18 نوفمبر، 2024 12:56 ص
Search
Close this search box.

حرب العراق القادمة

يبدو انه قد كتب على العراق وشعبه ان لا يهنأ بعيش ولا يركن بسلام ، وان يكون بلد حرب وساحة قتال ، والمتتبع لحركة التاريخ لن يصعب عليه ان يكتشف ان العراق لم يمر عليه الوقت إلا وكان جزءا من طرف محارب او ساحة لمعركة لا خيار له فيها ، ولهذا الحال طبعا اسباب كثيرة اهمها موقعه الجغرافي المهم ، إضافة إلى امتلاكه لثروة كبيرة جعلته مطمعا لكل غاز وطامع ، كما ان طبيعة اهل العراق واصولهم البدوية كما يقول العلامة علي الوردي تجعلهم بعيدون عن السلبية والقبول بالأمر الواقع والانصياع ، فيثورون ، ويوالون ويعادون بدون حياد ، وهكذا هي ارض العراق منذ ان وجدت تدفع غزوا وتقع تحت سيطرة غزو آخر، وتوالي قوة وتعادي اخرى ، وكان آخرها الاحتلال الامريكي في العام 2003 .
وقد ظن الكثير ان العراق وأرضه لن يدخلا حربا بعد الاحتلال الامريكي ، وان دخول اللاعب الأقوى ساحته ، وفرضه السيطرة عليها واعتبارها من مسؤولياته  سيجنبها اللعب عليها ، وسيخيف الخصوم ( خصوم العراق ) والطامعين والحاقدين ، وستكون الكرة واللعب في ساحات اخرى ، وسيخشى الخصوم دخول كرتهم الى ساحة العراق لأمد طويل .
لكن الذي جرى ويجري الان أثبت خطأ هذا الاعتقاد ، واثبت ان اللاعب الاقوى انما سيطر على ساحة العراق لتكون جميع نزالاته عليها ، سواء تلك التي يقابل هو فيها خصومه ، او التي يتقابل فيها اصدقائه مع الخصوم ، فلم يقتصر الامر على نزالاته هو بل تعداها لتكون ساحة لنزالات الاصدقاء مع الخصوم .
ان ما يجري التحضير له أمر خطير ، لقد بدأ الغرب مع بعض العرب بتطبيق سياسة جديدة في المنطقة يمكن وصفها او تسميتها بـ ( السياسة المعكوسة ) او (سياسة تحليل المحرمات ) او( سياسة قلب المعادلات ) ، واختر انت ما شئت لها من هذه التسميات ، هذه السياسة ستقلب كل شيء جرى العمل عليه طيلة العقود الماضية ، فما كان يحرم سابقا هو المطلوب الآن ، وما كان مطلوبا هو ما سيمنع وسيبعد من ارض الواقع ، لقد اقتنعت السياسة الغربية بجدوى هذه السياسة ، فرؤساء الدول الذين نصبتهم او ساعدت في تنصيبهم ووقفت ضد اسقاطهم ، او حتى اولئك الذين لا دخل لها في تنصيبهم لكنها  سكتت عنهم لعقود ، والذين هم من يفترض ان يوجدوا الحل ( وفق الرؤية الغربية ) لمشاكل المنطقة وأولها وعلى رأسها المشكلة الفلسطينية ، لم يقدموا شيئا ، واذا قدموا اليسير مما يتطلب منهم  كانت أجورهم  باهظة ومكلفة تتعدى الكلفة المادية الكبيرة والاعتماد على المعونات لتصل الى حد الاستعانة بالقوة الغربية علانية لتهديد الخصوم وحتى الشعوب للبقاء على كرسي الحكم ، فصارت القناعة بعدم جدواهم وازيل الحاجز او السور الذي كان يحميهم وابتدأت الثورات التي كان قسم منها بدعم  واسناد عسكري غربي علني و التي أسقطتهم واحدا تلو الآخر  .
هذا جزء من المحرمات في الساسة الغربية التي قلبت ، اما الجزء المحرم الاخر فهو ان تتولى قوى اسلامية زمام القيادة في تلك الدول وخصوصا منها ما يسمى بدول الطوق ، وكانت السياسة الغربية المنادية بحقوق الانسان وبالديمقراطية تساند اولئك الحكام في حملات البطش والقتل والتنكيل بالأحزاب والحركات الإسلامية في تلك الدول ، لكن وفق سياسة اليوم ، وفق سياسة قلب المعادلات او السياسة المعكوسة او سياسة تحليل المحرمات سمها ما شئت ، فهذه القوى الاسلامية هي المطلوبة وهي من يجب ان يتولى زمام الامور وقيادة الدول ، طالما انها هي المتحكمة بالشارع العربي الاسلامي ، وهي من ستسير ورائها الجماهير مؤيدة القرار الذي ستتخذه والذي سيكون قرارا شرعيا لا يغضب الله ولا يورث نار جهنم ، لكن هذه القوى الاسلامية لابد من اختياها ولابد من قيادة او موجه او ناصح لها يوجهها الوجهة الصحيحة كي لا تتدخل القوى الغربية مباشرة فتفقد هذه القوى شرعيتها عند جماهيرها وتنكشف شعاراتها فتفشل هذه الإستراتيجية من جديد .
