بلا شك إن الماء هو أهم عصب في الحياة وطالما حصلت معارك قاسية بين الشعوب والجماعات السكانية من اجل السيطرة عليه وقد ذكره الجليل عز من قال في محكم كتابه فجعله مصدر لكل شيء حي وإذا انعدم في بقعة من ارض ما غابت الحياة عنها ولهذه الأهمية جعل كميته تغطي ثلاثة أرباع الكرة الأرضية ووفره للبشرية بعدة طرق ووفره في كل مكان تقريبا وحتى الصحراء متوفر فيها الماء أما من خلال الأمطار أو من خلال الآبار إلا ما ندر منها ولمن يدرك هذه الأهمية يجب عليه البحث في كيفية استخدامه وتقنينه والحفاظ عليه لحاجته الماسة في كل وقت ولأنه يدخل في كل جهد لحياة كافة المخلوقات.
في منطقتنا العربية لا توجد مياه عذبه صالحة للاستخدام تقريبا في انهار دائمة الجريان إلا في ثلاثة منها رئيسية مهمة دائمة الجريان هي دجلة والفرات والنيل وهي مع شديد الأسف تنبع من غير الأراضي العربية فدجلة والفرات موضوع بحثنا ينبعان من تركيا ولدجلة الذي يبدأ من الأراضي التركية روافد تصب فيه معظم كميات مائه من إيران والفرات أيضا منبعه من الأراضي التركية وتتقاسمه ثلاث دول تقريبا بالتساوي مع فارق ليس بالكبير لصالح العراق وهما من الموارد المجانية ويمكن استخدامهما في مختلف المجالات مجانا إلا في عملية النقل من النهر إلى أي مكان آخر في مناطق محدودة وهي شبه مجانية تقريبا وقد من الله على الشعب العراقي أن جعل في أرضه خزانات في الغالب يمكن استخدامها لجمع الماء الفائض والإنقاذ من خطر الفيضانات التي أصبحت مستبعدة ثم إعادتها إلى حوض النهر بشكل طبيعي سلس في اغلب الأماكن وحتى ما يقع دون مستوى النهر كما هو الحال في الثرثار والرزازة يمكن إعادته إلى حوض الفرات عند الحاجة بإمكانيات بسيطة وغير مكلفة بالقياس إلى أهميته واستخداماته خصوصا في الزراعة وفي توليد الطاقة الكهربائية.
معظم دول العالم نظمت اتفاقيات بينية حسب المواثيق الدولية المتفق عليها في تقسيم المياه بينها على اعتبار انه هبة الله إلى البشرية دون تمييز أو تفضيل حسب الحجم السكاني وفي الغالب بالتناسب بينها على أساس المسافة التي يقطعها في ارض كل بلد واحتراما للحاجة الإنسانية لهذا المورد الذي يتحكم في حركة السكان كما يتحكم في اقتصاد كل بلد بنسبة كبيره مع وجود حالات شاذة لا يمكن اعتمادها للقياس عليها ولها ظروفها الخاصة ولكن مع تطور أسلحة البشر وحركة السباق من اجل السيطرة على الآخر بدأت معظم الدول تنحى إلى اتجاه آخر في المساومة من اجل اكتساب المزيد من المصالح حتى كادت بعض دول المنابع تبيعه على غيرها مع ملاحظة استخدامه في بعض المناطق التي تسمح تضاريسها في إنتاج الطاقة الكهربائية لذلك عمدت معظمها إلى إنشاء السدود العملاقة وبدأت تتحكم في سير مجاري الأنهار واستخدامها كسلاح يقوي المواقف السياسية إذا وضعنا في اعتباراتنا كما في الحالة العراقية عدم تماسك الحكومة بالكيفية المطلوبة وطبيعة علاقاتها مع دول الجوار الثلاث التي يمر بها حوضي دجلة والفرات .
