القصير…مدينة لم يكن يعرفها من قبل غير أهل سورية…وربما بعض جيرانها. اليوم…العالم كله يعرف القصير…الأمريكي، الأسرائيلي، الفرنسي، البريطاني، التركي، القطري، السعودي، الوهابي…السلفي…التكفيري…
والجانب الآخر من العالم: الروسي، الصيني، الأيراني، العراقي، اللبناني…
العالم كله يتحدث اليوم عن القصير. وستدخل القصير الـتأريخ، كما دخلت أماكن ومدن مثلت أعظم الأنتصارات، وأعظم الهزائم… مثل: طروادة، أسبارطة، واترلو، ستاليننغراد، نورماندي…
سوريا…كانت بلدة آمنة مطمئنة…يأتيها رزقها من كل مكان…نحن العراقيون أحببنا سورية، وأذا أردنا الأستراحة من التأزمات والأحزان والضغط المتراكم في العراق، نذهب الى سورية، لشم هوائها العليل المسالم، وشرب مائها العذب الذي لاتشوبه شوائب الأحقاد وسموم القرون البائدة…نزور السيدة زينب…والحميدية…والزبداني…واللاذقية…
جرمانه…أصبحت عراق مصغر…وعومل العراقيون فيها كالسوريون…
سوريا…البلد العربي الوحيد الذي أحتفظ فيها العراقي بكرامته، قبل سقوط النظام وبعده، عكس بلدان عربية أخرى تدعي الدين والعروبة والأخوة، مثل الأردن التي عومل فيها العراقي كغريب من الدرجة السابعة…في حين يعامل فيها السائح الأسرائيلي بكل احترام؟! والسعودية التي حبست الاف العراقيين في الصحراء لأكثر من عشر سنين ( حتى سقوط النظام)…لأنهم غير مرغوب بهم ( بسبب أنهم شيعة)…في حين يتمتع حاملي الجنسيات الآسيوية وغير الآسيوية بحقوق التنقل والعمل والتعاقد بكل حرية، لكن العراقي- الشيعي…خط أحمر في السعودية…
تلك البلدة الآمنة المطمئنة، تآمرت عليها قوى الأستكبار العالمي: أسرائيل- أميركا- بريطانيا- فرنسا – حلف الأطلسي…وجندت كلابها في المنطقة، على رأسها كلبها المسعور الأكثرشراسة وحقداً (طائفياً) وتعطشاً للدماء، وجنون العظمة …دويلة قطر…التي كانت ولاتزال وستبقى (بعد هزيمة القصير) دويلة… أو عبارة عن شركة تجارية كما نعتها وليد المعلم، وحلم الدولة العظمى التي تتحكم في المنطقة والذي كان يراود حمد جاسم آل ثاني قضت عليه معركة القصير…والرجل الآن يقضي أوقاته مخموراً وهو يحاول نسيان عار الهزيمة وحلمه الذي ذهب أدراج الرياح.
الأنتصار في القصير…هو ليس أنتصاراً على مجموعات مسلحة تكفيرية عاثت في أرض سوريا فسادا وتدميراً، بل هو هزيمة تأريخية ماحقة لأميركا وفرنسا وبريطانيا وأسرائيل وتركيا وقطر والسعودية والأردن والأخوان المسلمين والسلفية والوهابية التكفيرية في كل أنحاء الأرض…بل أننا لو قسنا وقع الهزيمة بشكل واقعي لوجدنا أن نصف سكان الأرض قد هزموا في هذه المعركة، أذ أننا لو نتكلم بصراحة وبدون مجاملة…وواقعية…لوجدنا أن المليار ونصف من المسلمين السنة كانت قلوبهم وعقولهم مع التكفيريين في سورية… فأذا أضفنا هؤلاء الى المؤيدين لسياسات حكوماتهم في أميركا وفرنسا وبريطانيا وأسرائيل وألمانيا وغيرها، لأصبح العدد هائلاً يمثل نصف سكان الأرض…هذا هو واقع الأنتصار والهزيمة في القصير…
لكن أكثر مايؤلم المنهزمين في القصير، ويقض مضاجعهم، خصوصاً زعماء الدول، هو هوية المنتصر…فهم يعلمون ويعلم العالم أجمع …أن الذي هزمهم في القصير في الحقيقة هو ليس الجيش السوري…بل هو بشكل واضح وباعترافهم…حزب الله…
مرة أخرى يحقق حزب الله، ونصر الله…أنتصاراً عظيماً، بعد أنتصاره العظيم على الجيش الأسرائيلي- الجيش الذي لايقهر، سنة 2006…
ماذا يفعل زعماء المنهزمين بعد هذه الهزيمة الماحقة، لحفظ ماء الوجه…
أوردوغان…على وجه السرعة ذهب يلملم جراحاته في المغرب العربي…عله ينسى، وهو الذي صرح في العام الماضي تصريحه الشهير (سأصلي مع أخوتي في الجامع الأموي قريباً) …أخوته، يقصد التكفيريون السلفيون…هيهات، حزب الله لك بالمرصاد…لن تصلي يوماً هناك…
عندما أعلن نصر الله أن مقاتلي حزب الله يشاركون في القصير…اطمئن قلبي، ونمت تلك الليله نوماً هانئاً مطمئناً، وقد تيقنت من النصر الأكيد.
