20 ديسمبر، 2024 8:03 ص

حرب القرم بين المصداقية والعدمية

هذا عنوان مقال تحدث استشرافا عن حرب القرم تصادف نشره يوم 24 شباط 2022 وهو التاريخ الذي دخلت فيه القوات الروسية إلى أوكرانيا، وقلنا فيه أنالقوات الروسية ستتوقف في ضواحي كييف لتبدأ مفاوضات يفترض أن تقود لحل، أو أن هنالك حالة صفرية تتفاقم لتمتلك القرار والذي قد يؤدي إلى حرب عالمية لا تكون تقليدية، واستمر الحال حتى أوضحه لقاء الرئيس بوتن مع صحفي الأميركي، تاكر كارلسون، اللقاء بيّن كثيرا من الأمور التي أزالتغموضا يسمح بتفسير الماضي واستشراف الحدث في المستقبل.

روسيا مدركة لدورها الوظيفي على مضض:

من الواضح أن هنالك خيبة امل من الروس من حالة الجفاء الاستراتيجي التي يقابل بها الروس كلما حاولوا التقارب مع الغرب باعتبارهم وريث الاتحاد السوفيتي لكن بلا شيوعية، وهذا التبرؤ من الشيوعية كان واضحا في حديث السيد بوتن انه كان بنية حياة جديدة تفتح التفاهم والغرب وليس للتخلي عن القطبية؛ ومن خلال استعراضه للقاءاته مع الرؤساء الأمريكيين وطرحه إنشاء منظومات دفاعية شرقية وغربية؛ الرؤساء الذين بدوا أنهم ليسوا صناع السياسة الأمريكية أو لهم القدرة على تنفيد رؤيتهم الخاصة في هذا الاتجاه، وهو سيف ذو حدين فمن ناحية انه عمل مؤسساتي استراتيجي (دولة ودولة عميقة) ومن ناحية أخرى أن الحديث مع الرؤساء ليس للخروج بقرارات ناجعة أو مصيرية في العلاقات الدولية أو بناء الاستراتيجيات وإنما على من يطرح أمراً ألاّ يتفاءل بالجواب الفوري بل ينتظر اللقاء التالي أو الرسالة ما بعد اللقاء الأول.

أدرك يلسن وبعده بوتن أن الأمر يتطلب أكثر من وراثة رسمية لمكانة الاتحاد السوفيتي، فهذه الدولة تحتاج أن تكون قوة اقتصادية وصناعية بلا كوابيس أو مفاجآت، لكن العقيدة الاسبرطية الأمريكية ترى أن انحلال الاتحاد السوفيتي ليس لأنهم يريدون حياة جديدة تعتمد على السوق والصناعة وإنما خسروا المطاولة وركعوا فعليهم الخضوع الأبدي أو العقاب.

ما يريده بوتن من تعاون ليس ممكنا. ما السبب؟ الصين دعمها الغرب بخطوط صناعات فاتكل عليها بدل أن يأسرها كانت الغاية لتسوير الاتحاد السوفيتيبالحلفاء بكل الوسائل التقنية؛ وربما لم يبق من هذا السور إلا الهند (التي تتجه إلى محور أمريكا بعد أن كانت تمسك العصا من وسطها) وكوريا الجنوبية؛ بيد أن الصين لم تك أداة لضرب الاتحاد السوفيتي وإنما استفادت الصين لبناء الصين التي نراها اليوم وقد بنت اقتصادا ضاربا وقوة عالمية منافسة مستقلة غير مضمون الصراع معها وهي لا تريد الصراع واللعب باستقرار نسبي لمليار ونصف إنسان أو يزيد لكن الغرب لا ينوي تكرار الخطأ مع روسيا.

لم يفكر الأمريكيون بإقامة علاقات رباعية بينهم وأوربا والصين وروسيا، فهذا سيؤثر على المنافسة الحرة في السوق الرئيس وهو الدول المتخلفة وهي طبيعة النظام الرأسمالي الصناعي، ولهذا فان البقاء يعني سلطة القوة، والولايات المتحدة سلطتها هي القوة العسكرية التي تحمي الدولار وهو عمليا المسيطر على الاقتصاد، لكن الدولار كما قال بوتن يدخل المعركة اليوم بدون تفكير بعيد المدى أو يستقي تجربة الحرب وهذا سيجعله معرضا للإبدال كما حصل بإبدال الدولار بالروبل فارتقى الاقتصاد رغم الحرب.