لقد بدأ الغرب ( أميركا وأوربا ) تنفيذ هذه السياسة بخطوات كان اولها اختيار الناصح او الموجه او القائد لهذه الدول بعد ان تقوم ثوراتها ، وكانت تركيا هي المرشح الوحيد لهذه المهمة ، طالما ان علاقتها مع هذه الدول وقياداتها الجديدة لن يعطي الجماهير والشعوب أي إشارة للشك بارتباطها بمخططات وسياسات كبيرة وبعيدة ، وهي أي تركيا  تسعى للحصول على هذه الفرصة في ان تكون دولة متنفذه اقليميا مع ما سيجلب لها من فوائد مادية ضخمة تنتشلها من واقعها الاقتصادي الذي كانت ترزح فيه قبل سنين ، وسفتح الطرق عريضا امامها لتكون جزءا من اوربا وحلف الاطلسي ، وسيعطيها القوة والمساندة في قضيتها مع قبرص ، ولن نبالغ ان ظننا ان ما حققته تركيا من قفزة اقتصادية كبيرة خلال فترة وجيزة لم يكن لولا هذه السياسة التي قد تكون هيأتها منذ فترة لتأخذ الدور المطلوب منها ولتكون مثالا لغيرها من الدول القريبة منها والمتطلعة بشغف الى تجربتها الناجحة والصاعدة بسرعة كبيرة جدا .
ثم جاءت مرحلة استمالة العواطف واستلاب الرأي بطريقة ناعمة فبدأت تركيا بارسال سفن الاغاثة الى الاراضي الفلسطينية وحدث فيها ما حدث ليتلو ذلك تصريحات اردوغان ضد اسرائيل والتباعد التي وصلت حد القطيعة الدبلوماسية بين تركيا واسرائيل ، وبهذا اصبح ذهن المواطن العربي المسلم  جاهزا ليقبل بالدور المهم الذي تقوم به تركيا ضد اسرائيل وبدورها المساند للقضية الفلسطينية دون ان تأخذه الظنون .
ان الهدف الاول من كل هذه السياسة المعكوسة او المحرمة هو حل قضية فلسطين وفق رؤيتهم هم ( أميركا وأوربا ) القريبة من اسرائيل بعد ان فشلت كل محاولاتهم السابقة وبعد ان انتهى وقت كل وعودهم الكاذبة وافتضحت  باقامة دولة فلسطينية وبانت علامات توحد الفلسطينين  واصرارهم في اعلان  دولة فلسطين رغما عن كل التهديدات والنصائح .
يبقى ان نشرح كيف سيدخل العراق حربا وهو عنوان مقالتنا هذه ، والحقيقة ان العراق لن يدخل الحرب بل ستكون ارض العراق ساحة للحربٍ القادمة ، وستكون هذه الحرب بين دولتين هما تركيا وايران اللتان بدأ التوتر بينهما منذ فترة ليست بعيدة ، وستتصارع هاتين الدولتين بداية من خلال مناطق نفوذهما داخل العراق التي نعرف حدود كل منها ليتحول هذا التصارع الى حرب مباشرة على الساحة العراقية وسيكون العراقيون هم الاداة في هذه الحرب ان لم ينتبهوا قبل فوات الاوان ويكفكفوا انفسهم عن ان يكونوا تابعين لهذه الدولة او تلك .
ان مشروع الشرق الاوسط الكبير او الجديد يهدف الى دمج اسرائيل ضمن المنظومة العربية وجعلها دولة مقبولة تتشارك اقتصاديا مع ما يحيط بها من دول ، ولذا كان لابد من سياسة جديدة تنسف كل السياسيات التي سبقتها تلك السياسات التي فشلت لعقود طويلة في تحقيق ما يجب ان يتحقق ، ولان الأميريكان والغرب بصورة عامة ليسوا نمطيين ولا يقنعون بغير النتائج التي يحددونها بغض النظر عن ما يمكن ان تلحقه من أضرار بغيرهم  فلن يتوانوا عن قلب الإستراتيجيات والسياسات التي يؤمنون بها طالما تحقق لهم النتائج المحددة .

أحدث المقالات