18 ديسمبر، 2024 5:02 م

حرب المياه بين العراق ودول الجوار

حرب المياه بين العراق ودول الجوار

هل ننتهي من حرب الدماء لنبدأ حرب المياه ؟
على ما يبدو إننا مقبلين على أزمة مياه اغلبية الشعب العراقي لايزال غير معترف بوجودها سوى المختصين بهذا الشأن .
هي أزمة لها شكل جديد و أسبابها كارثية كانت تلوح في الأفق منذ عدة سنوات لكن بسبب صمت المسؤولين والحكومة والشعب ادى بنا الحال إلى ما نحن أمامه اليوم !
هل اعتدنا ان لا ننهض من سباتنا إلا بعد أن ” يقع الفأس بالرأس !”
السلطات العراقية والجهات المعنية على مدى السنوات السابقة لم تعر الموضوع الأهمية والقيمة اللازمة التي يستحقها لرؤية الأبعاد والنتائج التي من المحتمل حصولها جراء عدم متابعة المختصين ومراقبتهم وإتخاذ اللازم بهذا الشأن .
لاسيما وان العراق خلال سنوات طوال لم يشهد إنشاء مشروع او سد يعول عليه واجمالي السدود في العراق هي :
سدة الهندية على نهر الفرات شيدت عام ١٩١٣م لتنظيم توزيع مياه النهر
سدة الكوت على نهر دجلة عام ١٩٣٩م لتنظيم توزيع مياه النهر
سد ديالى على نهر ديالى عام ١٩٢٨م
اما المشاريع الكبرى التي قام العراق بإنشاءها هي سد دوكان على نهر الزاب الصغير عام ١٩٥٩م
سد دربندخان على نهر ديالى عام ١٩٥٦م .
بينما كانت لدول الجوار مشاريع وخطط مستقبلية يتم تنفيذها ومازال العمل عليها مستمر
ويبدو ان العراق هو المتضرر الأكبر من الإجراءات الإيرانية والتركية التي باتت تشكل خطراً كبيراً ، في حين تتمسك تركيا بما تعـتبره «حقـها السـيادي» في بنـاء الـسدود.
ولبيان اهم المشاريع والإجراءات للدول الثلاث التي لها تأثير مباشر على العراق وأمنه المائي :

– تركيا ومشروع إقامة السدود
ما يطلق عليه إسم مشروع «غاب» الذي يهدف إلى تطوير وتنمية مناطق جنوب وشرق البلاد ويتضمن بناء 22 سداً على نهري دجلة والفرات اللذين يمتدان عبر سوريا والعراق وإيران وتقول هذه البلدان إنها سوف تتضرر بشكل كبير من هذا المشروع، بينما يساهم المشروع في زيادة المساحات الصالحة للزراعة في تركيا إلى جانب رفع الطاقة الكهربائية التي تولدها السدود.

ستستهلك هذه السدود نحو 40 بالمئة من مياه دجلة .
ولملأ هذه الخزانات بالمياه تحتاج تركيا ان تقطع المياه المتدفقة في مجرى نهر الفرات ايضاً ، فأخذت بتقليل الحصة المائية المنسابة من اراضيها الى كل من سوريا والعراق فأدى ذلك الى انخفاض منسوب المياه الى حدٍ كبير مما خلف اضرار كبيرة طالت الأراضي الزراعية بسبب تراجع نسب المياه الواصلة إليها في حوض النهر، المنتشرة في المدن جنوبي العراق ، وتلك الواصلة إلى الاهوار، ولاسيما وان العراق يعاني من التصحر والجفاف وانحسار نسب الامطار والمصادر الاخرى للمياه على أراضيه.
ان مضي تركيا بتشييد هذه المشاريع من دون التشاور والاتفاق مع العراق والأخذ بعين الاعتبار التأثيرات السلبية التي تخلفها مثل هذهِ السدود على شريان الحياة في بلاد الرافدين سيمثل كارثة كبيرة بالنسبة للعراق .

– سوريا وحصتها من مياه العراق
وبالاضافة لكل ما تقوم به تركيا فإن سوريا تأخذ حصتها كاملة من مياه نهر الفرات وتترك الباقي يدخل الى الأراضي العراقية .

– تأثير الجانب الإيراني
لإيران دور كبير في تحديد منسوب المياه الداخلة إلى العراق من خلال تحكمها بمياه الكارون الذي يصب في شط العرب ولمياهه تأثير كبير في تحديد منسوب المياه الداخلة الى اعماق بساتين النخيل حيث قامت في سنوات ماضية بقطع المياه عن قضاء بدرة ومندلي وديالى .
وفي العام الماضي قطعت إيران بشكل مفاجئ مياه «نهر الزاب الصغير» الذي يغذي مناطق في الإقليم الكردي شمالي العراق، وقال وزير الزراعة والموارد المائية بالإقليم الكردي في العراق قال إن «قطع المياه بشكل مفاجئ أثّر بشكل سلبي على قرابة 80 ألف شخص»، معتبراً أن «إيران تحاول إظهار تأثيرها على المنطقة من خلال استخدام المياه كأداة ضغط».

