بعد مايقارب ال 12عاما على ميلاد منظمة الأمم المتحدة unوفي أجواء الحرب الباردة بين الغرب والشرق، تأسست في عام 1961 حركة عدم الانحيازعلى يد قادة بارزين: نهرو وتيتو وعبدالناصر وسوكارنو وبمشاركة(20) دولة. ويبلغ عدد اعضائها الان 120 دولة، مايعني ان اكثر من (60) دولة عضو في un غير ممثلة فيها، بل ولا تسعى للأنضمام اليها. ومع ذلك مازالت تليun من حيث عدد الاعضاء. وفي الاعوام التي تلت تأسيسها كانت تنافس الاخيرة وكادت أن تكون مرجعاً للدول بدلا عنها، وبلغ الهزال بun مرتبة فكر معها شوان لاي وسوكارنو بتأسيسun بديل عن un الحالية. والذي اكسبها تلكم القوة والجاذبية عند ظهورها ولمدة اكثر من العقدين، هو انحيازها للمعسكر الشرقي فتجاوب الاخير معها، ثم اصبح الانضمام اليها مقياسا للوطنية والاستقلال، وفي فترات ما كان من الصعب التمييز بين مواقف الحركة ودول حلف وارشو، بالرغم من أن تنظيرات الماركسيين فندت الحياد، لكنها غضت النظر عن ذلك حين لمست تطابقاً بين الحركة والمعسكر الشرقي في الكثير من المور ان لم نقل جميعها. ولقد دلت وقائع المؤتمر ال16 للحركة والذي عقد بطهران قبل فترة على بقاء الثوابت التي قامت عليها الحركة وخضعت لها طوال عقود. والتي تمثلت بأنجذاب تلقائي الى بقايا المعسكر الشرقي و الدوران في فلك الحرب الباردة الجديدة بدليل انتخاب ايران رئيسا لها، فعدم الارتياح الامريكي من حضور بان كي مون الى المؤتمر، فيما حمل البيان الختامي للمؤتمر بصمات زمن الحرب الباردة التي تتقاطع مع التحولات الجذرية التي طرأت على العالم بعد زوال نظام القطبين، وتخدم مصالح ايران واركان المعسكر الشرقي السابق، لذا لاعجب من عدم نصرة المؤتمر لثورة الشعب السوري، وتمسكه بكليشهات سابقة من قبيل اخلاء منطقة الشرق الاوسط من السلاح النووي واختزال مشكلات العالم في الصراع الاسرائيلي- الفلسطيني مع حق الدول في استخدام الطاقة النووية للأغراض السلمية.. الخ من القرارات التي صفقت لها ايران ووزير خارجيتها الذي قال: (ان المؤتمر كان انجازا كبيرا لأيران).
ولقد كانت هذه النتيجة متوقعة، اذا علمنا ان الدول الاسلامية تكاد تشكل النصف من اعضاء الحركة والتي في معظمها معادية للغرب والولايات المتحدة، فيها للصين تأثير كبير على النصف الثاني من اعضائها من خلال شبكة من العلاقات الاقتصادية الواسعة معها، تليها روسيا الاتحادية. لهذا السبب واسباب اخرى بقيت حركة عدم الانحياز اسيرة للثوابت التي قدمنا لها ، والتي شلتها عن مسايرة العصر والتحولات الجذرية في العالم. وهنا يكمن سر ضعفها. والمتتبع لمسيرتها يراها وكأنها تحيا في سبات لاتفيق منه الا في المؤتمرات وذلك خلافا لمنظمات اصغر منها حجما ولكن اكثر منها تأثيرا مثل منظمة التعاون الاسلامي والجامعة العربية والاتحاد الافريقي.. الخ من المنظمات التي ادت دوراً لا يستهان به في احداث الربيع العربي وغيرها، وما تزال. بل ان قوى نعتت بالاستعمار، تقدمت عليها في نصرة الشعوب على الدكتاتوريات، ودعمها لكفاح الشعوب العربية وشعوب البوسنة والهرسك وشعب كردستانالعراق 1991 فانقاذ شعب افغانستان من همجية طاليبان، ناهيكم عن دورها في تحرير الكويت من الاحتلال العراق.. الخ.
