شهد العالم عبر التأريخ حروباً كثيرة وصراعات تسببت في خسائر بشرية ومادية كبيرة. الحروب هي وسيلة تلجأ اليها الدول والسلطات السياسية أحياناً إمّا للدفاع عن نفسها أمام الأخطار أو لفرض الهيمنة والسيطرة والسطو على منابع الأموال والطاقة. فالشعوب تكبر مع الزمن وتزداد عدداً وهذا يحملها عبئاً مالياً كبيراً يدفعها إلى الغزوات ومن ثم إلى خوض الحروب.
كل هذه الأمور أصبحت حاجة كأية حاجة ضرورية أخرى. لذا فإن الحروب ايضاً وأساليبها ووسائلها كانت بحاجة إلى التطوير. فسارعت السلطات والدول إلى إيجاد طرق ووسائل أخرى للحرب وتطوير الأليات وإختراع كل شيء جديد يكون سبباً في هزيمة المقابل. فبلغت المنافسة بين الدول مبلغاً كبيراً حتى تفننوا في إختراع الآت جديدة للموت.
واعتماداً على هذه التطورات قسم الباحث الأمريكي وليم ليند (William Lind) الحروب إلى أجيال أربعة وكما يلي:
1. الجيل الأول (Man Power): في هذا الجيل كانت الحروب تعتمد على قوة الرجل أو الفرد في المنازعات. أي قوة العضلات بتعبير آخر. ويعتمد كذلك على نوع السلاح الذي يحمل الرجل وتطوره.
2. الجيل الثاني (Fair Power): في هذا الجيل اعتمدت الحروب على قوة النيران في ساحة المعركة أكثر من إعتمادها على قوة الفرد أو الرجل. ويقصد بذلك قوة الأسلحة وتطورها ومدى امكانياتها في حسم الأمور أمام العدو في ساحة المعركة. مثل اعتماد المدافع المتطورة والبنادق الحديثة وما إلى ذلك.
3. الجيل الثالث (Maneuver Power): في هذا الجيل تم الاعتماد على القوة الجوية وقوة المناورة والصواريخ المتطورة بعيدة المدى واستهداف الخطوط الخلفية للعدو واضعافه.
هنا يجب جذب الانتباه إلى أن القاسم المشترك بين هذه الأجيال الثلاثة هو محاولة اضعاف القطاع العسكري وإضعافه حتى ينهار ومن ثم السيطرة على المدنيين. فالهدف من العميات العسكرية في الغالب هو الهيمنة على الحياة المدنية.
4. الجيل الرابع (الجيوش الالكترونية): أطلق الباحث الأمريكي ليند هذه التسمية لأول مرة عام 1989. هذا الجيل من الحرب عكس وقلب تماماً مفهوم الحروب في الأجيال السابقة. حيث أن في هذا الجيل يستهدف الجيش الالكتروني العقل البشري مباشرة. يلعب على وتر المعاناة ويتظاهر بالبكاء على الفقراء ويستفيد من تهيج العواطف. بينما يعمل في حقيقة الأمر وفي الخفاء على إمتصاص دمائهم وتسخير معاناتهم لصالحه. يستهدف القطاع المدني بالعمليات النفسية ويجعل المجتمع تحت ضغط عصبي مستمر وتسخيره لتمرير مأربه ليصل إلى النتيجة المرجوة المنتظرة من الحروب وهي الانهيار ومن ثم بسط السيطرة. حرب لا دماء فيها ولا نار ولا تكلف الكثير من الأموال وليس فيها خسائر كما في الأجيال السابقة. تكون الوسائل الإعلامية أكثر استخداما في هذه الحروب وتعتمد على الوصول إلى العقول وتسخيرها. وهذا ما يدفعنا إلى استنتاج عدم ديمومة الوسائل الإعلامية الحرة المستقلة، وهذا موضوع خاص أحاول التطرق إليه فيما بعد بحول الله وقوته.
هكذا فإن ما نعيشه اليوم من ظروف استثنائية ليست إلاّ نتائج طبيعية لحرب الجيل الرابع الذي لا يمكن مشاهدته بالعين المجردة ولا يمكن تحسسه باليد. وإن كانت النتائج هي نفسها لكن معطيات حروب الجيل الرابع تكون معكوسة على حياة المجتمع عامة وبشكل مباشرة. ولي أن أذكر العديد من الأمثلة التي تعزز روح الموضوع، إلاّ أنني أتجنب إطالة المقالة نزولاً عند رغبة القراء بعدم الإطالة. لذا أكتفي بالإشارة إلى أن ما نعيشه نحن اليوم هو نتائج لحرب من نوع الجيل الرابع. ملخص الكلام فإن الحروب الإلكترونية هي بديل الحروب الميدانية في الكثير من الأحيان.