19 ديسمبر، 2024 3:04 ص

حروب الدواعش … أزمة حضارية ‎

حروب الدواعش … أزمة حضارية ‎

تحت أي ظرف وبأي وجه  وضمن أي منطق ..يخول الحق لمنظومة إرهابية مسلحة  أن تدخل إلى أراضي لا حرب لهم فيها أصلا . ينصبون محاكمهم  ويفرضون قوانينهم  وينتهكون الحرمات ويسفكون الدماء.  لا يبالون شيئا وكأنهم دخلوا  ( وكالة من غير بواب ) . هذا ما لا يستوعبه عقل ولا يهضمه منطق . هذا  هو الواقع الذي لا مفر  منه  سوى بمجابهته , ولتتمة ذلك إلا  بقراءة الواقع  قراءة صحيحة ومعرفة  أصوله  وتتبع منابعه والوقوف عند روافده .

 الدواعش  هم مجاميع مسلحة لا دين لهم  يتبنون أيديولوجيات تكفيرية نراهم يتشكلون ويتكونون ويتهيئون في الدول ذات النظم الملكية ويقتحمون الدول الديمقراطية ذات النظم الجمهورية . يعششون في الأراضي الهشة , وتحت أجواء الأزمات , معتمدين على سياسة الفوضى الخلاقة لتسهيل آليات عملهم ,اتسعت قاعدتهم الإرهابية وتصاعد دورهم بشكل كبير في السنوات الأخيرة تزامنا مع تضائل الوجود الأمريكي في الشرق الأوسط , فوجود رابط دوري مشترك بينهما ليس ببعيد لا سيما والد واعش  يهدفون إلى تطبيق مشروع تقسيم دولة العراق والشام . تلبية للرغبات الضغينة والبغيضة لقطر والسعودية من جهة , ولضمان حفظ المصالح الأمريكية وحلفائها من جهة أخرى .

 إن حقيقة الصراع الدامي في العراق سيناريو تركيا , سعودية , إيران , أمريكا بين السطور..

 وهذه الصراعات الدامية على السلطة قد استمدت شرعيتها من قواعد عرفية  من نوع :

سني_شيعي 

الطائفية تمارس بالعراق بصفتها عرف  سياسي غير مستند على غطاء دستوري أو قانوني  وتعد الطائفية أحدى وسائل الحكم الأساسية التي تستخدمها الدولة لإخضاع الأغلبية واحتكار السلطة , منذ العهد العثماني إلى يومنا هذا , و قد توجت الطائفية على يد حزب البعث الحاكم آنذاك . بعد تغيير نظام الحكم في العراق 2003 . انقلبت القاعدة وتغيرت موازين السلطة  فالجميع شركاء في الحكم وفق الاستحقاقات الانتخابية ,حتى شاءت أصوات الأغلبية الشيعية للمرة الثالثة على التوالي أن تكون رئاسة الحكومة من نصيبهم . مما أثار الذعر في النفوس البعثية الذين يسكنون المناطق الغربية ويشكلون جزء كبير من سكانها , فهؤلاء لا يفقهوا الديمقراطية ولم يعترفوا بصناديق انتخابات هم يعترفوا باستفتاء صدام فقط  وبنتيجته المذهلة 99.98 % . تربوا على ذلك أن يكون الحكم محصور بينهم فقط وهم لا يرضوا إلا بمنصب (الكل في الكل )  لذلك نذروا نفوسهم وقودا للسعودية وحلفائها ,فهم أيضا  يتجرعون الأمرين  من هذا المرسوم الانتخابي الجديد لأنه سيكبل مشاريعهم ويحد من مصالحهم في العراق , لذلك هبوا معا بكل ما أوتوا من قوى  ليطلقوا المؤامرة ويشدوا الصراع …

عربي_صفوي

إن كان ما يحدث في الساحة العراقية جزء من دائرة الصراع التاريخي بين العرب والصوفيين.   على اعتبار أن غالبية سكان العراق ما يقارب 55% منهم شيعة ,تربطهم امتدادات جغرافية وعقائدية مع إيران الفارسية  التي اتخذت من التشيع مذهب رئيسي للبلاد . لذلك اوجدوا من هذه  الجيولوجيات ذريعة عوجاء لتمرير أيديولوجية  التعجيم , وهذه سياسة جنجلوتية  تمارس منذ القدم ضد الشيعة لمنع هذه الأغلبية العربية من التمثيل في السلطة .وكان نظام البعث قد مارسها بكل سفاحة حيث عمد على سحب الهوية لكثير من الشيعة وتسفيرهم إلى إيران ,وكان يتهم كل معارض له بأنه عميل أيراني, أي أستند على سياسة التشكيك بالنسب الشيعي لتبرير آلية عزل الشيعة عن الحكم , بعد التغير سقطت تلك السياسة معه وأصبحوا الشيعة يمثلون جزء ا كبيرا من الحكم  حيث تبوئوا فيه نسبة كبيرة من كانوا مسفرين بتهمة أتباع إيران . فما كان لؤلئك البعثية وإتباعهم إلا أن يعملوا على إعادة إحياء تلك السياسة التي تبرر استيلائهم على الحكم ,  فها هم يقاتلون ويهتفون وينددون بالقضاء على الرافضين والصوفيين, آملين بالدخول إلى بغداد كي يسيطروا على دفة الحكم من جديد …