هذه المؤشرات تؤكد إهمال العراق اهتمامه بهذا الجانب منذ عدة عقود على الرغم من تغير الأنظمة والحكومات إلا ان الحال بات اليوم اسوء من ذي قبل ، بسبب الحروب والنكبات المتوالية التي مر بها البلد منذ سنوات وإنشغالهُ في توفير سبل العيش والأمن لأبناه وبتغاضي كبير من قبل الجهات ذات العلاقة في الحكومة العراقية على الرغم من طرح الموضوع من قبل وزارة الوارد المائية إلا أنه لم يأخذ الإهتمام الكافي من قبل الجهات التي من واجبها متابعة شؤون البلاد الخارجية والتي تعتبر ذات أهمية كبيرة مع دول الجوار بينما تغتنم هذهِ الدول كافة الفرص لصالحها ولتأمين ما تحتاجه شعوبها ، وما يضمن لها حقها السيادي على حد قولها .
السلطات العراقية المسؤولة اليوم بحاجة لوضع برامج واضحة قريبة وبعيدة الأجل لمعالجة الكوارث التي تلوح في الافق .
خصوصاً بعدما تم الإعلان عن توقف جريان نهر دجلة في قضاء مدينة المجر الكبير بمحافظة ميسان جنوبي العراق، وتم التحذير من كارثة تهدد حياة المواطنين.
نحن اليوم نحتاج لمشاريع إرواء وخزن وبزل وادخال وسائل المكننة الزراعية واتباع طرق حديثة في الارواء للحفاظ على الأمن الغذائي لكي لا يكون المزارع امام خيار النزوح وترك اراضيه وهذا ما حصل ويحصل في نسب متزايدة حيث لا خيار ثاني امامه .

متى تستطيع الحكومة العراقية ان تستخدم أدوات الضغط التي لديها لتفهم الدول المجاورة ان مصالحها مع العراق مرتبطة اولاً باحترمها لحقوق العراق على كافة الأصعدة .
العراق يستورد من تركيا ما يعادل عشرين مليار دولار سنوياً .
ومن ايران ما يعادل عشرة مليارات دولار .
وهذه تعتبر ورقة ضغط بيد العراق بهذا الصدد لكي تحترم هذه الدول المعاهدات والإتفاقات والقوانين الدولية بهذا الخصوص .
وفي ذات السياق قامت تركيا بتوقيع العديد من المعاهدات بخصوص الأنهار والمياه التي تربطها مع الدول ومن ضمنها معاهدة مع روسيا عام ١٩٢٧و معاهدة مع اليونان عام ١٩٥٠ لتقاسم الأنهار بينما الوضع مختلف مع الجانب العراقي حتى اليوم تركيا لا ترغب بتوقيع اتفاقيات مع العراق وسوريا على حد سواء فيما يتعلق بتقاسم الأنهار
اقتصر الامر على توقيع معاهدات ترسيم الحدود والحد من اقامة السدود ، وكذلك الاجتماعات الاقليمية قررت الرفض القاطع لأي فكرة لإنشاء سوقٍ للمياه سيما وان القانون الدولي للأنهار الدولية لم يجيز بيع دولة المنبع للمياه لدولٍ تقع اسفل النهر او حوضه
وهذا يعود لعدة اسباب من أهمها أن تركيا تعتبر الأنهار التي تربطها مع سوريا والعراق هي انهار وطنية !
بينما الانهار التي تربطها مع روسيا واليونان هي انهار دولية .

” هم يبيعون النفط لنا ، ونحن سنبيع الماء لهم ”
هذا ما قاله توركت أوزال رئيس وزراء تركيا عام ١٩٨٨م عندما طالب العراق بحصة عادلة من الماء .

الموضوع ليس وليد اليوم والبارحة الموضوع وليد عدة عقود ، اذا كان وضع المياه في العراق في الفترة المقبلة خطر لهذا الحد هل سيكون اولى العقبات التي ستواجه الحكومة العراقية المنتخبة القادمة مثلما كانت اولى عقبات الحكومة العراقية عقب انتخابات عام ٢٠١٤م هي مواجهة تنظيم داعش والذي كان مسيطر على كبرى مدن العراق !
هل سيقوم الناخب العراقي بالإدلاء بصوته لمرشح لا يوجد ضمن جدوله الإنتخابي اي شيء يذكر بخصوص ازمة المياه القادمة في العراق ؟.