21 ديسمبر، 2024 8:02 م

حرب الخليج الأولى…هل تغيرت الأحكام بتغير الأزمان؟

حرب الخليج الأولى…هل تغيرت الأحكام بتغير الأزمان؟

 

ما الذي يمكن أن يحفظه التاريخ في سرد حكايات وقصص دارت أحداثها بالمدينة أو في ساحات القتال لحرب إستمرت ثمان سنوات بين العراق وجارته الشرقية إيران.

لا أعرف من أين أبدأ في سرد الفجائع والمآسي التي عشناها نحن شهود العيان على ذلك الزمن الملون بلون الدم.

في ليلة الثامن من أغسطس/آب 1988 والساعة تقترب من منتصف الليل، كان العراقيون ينتظرون القرار الأممي في إجتماع مجلس الأمن الدولي الذي أعلن عن وقف الحرب بين العراق وإيران، حينها قال خميني بخطابه للإيرانيين إن القرار كان “بمثابة تجرع كأس السم”.

في تلك الليلة أُعلن عن وقف إطلاق النار الشامل بين البلدين على الرغم من وجود مناوشات خفيفة في مناطق مختلفة من الجبهة العراقية – الإيرانية.

إستمرت إحتفالات العراقيين ثلاثة أيام متواصلة منحتها حكومة صدام حسين عطلة رسمية للبلد، شهدت شوارع بغداد وساحة الإحتفالات جماهير غفيرة وهي تحتفل بوقف الحرب، كان ذلك يعني في مخيلتهم وقف شبح الموت الذي يطارد شيبهم وشبابهم والعودة إلى حياتهم الطبيعية، وكيف لا تكون فرحة وهم الذين كانوا يشاهدون يومياً من خلال التلفزيون الحكومي لقطات “صور من المعركة” لجثث متقطعة ومتفحمة لا تُميّز إن كانت لجنود إيرانيين أو عراقيين يتم عرضها يومياً للتذكير بمآسي الحروب وأوجاعها، وربما للتحشيد المعنوي كي لا ننسى.

إبتكر العراقيون بُدعة جديدة في الإحتفال وهي رش الماء على بعضهم حتى كان المنظر يوحي أن أي داخل إلى تلك التجمعات لا يكاد يغادر إلا وقد إبتلت ملابسه بالكامل.

في ذكراها السادسة والثلاثين لإنتهاء تلك الحرب التي إستمرت ثماني سنوات ووِصِفت بأنها أطول حروب القرن العشرين، إنتهت بعد أن وافقت إيران على قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 598 لسنه 1987 والذي نص على وقف فوري لإطلاق النار بين البلدين وإعادة أسرى الحرب إلى وطنهم وإنسحاب الطرفين إلى الحدود الدولية، وتعيين فريق من المراقبين الدوليين لمراقبة وقف إطلاق النار حتى يتم التوصل إلى تسوية دائمة لإنهاء الصراع، كان وقف إطلاق النار خاتمة لحرب بدأت عام 1980 إبتدأت بإشتباكات حدودية متقطعة.

كان الجيش العراقي يستخدم أسلحة تم شراؤها من روسيا ودول أوروبا الشرقية والصين والبرازيل في حين كان الجيش الإيراني يعتمد على أسلحة نظام الشاه الأمريكية الصنع، فقد كشفت صحيفة الجيروزيليم بوست الإسرائيلية في حزيران 2024 عن تفاصيل رُفعت عنها السرية تثبت قيام إسرائيل بتقديم الدعم بالأسلحة والمعدات للحكومة الإيرانية خلال حرب الثمان سنوات، وتشير تلك الصحيفة إن إسرائيل كانت محرومة من النفط نتيجة العداء مع الدول العربية وجدت في إيران حليفاً مناسباً لمواجهة النفوذ العربي، وتوضح تلك الصحيفة إن إيران كانت بحاجة إلى الأسلحة والمعدات العسكرية والخبرات التدريبية لمواجهة قوات صدام، والذي لم تكن قادرة للحصول عليه من الدول الغربية نتيجة عدائها المُعلن لها في حين وجدتها إسرائيل فرصة لتزويدها بقطع غيار أمريكية للجيش الإيراني، والغاية من ذلك كما تشير الصحيفة إن إسرائيل إستخدمت إيران لتحقيق توازن بوجه صدام المعادي لها وتأمل أيضاً بالحصول على موطئ قدم داخل إيران عبر التعاون مع النظام الإيراني الجديد آنذاك، الأمر الذي لم يتحقق نظراً لصعود التيار المعادي لإسرائيل داخل الحكومة الإيرانية، ولا يُعرف عن تلك التفاصيل التي كشفتها الصحيفة إن كان المقصود بها فضيحة “إيران غيت” أو “إيران كونترا” وتُنسب إلى صفقة سرية باعت بموجبها إدارة الرئيس رونالد ريغان خلال فترة ولايته الثانية إيران أسلحة أمريكية بوساطة إسرائيلية على الرغم من حظر بيع الأسلحة إلى طهران وتصنيف الأخيرة كعدو لأمريكا وراعية للإرهاب أو لإتفاق إستراتيجي مستدام بين الثلاثي إيران وأمريكا وإسرائيل.

اكثر من مليون قتيل ومثله من الجرحى وخسائر مالية بلغت ما يقارب 400 مليار دولار تكبدها العراق فقط في نزاعه الذي سُمي بحرب الخليج الأولى تبعتها حروب الخليج الثانية والثالثة كان الشعب العراقي هو الضحية وكبش الفداء الذي يُذبح بسبب نزوات داخلية ومؤامرات خارجية ولازال يدفع الثمن لغاية كتابة هذه السطور.

قبل أكثر من ثلاثة عقود لو كانت هناك عرّافة أو قارئة كف او شخصية مثل ليلى عبد اللطيف وتنبأت بأن العراق ستحكمه فيما بعد إيران وستكون الفاعل الأساسي في تنصيب الحكومة وأفرادها والحامي لشخوص العملية السياسية والحاكم بأمرها لأتُهمت هذه العرّافة بالجنون، ولضحك العراقيين كثيراً من هذا الهراء وسخِروا كما يضحكون اليوم من زمانهم المتغير.