لقد تدهورت العلاقات العراقية السورية في ثمانينات القرن الماضي إلى حد القطيعة السياسية الشاملة وتبادل الاتهامات والشتائم بين أنظمة الحكم في البلدين وبعد أن تم انجاز سد الأسد استعملت سوريا المياه كسلاح أدى إلى تأثير مباشر قاسي على الاقتصاد العراقي نتيجة لقطع مياه الفرات بشكل شبه تام فتأثرت الزراعة إلى حد كبير خصوصا في مناطق الوسط والجنوب لتسطح الأراضي وانبساطها وارتفاع قعر النهر بما لا يسمح في بناء سدود تحد أو تقلل من ذهاب المياه العذبة إلى الخليج العربي بينما لا يمكن نقل المياه من دجلة الذي كان منسوبه مرتفع إلى الفرات بسبب انحدار الأرض المرتفع من الجهة الشرقية في جميع المناطق إلا في منطقة واحدة تسمح بذلك هي شمال مدينة بغداد وقد تم انجاز مشروع لهذا الغرض لكن ظلت المنطق الغربية لا تنتفع منه لأنها تقع غربه رغم أهميته لباقي المناطق وهذا نموذج بسيط لاستخدام المياه كسلاح في تحديد طبيعة العلاقات بين البلدان التي تشترك في الأنهار بين دول المنبع وما يليها.
بعد عام 2003 ورغم إن العلاقات العراقية الإيرانية قد تحسنت قبل هذا التاريخ إلا إن الحكومة الإيرانية التي تنبع من أراضيها معظم روافد نهر دجلة والتي كانت تجري طوال العام وتزود النهر بأكثر من 60% من مياهه إلا إن إيران أيضا استخدمته وسيلة للضغط على العراق بشكل غير معلن فغيرت مجاري الأنهار إلى داخل أراضيها بينما خلافا للأعراف الدولية جفت معظم الروافد بشكل يكاد يكون تام وحتى نهر الكارون الذي يصب في شط العرب أصبح مبزلا تصب به مياه غسيل الأراضي الإيرانية ونفاياتها فارتفعت درجة الملوحة في مياه شط العرب وأصبح غير صالح لا للاستهلاك الحيواني ولا للزراعة فضلا عن الاستهلاك البشري وقد تضررت بشكل كبير بساتين النخيل التي كانت تعتبر الأعلى عددا في العالم وتحولت إلى مجرد أشباح خاوية لا حياة فيها .
لمعالجة مشكلة المياه في العراق اغلب الحكومات التي تشكلت وفق الدستور العراقي الجديد ما بعد عام 2003 كانت قد خصصت وزارة بكل إمكانياتها في مجال الري ولكنها بسبب أسلوب المحاصصة في تشكيلها لم تنجح في النهوض بالواقع الاروائي العراقي ولم تنجح في إيجاد سبل لمكافحة حالات نقص المياه التي تقترب في كثير من الأحيان من الجفاف في اغلب الأنهار على السواء في حوض دجلة أو الفرات أو روافدهما أما في الاهوار في جنوب العراق فقد اتجهت المنطقة إلى حال لا تحسد عليه فلم تبقى على حالها القديم تستغل لأغراض الزراعة كأراضي رسوبية خصبة جدا ولم تنجح في وضعها اللاحق كاهوار فما يصلها من مياه لا يكاد يغطي مجاري الأنهار.
العراق بحاجة فعلية إلى إتباع سياسة مائية تواصل ما كانت سائدة منذ آلاف السنين وترشد الكميات التي أصبحت شحيحة وغير الكافية لسد الحاجة المحلية والاحتفاظ بها بدل تركها تذهب إلى البحر من جهة وعقد اتفاقيات حسب الأعراف المعمول بها وفق ميثاق الأمم المتحدة مع دول المنبع تراعي الجانب الوطني أولا بعيدا عن أي محاباة لأي سبب فالتاريخ سيوثق للأجيال اللاحقة كل ما يحصل ولا يغادر كبيرة ولا صغيرة ولا يصلنا منها إلا اللعن.