لايخسر حزب الله في أي معركة يخوضها…السبب بكل بساطة، أن مقاتلي حزب الله حققوا الشروط المطلوبة للتدخل الألهي…كما حدث في حربهم في 2006.
يقول الله تعالى في سورة آل عمران ( بلى أن تتقوا وتصبروا ويأتوكم من فورهم هذا، يمددكم ربكم بخمسة آلاف من الملائكة مسومين، وماجعله الله ألاّ بشرى لكم ولتطمئن قلوبكم به، وماالنصر ألاّ من عند الله العزيز الحكيم، ليقطع طرفاً من الذين كفروا أو يكبتهم فينقلبوا خائبين)…قطع الله طرفهم (المسلحون التكفيريون) وكبتهم (زعماءهم)- حمد بن جاسم آل ثاني وأوردوغان ومن وراءهم. ومد الله المؤمنين بالملائكة المسومين بعد أن حققوا الشرطين (التقوى والصبر) اللذين تربوا ونشأوا عليهما بفضل معلميهم ( نصر الله، فضل الله، عباس الموسوي، موسى الصدر…). وهذا مالايفهمه أعداء حزب الله، لايفهموه ولن يفهموه. لكن مقاتلي حزب الله يفهمون هذا الوعد الألهي ويؤمنون به، لذلك عندما يذهبون للجهاد، فأنهم أمام احتمالين لاثالث لهما: النصر أو الشهادة، لذلك هم ينتصرون، وسينتصرون في كل حرب…
ففي حرب 2006، كل المقاييس الواقعية والحسابات العسكرية تفرض أن أنتصار أسرائيل حتمي لايقبل الجدل. لكن أسرائيل انهزمت…ولأول مرة… أكبر هزيمة في تأريخها. رغم أنها مسحت جنوب لبنان مسحاً بالأرض بقصف الطائرات الهائل المريع، ودباباتها الميركافا التي كانت تعتبرها فخر الجيش الأسرائيلي وأنها لاتقهر!…قهرت جميعها، وخرجت أسرائيل منهزمة تجر ذيول عار أعظم هزيمة في تاريخها…
وخرج حزب الله بالأنتصار العظيم. لم يكن لذلك تفسير…غير التدخل الألهي…
بعد معركة القصير التي كسرت شوكة الغزاة الطائفيين الحاقدين…نستطيع أن نقول أن سوريا قد تحررت…من أرجاسهم، وأجرامهم، ولحاهم النتنة التي تخفي تحت شعرها قلوب سوداء قاتمة، متعطشة للقتل والجريمة واستباحة الأعراض وأكل لحوم البشر…
وأن سوريا ستعود رغم أنفوفهم، وأنوف من ورائهم، بلدة آمنة مطمئنة، نذهب أليها لتطمئن نفوسنا وتنشرح صدورنا.
لكن زيارتنا هذه المرة، ستصحبها أبتسامة عريضة منعشة غابطة…
أبتسامة الأنتصار العظيم…
[email protected]