23 ديسمبر، 2024 4:53 م

حروب خداع وتزييف حقائق

حروب خداع وتزييف حقائق

قال معروف الرصافي:” أصبحت لا أقيم للتاريخ وزناً, ولا أحسب له حساباً, لأني رأيته بيت الكذب ومناخ الضلال, ومتجشم أهواء الناس, إذا نظرت فيه كنت كأني منه, في كثبان من رمال الأباطيل قد تغلغلت في ذرات ضئيلة, من شذور الحقيقة”.
تأريخنا العربي مليء بالأباطيل, كذبٌ في كل حدث إلا ما ندر, فصراعٌ حول الحكم والسيطرة, يجدُ له الساعون, ألف حجة وحجة, كي يُظهروا محاسن حكمهم ومساوئ غيرهم, ذلك عميل ونحن وطنيون, ذلك تابع, ونحن نبغض التبعية, ونحن مسلمون ومن حكموكم مرتدين, منطلقات ليست حقيقية, يستهدفون من خلالها, الشعوب المغلوب على أمرها.
لو أخذنا مثالاً على ذلك, الحكم العباسي وما استغله من دعاية, للسيطرة على الحكم, فقد اتخذ شعاراً يسلب اللب, ويجعل المستمع متعاطفاً معه, ناقماً على بني أمية, لما اقترفوه من جرائم, ضد آل بيت الرسول, صلوات ربي وسلامه عليهم, وما ان استتب لهم الأمر, حتى عاثوا في الأرض فساداً, وبحق أحفاد الرسول “ص”, قتلاً وتنكيلا, سماً وتهجيرا, حتى وصل الأمر إلى عدم التصريح بالنَسَب.
استمر الحال كل تلك القرون, وظهرت المذاهب كلٌ على هواه, أو ما اجتهد به, إرضاءً لولي النعمة الحاكم, ترسخت الأفكار باختلاف رؤيتها, واختلطت المفاهيم على عامة الناس, وقد ورد في الأخبار, عن الصادق عليه السلام, انه قال لأحدهم, عندما سأله: ” فلاناً قد اجتهد خلاف ما تذهبون إليه, فرد الإمام عليه السلام:” الحق بَيِّن والباطلُ بَيِّن, فمن تبعهُ تَبعه ومن تبعنا تَبعنا”.
وَصل التأريخ لعصرنا الحديث, مليء بالمغالطات والأكاذيب, ناهيك عن تزويق الشوائب, فدين الخالق واحد, والرسول واحد والقرآن واحد, فما وجه الخلاف بين المسلمين؟, إنها الاجتهادات والتملق, والمصالح الشخصية, والخوف من سيف الحاكم, في قول الحقائق, الذي تدعمه فتاوىً ظالمة مُظِلة.
اتخذ بعض ممتهني السياسة, دين الباري عز وجل, سُلَّما لتحقيق مراميهم, فظهرت الحركات الإصلاحية زوراً وبهتانا, وكانت أوضحها الحركة الوهابية, تلك الحركة التي نمت وترعرعت, في نجد برعاية بريطانية, لتؤهل تأسيس دولة موالية للغرب, تعترف بالكيان الصهيوني.
أرض الجزيرة تلك الأرض, التي ولد فيها رسول الإنسانية, ليكون رحمة للعالمين, سيطر عليها الشذوذ الفكري, بكل ما أوتي من قوة, دولية مستعمرة, وقبلية لا تعرف من الإسلام إلا اسمه, فأخذت بتكفير كل من لم يعتقد بفكرها.
أصبحت ارض الجزيرة, مرتعاً للفكر الشاذ, تبعتها دول الخليج, لتثبيت حكمها والحفاظ عليه من الزوال, إلا أن ظهور حركات أخرى, كحزب الإخوان المسلمين, أثار معضلة بين دول العرب, مع توافقهما على إرهاب المخالفين لهم.
ربيعٌ عربي باسم الإسلام, مدفوع من الجانبين, طال مصر واليمن, وسوريا وليبيا, ولكنه طالَ بلدان الغرب, فانقلب السحر على الساحر, فحُلِبَت دولة بني سعود, وحوربت قطر!.
قال الروائي العربي الجزائري:” الكذب في بلادنا ليس استثناءً، ولكنه من فرط التكرار, صار يشبه الحقيقة”, فهل تفرق الشعوب العربية, بين الكذب والحقيقة؟.

[email protected]