وجود أكثر من 30 حزبا في المشهد السياسي الجزائري المتشظي ليس ظاهرة ديمقراطية بقدر ما هو تعبير عن ضعف الحياة السياسية في البلاد.
يتمثل القاسم المشترك بين أحزاب المعارضة الجزائرية من جهة وبين أحزاب الموالاة التي توظف لتلميع أجهزة النظام من جهة أخرى، في غياب مشروع وطني لديها مؤسس على النظرية المتميزة للدولة العصرية.
وفي الواقع فإن أكبر مشكلة عانت منها جزائر ما بعد الاستقلال يمكن اختزالها في وجود بعض مؤسسات وهياكل الدولة التقليدية ومعظمها موروث عن الإدارة الاستعمارية الفرنسية، وتتميز بأنها فارغة من الإطارات المؤمنة بالشعب الجزائري ومصيره بين الأمم والشعوب والمشبعة بالروح الوطنية، ومن الشرائح المفكرة والمثقفة القادرة على ابتكار استراتيجيات كفيلة بإنجاز التنمية الشاملة التي تفضي إلى التحول الاجتماعي والثقافي والاقتصادي.
هذه المشكلة المزمنة تتعمق الآن أكثر فأكثر جراء اختراع السلطة لأحزاب مجهرية يتزعمها مراهقون سياسيون وأشباه متعلمين، حيث تغذيها بالأموال وترعى وجودها واستمرارها في المشهد السياسي الجزائري.
على نقيض هذا الوضع القائم نجد بعض الأحزاب الإسلامية تحاول شكليا أن تسوَق لتصريحات يطغى عليها طابع التفكير الرغبي. وفي هذا السياق صرح هذا الأسبوع عبدالرزاق مقري، زعيم حزب حركة مجتمع السلم الإسلامي، قائلا إن حزبه سيجعل الجزائر أقوى دولة عربية في ظرف خمس سنوات إذا وصل إلى الحكم.
وهنا نتساءل؛ هل هناك مشروع الدولة الوطنية العصرية لدى حزب حركة مجتمع السلم وما هي أسس ومكونات هذا المشروع؟ وما هو وجه الاختلاف بين مضامين تصريحات عبدالرزاق مقري وبين تصريحات الوزير الأول الجزائري عبدالمالك سلال، مثلا، والذي وعد مرارا ولا يزال ببناء الجزائر القوية ولكن لا شيء من هذا تحقق في الميدان؟
من الواضح أن عبدالرزاق مقري يخلط، مثل غيره من الأحزاب والشخصيات الجزائرية المعارضة وتلك الموالية للسلطة الحاكمة، بين البرنامج الانتخابي المحدود بفترة زمنية وبين مشروع الدولة المحوري.
في هذا السياق ينبغي التوضيح أنَ الملامح المشكلة لمشروع الدولة الجزائرية، وفق التصورات المضمرة لحزب حركة مجتمع السلم، لا ترتكز على الأساس الوطني بأطره الجغرافية والتاريخية والثقافية والبشرية بل إن هدف هذا الحزب الذي يرتدي قناع المصلحة الوطنية هو زحزحة الوطنية وإلحاق الجزائر بكيان تجريدي وهو الدولة الإسلامية العابرة للثقافات والقارات، وهكذا ندرك أن تكتيك حزب حركة مجتمع السلم يبدو في الظاهر وطنيا من خلال وعد الجزائريين بجعل بلادهم أقوى دولة عربية، ولكن المحرك الباطني لمثل هذه الدعوة هو الوصول إلى الحكم، ومن ثم خرق البعد الوطني واستبداله بالبعد الإسلامي ذي الصيغة الكونية الرومانسية.
وفي الحقيقة فإن مفهوم الدولة القوية لدى كل من الأحزاب الجزائرية ولدى السلطة الحاكمة لا يزال ضبابيا وغارقا في الطوباويات، حيث لا توجد له مقومات مادية ورمزية في الواقع الجزائري المغرق في التخلف البنيوي بما في ذلك تخلف الأداء السياسي والاجتماعي والأخلاقي. إذ أن وجود أكثر من 30 حزبا في المشهد السياسي الجزائري المتشظي ليس ظاهرة ديمقراطية بقدر ما هو تعبير عن ضعف الحياة السياسية في البلاد وتعبير أيضا عن غياب ناظم اجتماعي منسجم وملتف حول هدف عام ومفصلي.
إن هذا الناظم الاجتماعي الذي هو الشرط المادي والرمزي لوجود الدولة نفسها قد تعرض ولا يزال يتعرض للتفكيك والتفتيت. على ضوء هذا فإنه من المستبعد أن يتمكن حزب حركة مجتمع السلم من بناء دولة قوية في مناخ يتميز بتشرذم عناصر الهوية الوطنية وتضادها بدلا من تضافرها.
عجزت المعارضة الجزائرية بما في ذلك الأحزاب الإسلامية وفي مقدمتها حزب حركة مجتمع السلم على أن تقوم ولو بتصحيح جزء بسيط من الكوارث الكبرى التي حدثت ولا تزال تحدث على جميع المستـويات في ظل حكم الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة وجماعته على مدى 17 سنة، وخاصة الكارثة الأخلاقية التي أصبحت تنخر المجتمع الجزائري برمته.
في ظل هذا الوضع السلبي تصبح وعود عبدالرزاق مقري وعدد من زعماء الأحزاب الإسلامية الأخرى ببناء الدولة الجزائرية القوية مجرد تعويض خطابي نفسي وجعجعة بلا طحين، خاصة وأن الأزمة المركبة والمعقدة التي تغرق فيها البلاد لن تسمح حتى بتوفير أوليات المعيشة البسيطة لأربعين مليون مواطن ومواطنة في الجزائر.
نقلا عن العرب