عدا مامر، فأن سلبيات كثيرة رافقت المنظمة، منها، انه لولا حربي الخليج، لكان عراق صدام حسين الدكتاتوري سيترأس المنظمة. والطريف ان ايران تترأسها الان. والتي تعد احدى بؤر التوتر الرئيسة في العالم، كما أن جل تصرفاتها في غير صالح الشعوب وبالأخص العربية. وفي اثناء المؤتمر ال16 لها، سجلت عليها ظواهر لافتة، منها مانسب الى وزير خارجية البحرين من تفاؤل لتسلم ايران رئاسة الحركة:( انا متفائل جداً برئاسة الجمهورية الاسلامية الايرانية للحركة) واكد على ( المكانة الطيبة جدا التي تتمتع بها ايران) !! في حين كان الاولى به مقاطعة المؤتمر كون ايران التهديد المباشر للدول العربية الخليجية و بالأخص للبحرين، وأخذ على وسائل الاعلام الايرانية اثناء المؤتمر تحريفها لأقوال مرسي، وعلى موافقة ايران لبعض من الدول المشاركة في المؤتمر حسبما تردد بزيارة منشأتها النووية وحرمانها لدول اخرى منها، ما يدل على هشاشة العلاقات بين المنضوين تحت لواء الحركة، والغريب ان تكون الصين الشيوعية عضواً فيها، وتظل روسيا الاتحادية خارجة عنها وقد تخلت عن الشيوعية وحلت حلف وارشو منذ اكثر من 20 عاما.
واذا كانت حركة عدم الانحياز قد اسست اصلاً لحماية استقلال اعضائها من المعسكرين الشرقي السابق، والغربي الحالي واختيار نهج يتسم بالتوازن ولصالح السلم العالمي، فأنه بزوال المعسكر الشرقي تكون الحركة قد فقدت المبررات لبقائها، ثم ان الحركة هذه بدلا من ان تأخذ بالمتغيرات على الساحة الدولية، فأنها راحت تبحث عن رموز من مخلفات الحرب الباردة فكرا وممارسة لكي تبقى مشدودة الى الثوابت التي نهضت عليها، ولقد دل على ذلك بيان ووقائع المؤتمر ال16 للمنظمة.
ان دول عدم الانحياز لم تتمكن من التحول الى النظام الدولي الجديد الذي توج زوال نظام القطبين فحسب، بل أنها حصرت اهتماماتها في قضايا ضيقة املتها عليها المصالح السوفيتية والشرقية السابقة، ولم تنصرف في يوم من الايام لحل الصرعات بين اعضائها، والملاحظ ان الصراعات تكاد تنحصر في دول عدم الانحياز، بشكل يبدو فيه الحلف الغربي وكانه المحايد بين الدول المتصارعة (اللامنحازة) كما حصل في انهاء الاحتلال العراقي للكويت واسقاط نظام القذافي وتحرير الشعب المسلم في كوسوفو… الخ ومع ذلك لم تتم اضاقة مصطلح (الايجابي) على سياسة الحركة لانصاف الغرب. كما اضيف الى سياستها حيال المعسكر الشرقي السابق في وقته. ومنذ افول النظام الاستعماري فان الحروب سجال بين دول العالم الثالث (دول عدم الانحياز). كما ان الخلافات بين هذه الدول تفوق تلك التي بينها وبين الدول المنحازة الى المعسكر الغربي، ثم ان العديد من تلك الدول في مواقفها المشحونة بالعداء سواء ضد المعسكر الشرقي السابق أوالغربي الحالي، مارست الانحياز وبشدة الى جانب هذا ضد ذاك. ويظل المؤتمر ال 16 لحركة عدم الانحياز الاسوأ من بين مؤتمراتها كافة.