إثارة القلق ودعم المتمردين ودعم أوكرانيا الآن ولحد الآن يعد مشكلة هي مصلحة عند الأمريكان، الصين وكوريا الشمالية تراقب الحدث لكن لن يكون من صالحها تلاشي روسيا كقطب دولي وان كان وهميا كما هي حقيقة تصميم وجوده، لذا فان كسر العظم مسألة تحتاج نظر عميق.

تقاسم العالم

روسيا كانت تفكر بتقاسم العالم بين محورين، لكن روسيا ليست لهذا الدور إطلاقا طموح بوتن ليس من استراتيجية الولايات المتحدة وإنما في التكتيككدوره في سوريا أو ربما العراق أو غيرهما، كفاعل وليس كقطب دولي، فهم لايفكرون في تقاسم العالم أو العمل معا بتنسيق عسكري استراتيجي كبناء سلاح، أو الاتحاد بحلف عسكري، أو التفاهم حول النفوذ في أسواق التكنلوجيا والتقنيات، وهذه النقطة غير حقيقية في التفكير الأمريكي وممكن أن يناور بها الروس لإسقاط عوامل القوة كالهند وحكومتها المتجهة نحو الأمريكان، أو التفكير بالتكامل الصناعي مع الصين ودول نامية مؤهلة لاستقبال التقنياتكالسعودية وممكن أن تحمى أجوائها لتفريغ منتجات المعامل الإلكترونيةوالسيلكون في إنتاجها، لكن هذا لا يأتي بيوم وليلة، الدول النفطية مازالت متمسكة بالدولار ولا نية عندها لاستخدام عملة خاصة لبيع واستيراد أو أيةمعاملات تجارية والعالم، فبالتالي مازالت كما كانت دائما كفة الولايات المتحدة وجناحها الأطلسي مسيطرا على الساحة لأي حدث.

مآل حرب القرم:

بعد أن اقتنع بوتن بسحب قواته من محيط كييف للبدا بتفاوض يحفظ كرامة كييف أسقطت كل الاتفاقات الشفوية معه، أو هكذا قال؛ هنالك جرح وإحساس بالاستهانة، وان كان حاليا يوازن اقتصاده وما تستنزفه الحرب، وجمود الحالة ككل، فان صراع القوى والنفوذ في الشرق الأوسط وأفريقيا، سيجعل الأطرافأمام حلول صفرية بعد هذه المدة من الحالة الصفرية وبلا حلول؛ وربما لا يبقى أمام بوتن إلا خيارات محدودة، الضغط على زر حرب نووية غير معلومةلمن ستحسم وكيف ستحسم مع الأسلحة المتطورة وبعضها دون شك نجهله“وهذا احتمال جدي يتجاهله الغرب، أو انه سيصل إلى مفرق طرق للتفاوض على إبقاء منفذ على البحر الأسود وربما يعزز تمكينه جنوب أوكرانيا في الفترة القادمة استعدادا لمفاوضات، أما الانسحاب إلى داخل روسيا وهذا مستبعد جدا إلا بغياب بوتن نفسه ووعود ألا يترتب على روسيا أي عواقب أو متابعة عسكرية أو قانونية، بيد أن هذا كرد فعل سيؤدي لاندثار روسيا تماما باستسلام خفي، وهذا يعرفه من حول بوتن وربما تغييب بوتن يحتاج بدائل واحتمالات منهم احتياطا لمنع تفكك روسيا بعملية جراحية، الوضع ربما اكثر ميلا لحرب شاملة مع اختلاف اللغة التقليدي بين الشرق والغرب لان بوتن في زاوية ميتة وقد استنفد الأمل بقبول الغرب الأمر الواقع ويريدون منه الاستسلام والخضوع لهم وهذا مستحيل.

الحل الأمثل أن يعطى منفذا على البحر الأسود وان تعتبر أوكرانيا بلدا محايدا ومعترف بتقاربه مع الروس.  

أحدث المقالات

أحدث المقالات