحام معقباً لمعاملة في إحدى دوائر الدولة، وليس التقاضي أمام المحاكم، فإن التطبيقات العملية لدعاوى اتعاب المحاماة لم يتمخض عنها احتساب أجور خاصة للتعقيب، فالمحامي لا يستحق هنا أجور محاماة وفق قانون المحاماة، وإنما يستحق الأجور كعلاقة بين دائن ومدين، والمادة  55 من  قانون المحاماة النافذ وما بعدها، تتحدث عن الترافع والخصومة ومن خسر الدعوى ومن كسب الدعوى، وغيرها من المصطلحات التي لا تكون إلا في ممارسة المحامي لعمله (الحقيقي) في الدعاوى وفي ساحات المحاكم، وبالتالي فإن قانون المحاماة هو الذي يطبق عليها، ولا يطبق على أعمال التعقيب، التي يمارسها كثير من المحامين في الوقت الحالي. ان تعقيب المعاملات يسيء لكرامة مهنة المحاماة ان اتخذه المحام كمهنة له، لان التعقيب يبعد المهنة عن اطرها النبيلة ويضعف استحقاقاتها، فالأعمال الإدارية التي تتطلبها الدعوى ومراجعة الدوائر الحكومية لإنجاز الدعوى او تنفيذ القرارات لا باس من ذلك، لأن التعقيب والترافع في دعاوى كثيرة يكونان قطبان مندمجان في مهنة المحاماة، ولا غنى للمحامي عنهما معاً.فالمحامي ممكن أن يعقب المعاملات، وهذا إجراء قانوني ولا يعيب على المحامي ذلك إذا حافظ على أصول مهنته وكرامة تلك المهنة النبيلة فعندما يقيم دعوى عقار فإن المحامي ملزم بمراجعة دائرة التسجيل العقاري، او إزالة شيوع عقار او دعوى أحوال شخصية، قد تكون هناك مراجعة لدوائر الجنسية وذلك لا يعتبر تعقيباً بل إكمال لمتطلبات دعوته، بالرغم من ان هذه الدوائر لا تقبل بالوكالة لكثرة عمليات التزوير ويفضل ان يقوم بتعقيبها الموكل نفسه، لا ان يقوم المحام بإصدار هويات او صور قيود تحت ذريعة ان المحكمة طلبت ذلك.ان مهنة “التعقيب”، في أحيان كثيرة اخترقت اللوائح وكسرت الأنظمة والقوانين والتعقيدات، وفتحت الباب لثغرات يتسلل منها الفساد وإن لم يكن ظاهرًا، والنظرة المجتمعية للمحامي الذي اصبح معقب معاملات بحقيبة وبدلة ورباط، هي نظرة غير مرغوبة، لأن هدف المهنة هو أساساً الترافع، والمعقب غالبا ما يكون، ذلك الرجل الذي لم يحصل على شهادة ابتدائية ربما، ولديه عصا سحرية مهمته إكمال معاملات المواطنين في الدوائر كافة بسهولة دون تعقيد أو تأخير، وقسم من المعقبين، في العراق يمارسون أعمالهم مع زبائنهم تحت عنوان (اي معاملة ممكن تعقيبها والمبلغ الذي يحدد بيننا لا احدده انا او صاحب المعاملة انما تحددها نوعية وكمية الرشوة التي تقدم للموظف) وكلما زادت درجة المخالفة النظامية زاد مقدار أتعاب المعقب، أخذاً في الحسبان نسبة الموظف المرتشي، دون اكتراث بالاعتبارات الدينية أو القانونية.ونلاحظ المحام الذي يعمل بتعقيب المعاملات فقط، بانه ويدور في حلقة عنوانها تحقيق المكاسب المادية بعيدا عن المهنية والكفاءة.هناك ضرورة بان يتضمن مشروع قانون المحاماة الجديد نصوص تمنع المحام المتمرن من اتخاذ التعقيب مهنة له، سيما الممارسة العملية افرزت بعض المحامين المعقبين، يقومون بالتفنن في إيجاد السبل لتحقيق اهداف مادية بحتة؛ فارغين من المعلومات القانونية، بسبب ترك المهنة ومهنة المحاماة الجليلة يجب ان ترفض ذلك.إن هذه التداعيات افرزت صراعاً يشوب العلاقة بين المحامين ومعقبي المعاملات، مرده تنازع المصالح(مادية ومهنية) بين الشريحتين، وإن كلاً منهما لا يتوانى أن يطلق الاتهامات للأخر.ولأجل تفادي ما ورد في قانون المحاماة النافذ (م19 منه) وحفاظا على كرامة وهيبة المهنة وشخص المحام نرى ان يتم النص في مشروع قانون المحاماة في باب المحام المتمرن، مادة تنص على:((يمنح المحامي المسجل حديثا الصلاحية المحدودة (أ) يمارس فيها الترافع في الدعاوى البدائية التي لا تخضع للطعن استئنافا ودعاوى الأحوال الشخصية والجنح والمخالفات وحضور التحقيق فيها والطعن في الأحكام والقرارات الصادرة فيها ومتابعة المعاملات الناتجة من الدعوى في دوائر الدولة ولمدة سنتين، ويحظر على المحام ترك ساحات المحاكم والترافع واتخاذ مهنة تعقيب المعاملات مهنة له)).