تمر الحرب في اليمن في اخطر مراحلها بعد الانسحاب شبه الكلي للامارات من الحرب في اليمن، وهو انسحاب لم يكن بريئا في اي حال من الاحوال وبمعنى اكثر دقة ووضوح وموضوعية، انسحاب محسوب ومخطط له سلفا، وقد تم اختيار الوقت المناسب لتنفيذه، وليس كما يروج له من انه تم تحت ضغط الواقع الساخن في الخليج العربي وعلى وجه التحديد في مضيق هرمز، فهذا الاخير له وضع دولي مختلف في الميدان، كليا عما يجري في اليمن مع انه مرتبط به من حيث الاطار العام للمخطط الامريكي الاسرائيلي في المنطقة العربية وجوراها الاقليمي. في كشف سريع عن ملابسات العلاقة بين جنوب اليمن وشماله، اليمنيون في الجنوب يشعرون بانهم مهمشون ومبعدون عن المواقع المهمة في دولة الوحدة وبالذات بعد حرب الوحدة في عام1994وما جرى فيها من سفك للدماء. بالاضافة الى هذا، يعتبرون شمال اليمن قوة احتلال، وكان هذا الشعور سائدا في الشارع الجنوبي قبل انتفاضة الشعب اليمني على حكومة المرحوم على عبد الله صالح، ثم تحول الى شكل منظم سمي في حينها بالحراك الجنوبي. ثم توالت الاحداث على اليمن لتتحول انتفاضته من اجل الحرية والحياة الكريمة الى وبال عليه. بعد عزل الرئيس السابق علي عبد صالح وقبوله بما فرض عليه من دول الخليج العربي مضطرا وعلى وجه التحديد السعودية والامارات، ليتسلم الرئاسة السيد هادي والذي قام باول ما قام به هو عزل العميد احمد علي نجل الرئيس صالح من موقعه في قوات الحرس الجمهوري، وارساله سفيرا لبلاده في الامارات. عندها المرحوم علي عبد الله صالح، لعب لعبته ولكن هذه المرة بطريقة خاطئة جدا بل كارثية عليه وعلى عائلته وعلى اليمن،(على عكس ما عرف عنه من دهاء وحنكة في أدارة عجلة الصراع) بتحالفه مع الحوثيين. قوات الحرس الجمهوري وقسم من الجيش اليمني، قسم الايستهان به، لم يزلا يأتمران بأمرته عن طريق الضباط الموالين له، وبتوجيه منه، قامت هذه القوات وبالتعاون مع الحوثيين بالسيطرة تقريبا على كامل التراب اليمني ( الحوثيون لولا هذا التعاون ما كان لهم ان يسيطروا على ما سيطروا عليه، فقواتهم في حينها، ليس لها هذه القدرة والامكانية لا عدديا ولا عسكريا ولاتدريبا ولاتجهيزا..). نعتقد في قراءتنا لمسار الاحداث ان الرئيس المرحوم على عبد الله صلح، كان يتصور، ان بامكانه ان ينقلب على الحوثيين عندما يسيطر سيطرة تامة على التراب اليمني وينتزع الدولة والجيش والسلطة من الحوثيين وهادي. لكن الاوضاع لم تجر كما كان يريد ويخطط، فقد دخل عنصران قلبا مخططه رأسا على عقب؛ هو اعلان السعودية البدء بعاصفة الحزم مما غير موازين الصراع على الارض، هذا من جهة اما من الجهة الثانية، فأن الحوثيين لعبوا اللعبة بذكاء وحنكة دولة عريقة في أدارة الصراع وليس جماعة متمردة او ثائرة من اجل اهداف وحقوق تقاتل من اجلها؛ فقد قاموا بالسيطرة خطوة وراء خطوة على الحرس الجهوري وبقية صنوف الجبش ليكون في نهاية الامر تحت سيطرتهم. أما الرئيس السابق المرحوم علي عبد الله صالح، فقد قاموا بمحاصرته في القصر الرئاسي ومنعوه من مغادرته او الاصح من مغادرة العاصمة وقيدوا حركته فيها اي وضعوا حركته تحت انظارهم. في النهاية حين طفح به الكيل اراد ان يغير الوضع وكما ان هذا معروفا للجميع، كانت نهايته، نهاية مؤلمة. السعودية والامارات بشنها الحرب على اليمن، لعبت دورا كبيرا في تمزيقه وأحداث