23 ديسمبر، 2024 11:12 ص

حروب شاذة تعيشها مهنة المحاماة (ج17)

حروب شاذة تعيشها مهنة المحاماة (ج17)

تكملة لمقالنا السابق نتناول المحور السابع عشر في الحروب الشاذة التي تعيشها مهنة المحاماة، وهو: تسيس المهنة والانتخابات:من أهم العوامل التي تؤثر على استقلال المحامين، هو تدخل السلطات العامة في عملهم النقابي مما يهدد استقلالهم النقابي، ويشكل اعتداء على الحرية النقابية المكفولة دستوريا، وتتعدد صور التدخل السياسي في العمل النقابي للمحامين، فقد يصل الأمر إلى حد فرض عضو مجلس نقابة او شراء أصوات لتنفيذ اجندة سياسية او حزبية او طائفية او وقف أو تشكيل هيئة لإدارة نقابة المحامين وكل ذلك يتم خارج ارادة المحامين وكما حصل بعد الاحتلال، حيث تركز العمل على إضعاف التنظيم النقابي وقيادته من الداخل والخارج بشكل رسمي أو بغير ذلك، كاعتقال المحامين بدون محاكمة، وتعذيبهم وتصفيتهم الجسدية، أو بث الشقاق والانقسام فيما بين أعضاء المهنة، عن طريق المحسوبية السياسية والمحاباة من قبل الحكومة والأحزاب بخاصة منها الدينية، وما تمارسه من تمييز عدائي لأسباب سياسية او طائفية او قومية، أو بفرض الوصاية على مجلس النقابة، كأن يصدر قانون يسمح للسلطة التنفيذية، بأن تتسلط على مجلس النقابة، تستطيع السلطة ان توفرها بشراء ولاء عدد من المحامين، أو عن طريق التدخل في تشكيل مجلس النقابة، كأن يخول وزير العدل الحق في تشكيل مجلس النقابة إذا كانت هناك استقالات، أو جعل تأديب المحامين عن غير طريق نقابتهم وكما يحصل في فتح دعاوى عديدة على محامين بسبب عملهم ومهنيتهم، وهناك صورتين واضحتين لتسيس المهنة في الوطن العربي: الاولى: التدخل في عمل نقابة المحامين:وما حصل في العراق سابقا عندما كان يتدخل المكتب المهني للحزب وبعد الاحتلال قضى مجلس الحكم على نقابة المحامين العراقيين واستقلال مهنتهم، حينما اصدر قرارا بحل النقابات وتشكيل مجلس بعدها عبر وزير العدل لإدارة النقابة، وكان ذلك القرار بمثابة الغاء لمهنة المحاماة ونقابة المحامين، فأصبح المحامون بموجب هذا القانون موظفين عموميين تابعين لوزارة العدل وخاضعين لتوجهاتها وأوامرها، وبالتالي أهدر هذا النظام ضمانة هامة من ضمانات استقلال القضاء من خلال إهداره لحق الدفاع، كأحد أقدس حقوق الإنسان،  وتصدت نقابة المحامين لذلك وأقامت دعوى أمام محكمة البداءة في الكرخ وردت المحكمة الدعوى المقامة من قبل النقابة، وطعنت النقابة بالقرار البدائي أمام محكمة التمييز وأصدرت محكمة التمييز بهيئتها التمييزية العامة، قرارا رائعا جسدت فيه مهنية القضاء العراقي، واعادت الحق لأصحابه، والذي أسس فيه لمبدأ عدم التدخل الحكومي في عمل النقابات المهنية ومنها نقابة المحامين العراقيين، ولا زالت تحاول الاحزاب والكتل السياسية الهيمنة على مقدرات النقابة وتحديد قياداتها النقابية، وهذا ما لاحظناها في الانتخابات الاخيرة في شهر اذار من عام 2016، وفي ليبيا ومصر حدث نفس الشيء.نخلص مما سبق إن طبيعة عمل المحامي وعرف المهنة وتقاليدها هما الدستور الطبيعي الذي يكفل حماية استقلال المحاماة كحق من حقوق الإنسان، وضمانة من ضمانات العدالة.والواقع إذا كان من الحق إن المحاماة، شأنها شأن كافة المهن الحرة، تعتبر مرافق عامة تملك الحكومة حق تنظيمها والإشراف عليها، إلا إن شرط ذلك أن تحترم الحكومة الحرية النقابية المكفولة بنص الدستور، وذلك بأن يكون على أساس ديمقراطي؛ فإنشاء النقابات على أساس ديمقراطي طبقا للدستور، يعني أن الانتخاب هو الوسيلة الوحيدة لتكوين نقابة منتخبة انتخابا صحيحا، وإنشاء مجلس نقابة بغير انتخاب، معناه حرمان المحامين من حريتهم الانتخابية؛ وفي هذا اعتداء صارخ على الدستور والحريات الدستورية.