23 ديسمبر، 2024 5:29 ص

الإشاعات في العراق بعد العام 2003 شملت جوانب القتل والاعتقال،والهروب من البلد، والانقلابات العسكريّة، والتخوين، وطعن أعراضالناس، وغيرها. وقد استخدمت القوى الحاكمة الإشاعات لتثبيتسلطانها وتجاوز بعض المراحل الدقيقة؛ عبر إثارة الرعب الطائفيّ بينمكونات الشعب، أو بغير ذلك من الشائعات!

والإشاعات ربما تكون خارجيّة، أو داخليّة ومخطّط لها بعناية، ولا يمكننكران دورها وأثرها النفسيّ والمعنويّ على المستويين المدنيّوالعسكريّ.

وفي المقابل، هناكالإشاعات المضادّةالتي تطلقها الأطرافالمتضرّرة من الإشاعات الأولى، وهكذا كلّ فريق يغنّي على ليلاه!

ما يعنينا هنا هو التركيز على سياسة الإشاعات بالنسبة للقوىالمعارضة للحكومة، وما إذا كان يمكن للإشاعات وحدها أن تغيّرالوضع في العراق.

التغيير لا يمكن أن يكون عبر الإشاعات، ولا يمكن تصوّر سقوطحكومة معترف بها إقليمياً ودولياً عبر أسلوب الإشاعات!

منْ يتطلّع لإنهاء المشهد السوداويّ القائم في العراق، عليه أن يتّخذالطرق المنطقيّة الموضوعيّة البعيدة عن التزوير والخداع والإرهاب؛ لأنّالإشاعات لا يمكنها أن تغيّر الواقع المظلم، ومنْ يتّفق مع هذا المنطقالخَرِب لا يفقه من نظريّات التغيير أيّ شيء.

التغيير المطلوب في العراق يتطلب خطوات عمليّة جادّة، ومنها:

تهيئة الجماهير، وزرّع الثقة في عقولهم ونفوسهم بالقدرة علىالتغيير، وبأنّ ما يجري هي حروب أحزاب متناحرة لا يمكن أن توصلالبلاد إلى مراحل البناء.

اتّخاذ سبيل الوضوح والمصداقيّة في التعاطي مع الحالة القائمةوالبعد عن سُبْل التضليل والخداع (وإن كان بعض السياسيين ينظرونإليها على أنّها جزء من الحرب النفسيّة)؛ لأنّنا نتحدث عن قوى حاكمةتمتلك اليوم المال والرجال والسلاح، والعلاقات والاعتراف العربيّوالإقليميّ والدوليّ، ولهذا لا يمكن إسقاطها بنشر الأكاذيب، بلبالوضوح والانتقاد الموضوعيّ القائم على الحقيقة.

ضرورة الالتزام بالموضوعيّة والحكمة في طرح الحالة العراقيّة، ولهذاينبغي التأكد من المعلومات قبل نشرها، وبالذات عبر مواقع التواصلالاجتماعيّ؛ لأنّنا (مع الأسف) نجد بعض النُخَب الفكريّة والمجتمعيّةتنشر مثل هذه الإشاعات دون تدقيقها.

الاستعانة بالمخلصين والمحبين للعراق من داخل البلد لتوثيق جرائمالقتل والنهب والسرقة والفساد وغيرها من الصور السلبيّة، وأن تكونبالأسماء والتواريخ، ومحاولة دعمها بأوراق رسميّة لتكون دليلاً علىهؤلاء يمكن تقديمه في محاكم محليّة أو أجنبيّة في الوقت المناسب.

وهذا يدفعنا لطرح السؤال التالي: هل أنّ تغيير ثقافة الشعوب تسبقتَبْدِيل الحكومات، أم العكس صحيح؟

لا شكّ أنّ تَبْدِيل الواقع القائم في العراق مطلب إنسانيّ، وذلك نتيجةمستويات الخراب التي انحدرت إليها البلاد في غالبيّة الأصعدةالسياسيّة والأمنيّة والقضائيّة وغيرها، ولكن يفترض بهذا التغيير أنتسبقه مرحلة نشر ثقافة توعية عامّة للجماهير، وهذا واجب النُخبالفكريّة والسياسيّة.

التغيير الفكريّ هو المرحلة الأهم في أيّ نظريّة تغيير، وذلك لأن إعادةبناء العقل الشعبيّ خطوة أساسيّة في التغيير المرتقب. والدليل، أنّكافّة محاولات الأحزاب الحاكمة في السيطرة على الجماهير العراقيّةبالقوة باءت بالفشل، رغم كلّ الإمكانيّات المتوفرة لديهم.

التغيير المُتوقَّع ينبغي أن يبدأ من الإنسان العراقيّ، ومنْ يُريد أن يقلبالمعادلة ويحاول الوصول إلى قِمّة الهرم قبل الأساس، فهذا يقفز علىالترتيب المنطقيّ وينكس المعادلة، وهذه الخطوة أثبتت التجاربالإنسانيّة العديدة فشلها وضمورها!

التغيير في العراق بحاجة على مشروع وطنيّ جامع ومقنع و مُتَّفَقعليه بين القوى المعارضة، فهل اتّفقت هذه القوى على مشروع واضحيمكن أن يؤسّس لمرحلة التبديل؟

المراحل الانتقاليّة من أصعب المراحل التي تمرّ بها الشعوب، ولهذاينبغي العناية بترتيبها قبل أن نجد أنفسنا أمام عَمليّة استبدال شكليّةلا علاقة لها بالبناء والتقدم والحضارة وحينهاربمانتأسف على كلّالجهود التي ذهبت أدراج الرِياح!

طريق التغيير من أعقد الطرق ويحتاج لتكاتف وتلاحم وتعاضد وابتعادعن الأنانيّة والمصالح الشخصيّة والحزبيّة، وإن لم نقتنع بذلك، سنبقىفي دوامة الإشاعات التي لا تقودنا للخلاص من واقعنا المزعج!