بصرف النظر عما تحقق حتى الآن فإن مما يحسب للدكتور حيدر العبادي “حرشته” بنظام المحاصصة الذي بنيت عليه العملية السياسية منذ عام 2003. مر هذا النظام بمرحلتين. الأولى منذ أول حكومة شكلها الدكتور إياد علاوي عام 2004 حتى آخر حكومة شكلها الاستاذ نوري المالكي (2010ـ 2014). حكومات المرحلة الأولى كان فيها رئيس الوزراء محميا من حزبه وكتلته وتحالفه على طريقة “أنصر أخاك ظالمأ او مظلومأ”. بل أن الأستاذ نوري المالكي حظي بما هو أكثر من ذلك حين صار لديه ما كان يعرف بـ “سنة المالكي”, بل قيل إنه تمكن ولأول مرة من شق صفوف الأكراد بشأن الولاية الثالثة.
الحكومة الحالية التي تمثل المرحلة الثانية من نظام المحاصصة تتمثل في أن رئيس الوزراء بات “محاربأ” في كثير من توجهاته من قبل أطراف في حزبه وكتلته وتحالفه فضلأ عن الكتل الأخرى. هل هذه ظاهرة صحية أم مرضية؟ هي صحية ومرضية في آن واحد. فهي من ناحية بداية تفكك نظام المحاصصة على أسس حزبية وكتلوية وطائفية ولكن من ناحية ثانية يراد لهذا النظام أن يتحول الى إصطفافات من نوع آخر تقوم على أساس فكرة الدفاع عن المصالح المشتركة لكل الكتل والقوى والأحزاب لأن المصالح وما قد ينتج عنها من فساد عابرة للمحاصصة.
فمع كل الأسف يبدو أن الشئ الوحيد الذي “نجحنا” فيه على صعيد تخطي نظام المحاصصة هو الفساد وسوء الإدارة ونقص الكفاءة.
مع ذلك فإن الأحوال تغيرت. خرج رئيس الوزراء السابق وجئ برئيس وزراء جديد. الجديد جاء على وقع خلاف وإتفاق في آن واحد. خلاف داخل الحزب “الدعوة” والكتلة “دولة القانون” والتحالف “الوطني” ذي الأكثرية البرلمانية. أما الإتفاق فقد تم التوافق عليه مع الكتل الأخرى لاسيما الشريكين الأساسيين .. السنة ولأكراد.
ماحصل هو إنهم جميعا القوا العبادي في “اليم مكتوفا” طالبين منه أن لايبتل بالماء. العبادي لم “يقعد راحة”. الرجل حقه, لأن العمل على وفق هذه المعادلة المستحيلة هو الآخر أمر مستحيل. عليه من وجهة نظرهم إخراج داعش وحل الأزمة المالية. ودفع الرواتب دون التحرش بسلمها, مكافحة الفساد ومحاربته, إرضاء المتظاهرين والمرجعية. لكن عليه من جهة اخرى أن لا يدوس على “جني” المحاصصة حتى لايضطر الى أن يقول “إسم الله”.
التهمة التي بات يشترك فيها الجميع بعد نهاية نظام المحاصصة القديم هي ان العبادي “متفرد بالسلطة”. المشكلة ان نظام المحاصصة الذي يتظاهر الناس ضده وتؤيدهم في ذلك المرجعية الدينية لايزال قادرا على إعادة إنتاج نفسه من خلال توافقات لكنها “أفكس” من تلك التي سبقتها.
كل شئ يمكن ان نجد له حلأ حتى لو أكلنا “خبز وبصل” مثلما يقال, لكن أن يعلن وزير المالية إننا الغينا عقود تسليح بعشرين مليار دولار بسبب الأزمة المالية فهذا أمر يستحق التوقف عنده .. فهل يتعين علينا أن نحارب داعش … بـ “التواثي”؟