دمار وخراب في كل زاوية بل في كل متر منه، ووزعت الموت بالتساوي على جميع اليمنيين. وفي المقابل اعطت دفعا قويا معنويا واعتباريا ووطنيا للحوثيين ليسيطروا على اليمن الشمالي، لأن حرب ما سمي بالتحالف كان حربا على اليمن دولة وشعب وليس على جهة معينة او محددة، لأن تدخلهما لم يكن له ما يبرره او ما يكسبه الشرعية فهو في كل الظروف، قوة أحتلال في نظر اليمنيين، لأن الرئيس هادي لم يكن يدير بلده من داخل بلده ومن بينهم ومعهم، هذا اولا وثانيا لم يكن يمثل جميع اليمنيين،كما أنه لم يكن يسيطر على قوى الفاعلة في اليمن، كما ان وجوده في السعودية يجعله في نظر اليمنيين أداة بيد السعودية، حتى وان تواجد لاحقا في مكان أخر. هذا الوضع رسخ الوجود الحوثي على ارض الواقع حتى باتت قوة وازنة للفوضى والاضطراب في الشمال اليمني على الرغم من ان نسبتهم لاتتجاوز ل18-20% من حجم السكان في اليمن ربما اكثر قليلا في الشمال اليمني. وفي العود على الانسحاب الاماراتي من جنوب اليمن؛ الامارتيون انسحبوا من جنوب اليمن بعد ان كونوا ما كونوا من قوة وهنا نقصد الحراك الجنوبي وهو حراك له قوة على ارض الواقع ويحظى بتأييد شعبي واسع، لاحقا هذا الحراك ارتبط بالمجلس اليمني الانتقالي، وهو يملك قوة عسكرية مدربة اماراتيا ومجهزة اماراتيا ايضا.( بينما الجيش اليمني التابع او الذي يأتمر بأوامر الرئيس هادي لم يجهز تجهيزا مناسبا…مما يثير الشك في النوايا السعودية والاماراتية) انسحاب الامارات ترك فراغا في الجنوب، لذا وبسرعة ملئته قوات الحراك الجنوبي، هذا السيناريو هو سيناريو اماراتي بامتياز وربما وبدرجة احتمال كبيرة جدا، بضوء اخضر سعودي، والاهم وهذا مؤكد، بإرادة وتخطيط إمريكي اسرائيلي. جنوب اليمن يشكل اهمية ستراتيجية، فالساحل اليمني الجنوبي يمتد الى مسافة اكثر من 1300 كم وفيه ستة موانيء على البحر العربي، اهمها ميناء عدن الذي يتحكم بمضيق باب المندب، فان من يسبط سيطرته على هذا المضيق لو بشكل غير مباشر بيد وكلاء أو تابعين لقوة دولية عظمى ( الولايات المتحدة)، يسمح للولايات المتحدة بالتحكم بالملاحة الدولية في هذا المضيق. ان اللعبة الاماراتية وبدرجة اقل السعودية هي لعبة امريكية بأمتياز، الهدف منها في نهاية المطاف هو اعادة تقسيم اليمن الى يمن شمالي ويمن جنوبي اي اعادة الدولتين، دولة في الشمال ودولة في الجنوب. سبق وان تم طرح مشاريع للحل في اليمن؛ الاول هو تقسيم اليمن الى خمسة اقليم وهذا تم اهماله بالكامل اما الاخر وهو الاهم؛ تقسيم اليمن الى اقليمين في الشمال وفي الجنوب. من وجهة النظر المتواضعة لكاتب هذه السطور المتواضعة بدورها، أن الامر سوف يقود الى اقامة دولتين كما كان قائما قبل الوحدة.لأن جميع الظروف التى تم صناعته تخطيطا وتنفيذا على ارض الوأقع، وهي ظروف خانقة لامخرج لها الا بهذا الحل الذي من قام بانتاج هذه الاوضاع، يعرف مسبقا بانها سوف تصل الى المنغلق الذي لامفتاح له الا بمفتاح يفتح باب الحل الى الدولتين..في النهاية نقول: لم نر في حياتنا كما نرى الآن وقبل الآن ما تقوم به الانظمة العربية وتحديدا انظمة الخليج العربي من اعمال تخدم مخططات اعداء الشعوب العربية وتضر ضررا ستراتيجيا وتكتيكيا بمصالح الشعوب العربية والاوطان العربية في الحاضر وفي المستقبل القريب والبعيد؛ خدمة للولايات المتحدة والكيان الصهيوني…