قبل اقامتي في الخليج لم أكن أعتقد أن الخوف من السمنة يمكن أن يشكل هاجسا للكثيرين وبخاصة النساء , لدرجة أن أحاديث التخسيس أو “الريجيم” تحتل جانبا من أحاديث المجالس , وكانت دهشتي كبيرة ليس لأن العراقيين “ملوك الرشاقة” ! ولكن لأن لديهم مشاكل أخرى أكثر بدانة من هذه المشكلة !
وبقيت لسنوات لا أفهم سر تحول الشحوم الزائدة في بطون سكان الخليج الى مشكلة , تحتل كل هذه المساحة في حياتهم وتشغل تفكيرهم , ربما لخوفهم من تفاقمها وانعكاساتها السلبية على الصحة مع قلة الحركة في هذه المنطقة بسبب ارتفاع درجات الحرارة معظم شهور السنة , لذا يتردد عدد من النساء على عيادات متخصصة بانقاص الوزن لقاء مبالغ ليست قليلة , يعقب ذلك اتباع نظام غذائي شديد القسوة , ولكم أن تتخيلوا حجم المشكلة !!
وحين زرت تركيا عرفت أن المشكلة ليست خليجية فقط , فبدانة الأتراك بلغت حدا بات واضحا , لمن يراهم في الشوارع والمطاعم والحدائق العامة , لذا لم أستغرب الحملة التي أطلقتها تركيا لمحاربة البدانة منطلقة من خطورتها على الصحة , بخاصة أن تقريرا لوزارة الصحة التركية أظهر أن واحدا من كل ثلاثة من الأتراك يعاني من السمنة , وبذلك فثلث الأتراك بدناء , تبعا لهذه النتيجة أطلقت الوزارة حملة إعلانية دعت فيها الأتراك عبر المحطات التلفزيونية والصحف الى تخفيض الوزن , وإذا كانت هذه الحملة توعوية تشبه حملات الإقلاع عن التدخين , فإن الحكومة العراقية خلال الثمانينيات سنت قوانين صارمة بحق الموظفين الذين يتجاوز وزنهم الحد المسموح به وهو الثمانين كليوغرام ويتغير القياس حسب الطول ,ووضعت موعدا سنويا لقياس أوزانهم فإذا ثبت أن ذلك الموظف تجاوز وزنه الرقم المحدد فإنه يتعرض لعقوبة إدارية وكلما كانت درجة ذلك الموظف أعلى إزدادت العقوبة , وقد أفرد الروائي عبدالرحمن مجيد الربيعي صفحات من روايته “نحيب الرافدين” رصد من خلالها ما كان يساور هؤلاء الموظفين من عذابات كلما اقترب موعد الوزن السنوي لدرجة أن بعضهم كان يمتنع عن تناول الطعام تماما قبل الموعد بثلاثة أيام بل ويشربون زيت الخروع الذي يحدث اسهالا مستمرا فيعرضون حياتهم للخطر , ولكن المهم بالنسبة لهم الإفلات من العقوبة الإدارية التي تنتظرهم إن ثبت أن وزنهم زاد عن الحد المقرر !
وقد حدثني أحد الأصدقاء من أساتذة الجامعة عن جانب من تلك المعاناة وشبه ذهابه الى المكان الذي يوزن به بالمسلخ الذي يقاد اليه القطيع !! وكان يقول إننا نمتنع عن الأكل تماما قبل ثلاثة أيام , وحين نذهب لموعد القياس كنا نتضور جوعا , وحين يعلن الميزان الخبر السعيد نذهب مباشرة,كما يقول ضاحكا , الى شارع أبي نؤاس لنأكل “الباجة” احتفالا بالمناسبة , وهي من الأكلات العراقية الدسمة وحين يعودون الى منازلهم تكون الشحوم الزائلة عادت الى أماكنها في البطون !!
وهذا دليل أن القوانين لاتستطيع أن تحد من السمنة مالم يكن الإنسان يندفع في محاربتها من تلقاء نفسه وبقناعة كاملة وبوعي لمخاطر السمنة على الصحة .