عربي_أمريكي

إن أمريكا متحالفة بالمطلق  مع القواعد الداعشية ومشتقاتها . وهذه الحقيقة لا يختلف عليها اثنان , أمريكا عندما احتلت العراق وأسقطت الحكم الصدامي ليس لأجل  أن ترى عيوننا النور بتاتا ,هم أرادوا تغير صدام وليس المنظومة الفكرية الحاكمة في السلطة  ومن جملة البراهين :

·        أتبعت أمريكا سياسة المعيار المزدوج  في فترة الاستعمار الإنكليزي  على العراق حثت الشيعة على الانتفاض لحقوقهم في حين هي كانت تمهد الطريق للدول الاستعمارية كي تسلك مجراها ولتتمة ذلك إلا بطرد الأتراك ومن ثم تمكين السياسة الاستعمارية  من ترسيخ قواعدها .

·        اتبعت أمريكا سياسة كسر العظم ضد الانتفاضة الشعبانية  عام 91 التي خاضها الشيعة وكادت أن تخلص العراق من قبضة البعث بعد سقوط أكثر من عشر محافظات تحت يدها , لولا القصف الجوي لطائراتهم في بغداد وكل الدعم اللوجستي الذي قدموه لنظام صدام .

·        اتبعت أمريكا سياسة المعيار المزدوج مرة أخرى مع الحكومة العراقية الحالية . 1_بقولهم ندعم العملية السياسية ويعتبرون أهل السنة عرضة التهميش والإقصاء في حين هم على أرض الواقع شركاء أساسيين في الحكم يمثلون تسع وزراء وعدد كبير من النواب ورجالات الدولة والأهم من هذا كله النجيفي صاحب السلطة التشريعية للبلد حيث أبلى بلاءا حسنا لهم في تعطيل عمل الحكومة وإثارة المشاكل وتأجيج الصراعات فيها .

2_ التماطل والتخاذل في تقديم الدعم والمساندة بموجب الاتفاقية الأمنية  المبرمة بينهم وبين العراق فهي أقصرت ذلك على بضع جنود وخبراء عسكريين وطائرات من دون طيار لحماية سفرائها ورعاياها وليكونوا على إطلاع كبير على مجريات الإحداث هناك .

 أمريكا هي من تعزف على وتر الطائفية لتسويق مشروع التقسيط الحكومي والتقسيم الإقليمي في العراق . لما تحتمه عليهم  بشكل أساسي مصلحة حليفهم الإستراتيجي الكبير إسرائيل التي تريد أن تطأ أرض العراق لكبح جامح شهوات إيران النووية  ورصد تحركاتهم الجيوسياسية نحو بلدان الشرق الأوسط . ولتتمة تلك المؤامرة إلا بتأجيج الفتن والترويج لشعارات الحرب الأهلية , وإثارة الفوضى مرة أخرى من خلال العمل على تفتيت الوحدة الوطنية لإعادة هيئة السلطة إلى سابق عهدها وبصيغة التمذهب والعمالة  ,فاستعانوا بالبقايا البعثية التي تنتهج سياسة العبث والتخريب مع رئاسة الحكومة طوال هذه الفترة حتى تمكنوا أخيرا من القيام بتلك الحركة الذبابية الخبيثة نقلوا إلينا  الجراثيم  الداعشية  بالتعاون مع التيار السلفي التركي ليتغذوا معا على دماء الأبرياء من أجل تقاسم الغنائم والنفوذ إلى السلطة . لأن وجود مثل هكذا حكومة أغلبية سياسية يرئسها المالكي  يعني ذلك ذبح للمصالح الاستعمارية من الوريد إلى الوريد لإسيما  وإن نهج الحكومة واضحا أمام مرأى الجميع يميل نحو سيادة القانون ومكافحة الإرهاب.

أحدث المقالات

أحدث المقالات