تكملة لمقالنا السابق نتناول المحور الرابع عشر في الحروب الشاذة التي تعيشها مهنة المحاماة، وهو:
هيئات الانتداب واهميتها في العمل النقابي:
عملت كرئيس غرفة المحامين في المحكمة الجنائية المركزية لحوالي سبع سنوات خلت، والغرفة من اكبر الغرف الموجودة في العراق لأهمية المحكمة وثقل الدعاوى المنظورة فيها وكثرة اعداد المحامين المتواجدين فيها، ولقربي من قيادات النقابة لفترة طويلة، عاصرت خلالها خمس نقباء محامين اجلاء، ولدي تصور بسيط عن مخرجات العمل النقابي، احتدم نقاش بيني وبين أحد المحامين الشباب الذي عرض علي في وقتها فكرة ترشيحه كعضو مجلس النقابة، واعترضت عليه وقلت له الأفضل، وجوب وضع قدم معين لمن يحق له الترشيح لمجلس النقابة في هيئات الانتداب او احد اللجان النقابية الفعالة في النقابة، قبل الترشح كعضو مجلس نقابة، وأخذ يعارض اقتراحي، وكان اقتراحه؛ أنه تكفي ممارسة عدة سنوات للمحامي الشاب حتى يحق له الترشيح لتلك المناصب؛ فقال لي: لماذا تحرمون الشباب من الوصول الى المراكز النقابية بسرعة، وهل تخشون الشباب لأنهم أكثر فعالية من شيوخ المحامين وبالتالي سوف ينجح المحام الشاب ويكون اداؤه افضل من قدامى المحامين، فأجبته:
المسألة ليست شباب وشيوخ فالعمل النقابي أساسه الأعراف والتقاليد ولا يكتسبها المحامي فور حلفه اليمين أو حصوله على لقب أستاذ، فلا بد من ممارسة مهنية طويلة تتخللها دراسة مستدامة للأعراف والتقاليد المهنية إضافة الى دراسة القانون بأنواعه واختصاصاته، وشيء جميل أن ينتقل المحامي من مكتبه الى عضوية هيئة انتداب الغرف لكنه يكون غير جميل اذا انتقل مباشرة للترشيح كعضو مجلس نقابة، دون أن يكون قد مر بتجربة مشاركته في هيئات الانتداب او لأحد اللجان النقابية الفرعية التي يتم تشكيلها في بداية كل دورة انتخابية، والمشكلة التي سوف يعاني منها المحامي الذي وصل بسرعة الى أحد المناصب النقابية، انه في معرض قيامه بإيجاد الحلول للمنازعات التي قد تحصل بين المحامين أنه سيجد صعوبة في حلها، وأنه سوف يستغرق وقتاً وجهداً كبيرين في دراسة الأمور المهنية والنقابية ليصل بالحلول المناسبة للمسائل المعروضة، بينما لو كان هذا المحامي قد تدرج في اللجان المشار إليها وعمل بها، وعرف كيفية التعاطي مع احتياجات المحامين وطرق إيجاد الحلول لكل مشكلة، ممكن أن تصادف العمل النقابي، لكـان الأمر عليه سهلاً، وتكون له محطة مهمة لأجل الانتقال الى الترشيح الى عضوية مجلس النقابة، واذا فشل في الفوز فهو حتما يحمل قيمة وحيدة هي مجرد شرف المحاولة أو المحاولات الفاشلة التي مكانها الأساسي هو صندوق التجارب الحياتية البائسة.
والموجبات تحتم، على المحامين أعضاء هيئات الانتداب ان يعملوا بجد؛ لتكون لديهم الخبرة في تلميع أسمائهم، وان يكونوا عنوان النشاط والنزاهة والتفاني في سبيل المصلحة المهنية العامة.
واثبتت التجربة، بضرورة ان تقوم النقابة بأجراء تعديلاتها على مشروع قانون المحاماة الجديد بالنص بوضوح على عبارة (هيئات الانتداب) في الغرف الفرعية في بغداد والمحافظات (والذي خلا من ذلك قانون المحاماة النافذ) وتسمية هيئات المحافظات ب (مجالس الفروع)، وكذلك النص، على ان يكون اختيار المحامي المرشح لهيئات الفروع، بقدم نقابي عشرة سنوات وخمسة عشر سنة على الأقل لعضو مجلس النقابة وعشرون سنة كنقيب محامين، ليكون موفقا في عمله.
