فتحت المحكمة الاتحادية أبواب الجحيم على حكومة اقليم كردستان منذ أكثر من سنة عبر عدد من القرارات القاسية والمؤلمة لهذه الحكومة التي ينخرها الفساد من أخمص قدميها إلى قمة رأسها . فمن إيقاف تصدير النفط غير القانوني مرورا بإلغاء البرلمان المحلي ومجالس المحافظات وتعديل قانون الانتخابات البرلمانية وانهاء الكوتا التركمانية والمسيحية انتهاء بقرار توطين رواتب موظفي الاقليم أسوة بموظفي المحافظات العراقية الأخرى ، تتوجع حكومة الاقليم من هذه القرارات التي وصلت إلى حد كسر العظم باستخراج جميع المصادر المالية من تحت يد هذه الحكومة من عائدات النفط والجمارك إلى رواتب الموظفين .
ويبدو أن قرار توطين رواتب موظفي الاقليم هو القرار الأقسى والأكثر إيلاما لحكومة الاقليم حيث أن هذا القرار حرمها من استغلال أقوات الشعب لمصالحها الحزبية ومنعها من التلاعب بالأموال الواردة من بغداد لدفع رواتب موظفي الحكومة ، ولهذا نرى ونلمس بأن حكومة الاقليم تكاد تشن حربا عالمية من عدة جبهات ضد توطين الرواتب ساعية إلى تسليم الرواتب لمصرف أهلي خاص باسم ( آر تي ) يعتقد أنه مملوك لرئيس الحكومة وتحت حساب باسم ( حسابي ) . فقد كرست حكومة الاقليم جميع امكانياتها الاعلامية ووزارتها ودوائرها الرسمية من أجل الضغط لوضع رواتب الموظفين في المصرف الأهلي الخاص في حين أن قرار المحكمة الاتحادية واضح تماما ويقضي بأن تودع تلك الرواتب بالمصارف الحكومية التابعة للحكومة العراقية حصرا وتحديدا مصرفي الرافدين والرشيد ودفعها للموظفين عبر نظام ( كي كارد ) .
وعلى الرغم من أن الأكثرية الساحقة من الموظفين والمتقاعدين بمن فيهم الموالين والمنتمين للحزب الديمقراطي الكردستاني يفضلون بل ويتمنون التعامل مع مصارف الحكومة العراقية بدلا عن المصارف الأهلية التي يتحكم بها رئيس الحكومة ، لكن رئيس حكومة الاقليم لا يمل من ارسال مبعوثيه ووفوده المتتالية إلى بغداد من أجل تغيير القرار لصالح ( حسابي ) .
والغريب في الأمر أن حكومة الاقليم تعتبر تسلم الموظفين لرواتبهم عبر الحكومة العراقية بأنه خيانة وطنية عظمى في حين أن الالاف من المسؤولين الكرد بمن فيهم وزراء وأعضاء البرلمان السابقين ووكلاء الوزارات يتسلمون رواتب شهرية متواصلة من بغداد !.
ولا أفهم كيف تستطيع حكومة الاقليم أن تحقق هدفها باخراج تلك الرواتب من مسؤولية المصارف الحكومية العراقية ودفعها إلى حساب أهلي خاص . حتى أن السيدة طيف سامي وزير المالية العراقية أعربت لبعض مسؤولي الإقليم عن استغرابها البالغ حول كيفية دفعها للقبول بإيداع مبالغ حكومية في مصارف أهلية مؤكدة أن هذا أمر لم يحدث في تاريخ الحكومات أن ودعت أموالها في مصارف أهلية غير حكومية .
وكما اعتدنا نحن أبناء كردستان على فساد النظام الحاكم بالإقليم فإننا لا نستبعد وجود شبهة فساد حتى في هذا المجال ، وإلا فمن المستغرب أن تصر حكومة الاقليم على هذا الأمر في وقت أن انهاء مشكلة رواتب موظفيها واحالتها إلى عهدة الحكومة الاتحادية سوف تخلصها من أزمة مالية خانقة تعاني منها منذ أكثر من ثماني سنوات .
ويبدو لي بأن حكومة الاقليم تحاول أن تبقي رواتب موظفيها تحت تصرفها لكي تستخدمها لأغراض خاصة بالفساد بحيث أنها ستتلاعب بالودائع وقد تستخدمها لدفع الديون الهائلة المترتبة عليها بسبب سوء الادارة ، أو قد تستخدمها لتحصيل الضرائب والاتاوات واستقطاع أجور الكهرباء والماء والرسومات الأخرى ، أو حتى تلجأ إلى استقطاع أجزاء كبيرة من تلك الرواتب بذريعة الادخار القسري كما فعلت في السنوات السابقة حين أوقفت هذه الحكومة دفع 45 راتبا من رواتب موظفيها بحجة الأزمة المالية واستقطاع نسبة 21% من تلك الرواتب بسبب عجز الميزانية . ويتخوف الموظف الكردي من تصفير ودائعه أو سرقتها كاملة في حال تحولت تلك الأموال إلى يد هذه الحكومة الفاسدة .
لا أظن بأن المحكمة الاتحادية تستطيع أن تتراجع عن قرار التوطين تحت أي ظرف كان لأن قراراتها باتة وملزمة على جميع السلطات في العراق . يبقى أمر واحد تحاول حكومة الاقليم أن تلجأ إليها وهو الضغط على رئيس الحكومة الاتحادية لتخفيف وطأة هذا القرار والسماح لمصرف ( آر تي ) الأهلي بتسلم رواتب موظفي الاقليم وهذا ما سيفرغ قرار المحكمة الاتحادية من مضمونه تماما وسيكون السماح لهذا الأمر لطخة سوداء بجبين رئيس الحكومة الاتحادية الذي يعلق أبناء كردستان آمالا كبيرة على حسن ادارته وسعيه الدائب لاستئصال الفساد في البلاد .
دعونا ننتظر موقف السيد السوداني وهل سيرضخ للضغوطات من جانب حكومة الاقليم ، أم أنه سيثبت احترامه الكامل لقرارات أعلى سلطة قضائية مستقلة في العراق ؟؟.