الثانية: انتخابات المحامين والتسيس:لاشك أن  الأجواء التي سادت في الانتخابات الأخيرة لنقابة المحامين وما الت اليه من نتائج، كانت مفاجئة ولا تنسجم مع الثوابت المهنية وافرزت أجواء مفعمة بالضغوط والتربص وانتهاز الفرص السانحة للانقضاض على الاخر، وهي ظواهر غير مهنية، والأجواء كانت ولا زالت متشنجة، بسبب اعتقاد كثير من المحامين ان بعض الفائزين غير مؤهلين لان يكونوا قيادات نقابية لضعف خبرتهم في العمل المهني النقابي، وهذا الامر سينعكس سلبا على الأداء المهني النقابي الذي هو أصلا يعاني من علل كثيرة يصاحبه اتهامات خطيرة بالفساد، وترجع المسئولية عنه إلى مجلس النقابة السابق وقسم من الحالي الذي لا يجيد بعض أعضائه سوي البحث عن امتياز او عن سفرة من خلال دعوة او مؤتمر او الولع في الظهور في قناة فضائية تسعده الظهور علي شاشتها، وكأن في ذلك كله آخر أمنياتهم في الحياة، جاهلين ومتجاهلين بالدور والمكانة التي وضعتهم فيها الأقدار، ليحملوا هموم فصيل المحامين المتناثرين في كل أنحاء المدن والقري والأحياء العراقية، فلم يكن علي المحامين ثمة ذنب أو مسئولية أنهم وضعوا ثقتهم في أناس اعتقدوا انهم خيرون واكتشفوا بمحض الصدفة أنها في غير مكانها بالمرة، وإن كان كذلك فيمكن لومهم علي شيئا واحدا اخطأوا فيه وهم تحت تأثير أشد من تأثير التنويم المغناطيسي الذي يلجأ إليه المجرم في ارتكاب فعلته ألا وهو انسياقهم(بعضهم) بكل جوارحهم وطاقاتهم التي لم يتبقي منها سوي الضعف والازدراء، وراء قادة المحامين الذين أثبت بعضهم علي مر أيام قليلة أنهم مجرد محامين مغمورين تعبر مسيرتهم المهنية عن ضعف قانوني كبير وتيه مهني اكبر في التعبير عن إرادة المحامين، ويمتلكون الحماسة الفائقة في تحقيق مصالحهم الشخصية، عبر الانبطاح والخضوع لإرادات لا تمثل جماهيرهم، لكنهم ينساقون وراءها ضاربين امال جماهيرهم عرض الحائط، ولن يضيفوا للمشهد المهني أي إضافة ولو ضئيلة يمكن أن تشفع لهم أخطائهم التي اعتبرها المحامون أنها سقطات عابرة في بداية الأمر، ولكن تبين أنها سمة جديدة من المفروض إضافتها للخصائص التي يتمتع بها أي زعيم أو قائد وهي قدرته علي نيل المكاسب والمغانم والانفراد بالخطأ والتمادي فيه لدرجة الغرق غير المحتمل النجاة منه.
ان الاعداد المشاركة في انتخابات المحامين لا تشكل 12% من اعداد المحامين المسجلين في جدول المحامين وتلك كارثة يجب معالجتها في مشروع القانون الجديد من خلال إيجاد نص يلزم المحام بالحضور في يوم الانتخابات او أي اجتماع عاجل تطلبه النقابة من المحام وفي حالة التخلف عن الحضور يعاقب المحام بمنع ممارسة المحاماة لثلاثة اشهر وبنص صريح وواضح، لان هذه الاعداد تشكل خيبة امل كبيرة في إيجاد الشخص المؤهل مهنيا بتمثيل المحامين ان كان نقيبا او عضو مجلس بسبب الحضور البائس والذي اقتصر على غالبية المحامين الشباب في ظل عزوف بائن وواضح من شيوخ ونبلاء وصفوة وقدامى المحامين.
المثير للتساؤل أن بعض القيادات المهنية النقابية الحالية والسابقة، الذين تسنموا منصة مجلس النقابة جاؤا تحت عناوين مورست في الانتخابات العامة للعراق، عبر عنوان؛ أبشركم بفوز السيد الرئيس، ويسقط دائما في الانتخابات أهل المهنية والكفاءة والعلم والخلق والشهامة والنزاهة، ويبقى الوطن خروفا مشويا على موائد اللئام، ما دامت جماهيره العريضة لا تفرق بين الألف وكوز الذرة، كما يقول المثل.
ان بعض القيادات النقابية ما زالت تردد وتّصر على صحة الخطوات التي قاموا بها، وكأنهم يعيشون في زمن وبلد وظروف غير التي يعاني منها المحامون، فهذه المكابرة والعناد المستمرين أودي بهم وبالمحامين خطوات طوال إلي الوراء.
الشيء المؤسف، أن الأجواء الانتخابية كانت ملوثة بطريقة قاسية وهابطة وغير مهنية في كثير من صفحاتها وساهمت النقابة في تفاقمها سواء بقصد أو بدون قصد، والمساهمين في تفاقم هذه الممارسات القذرة وسيادة هذه الأجواء لم تأخذهم أي ذرة رحمة أو شفقة علي حياة الصفوف الخلفية من المحامين بصورة عامة والمحامين التابعين لهم بكل ولاء وعطاء، لنيل أي مكسب مهني قد يراه هو ومن معه انه يحفظ لهم ماء الوجه أمام المحامين وعامة الشعب بخاصة أفراد أسرهم قبل موكليهم.