ان زيادة اعداد أعضاء هيئات الانتداب كان قرارا ليس صائبا؛ وأشبه بتوزيع تركة، لان عملهم لا يتطلب هذا العدد الذي وصل الى سبع أعضاء ومعهم لجنة المحامين الشباب، واصل عمل هيئات الانتداب تنظيمي اشرافي وحلقة وصل بين النقابة وغرفة المحامين، وليس هناك قرارات مهمة تتخذها هيئات الانتداب في غرف المحامين لصلاحياتها المحدودة؛ حتى تتطلب كل هذه الاعداد، خاصة في الغرف الفرعية، لكن غرف المحافظات لا باس ان يكون هناك سبع أعضاء لضخامة عملها، ونرى ان لا تقحم النقابة نفسها في أعمال هيئات الانتداب الفرعية بدون مقتضي، لان ذلك سيساهم في تأجيج الصراع بين المحامين ويؤدي لزيادة الشقاق والفرقة.
ولنا على أداء هيئات الانتداب عدة ملاحظات قد أكون مصيبا في بعض منها، وقد أكون مخطئا في مجملها، واوجزها بما يلي:
أولا/ هيئات الانتداب كثافة عددية غير منتجه ومترهلة، ونتيجة مؤلمه لأسوأ اجتهاد عبر تاريخ المهنة؛ في جعل أعضاء هيئات انتداب الفروع بسبع أعضاء ومعها لجنة للمحامين الشباب، ففيه مساؤى عديدة أبرزها:
الف-تشتيت للرأي وكثرة للاجتهادات، يتولد عنه ضعف مركزية رئيس هيئة الانتداب، وقد يولد خلافات حادة بين الأعضاء لاختلاف الرؤى في منهجيه العمل النقابي وعدم الانسجام في تقدير المسائل، مما ينتج عنه صعوبات ومشاكل قد تثور في عمل الغرفة، وتصبح هناك تيارات متضادة بين مجموعة من اعضاء هيئة الانتداب ضد مجموعة أخرى.
باء-هناك فقدان لروح التعاون وتشتيت للجهود، بسبب انشاء لجان الشباب، مما ادت الى تقاطع بينها وبين هيئة الانتداب لضعف الخبرة وفوضوية العمل، خاصة التجربة اثبتت، ان غالبية المحامين الشباب تنقصهم الدراية والحنكة المطلوبة في إدارة هكذا لجان.
ثانيا / فقدان قسم من أعضاء هيئات الانتداب ورؤسائها، الرؤية في تقديم أفكار عملية لحل المشاكل القائمة للمحامين لعدم الخبرة في إدارة أزمات المحامين، وهناك ضعف واضح في معالجه السلبيات واعتماد منهج المواءمة والمهادنة مع الكادر القضائي ومنتسبي السلطة القضائية وبقية السلطات في حل المشاكل، وعدم استخدام أدوات واّليات الضغط المتاحة بقانون المحاماة؛ مما أفقد المحامين قوتهم.
ثالثا/ أداء قسم من هيئات الانتداب لغرف المحامين سواء الفرعية او المحافظات، كان بعيد عن التزام الإطار المؤسسي والجماعي ويغلب عليه النزعة الفردية، وهناك فساد في الأداء لدى البعض.
رابعا/ ضعف وتلاشي للخطاب والدور المهني لكثير من هيئات الانتداب سواء الفرعية او المحافظات، والاهتمام بالدور الإعلامي، والانصراف عن المهام الأساسية التي أنيطوا بها للعمل على رعاية شؤون المحامين والارتقاء بالمهنة.
خامسا/ اغلبية أعضاء هيئات الانتداب حديثو عهد بالعمل النقابي، مما أدى الى نشوء صراعات، ورأس غير
قادر علي السيطرة، مما نتج عن ذلك عمل ارتجالي غير مدروس في كثير من مفاصله.
سادسا/ هناك تأثيرات متنوعة تحدد بوصلة بعض الأعضاء، منها قد يكون طائفي غير مهني او خارجي، مما يؤثر وأثر في عمل الغرفة بالمجمل، وأصبح بعيد عن مصالح المحامين الحقيقية.
سابعا/ هناك تسويق لأفكار من بعض أعضاء الهيئات سواء في الفروع او المحافظات، وشروع في اعمال على أنها إنجازات واقعة، لكسب تأييد وهمي، ودعم نقابي.
ثامنا/ محاولة بعض اعضاء ورؤساء هيئات الانتداب بخاصة، المحافظات، في تعظيم الاستفادة من المقومات والإمكانات الشخصية لتقوية مراكزهم النقابية لتحقيق ا مكاسب مادية شخصية يرافقه اّمال نقابية أكبر مستقبلا.
انني ما زلت أتوجه بالدعوة، لوضع الحلول والاّليات لتنفيذ بعض الاختلالات التي ذكرتها في مشروع قانون المحاماة النافذ ومعه مشروع قانون المحاماة الجديد، فنحن أعلم بمشاكلنا وأقدر على تقديم الحلول لها، فهل من وقفة جادة نحن بها جديرون.