23 ديسمبر، 2024 10:41 ص

تكشف طبيعة العمليات الإرهابية عن سلوك تخريبي هدفه تحطيم البنية التحتية للدولة ومؤسساتها ، لذا تحاول هذه الجماعات جر الحكومة الى حرب استنزاف للموارد لاضعاف قدرة الدولة على النهوض اقتصاديا وللاسف فان الحكومة انسحبت الى مساحة التوريط هذه مرة عبر الفساد ومرة عبر خطط فاشلة وخرى عبر تجاهل الحلول السياسية  وأخيرا عبر تجاهل الشركاء واضعاف دور المؤسسات .
الآن دخلت المعارك في الانبار مرحلة خطرة عبر تحولها الى حرب استنزاف يومية حيث تشير التقديرات الرسمية الى أن الكلفة لادارة الحركات العسكرية أكثر من 7 ملايين دولار في اليوم الواحد و420 مليون دولار خلال الشهرين وربما أكثر هذا غير الكلف الكبيرة في الارواح بين أبناء القوات المسلحة والمدنيين لذا فان الامور تمضي بنحو خطر في حال استمرار الحلول العسكرية وغياب الحلول السياسية .
اذا كان هدف المعارك في الانبار اضعاف قدرات العدو وامكاناته في مهاجمة المدنيين فان ما حصل هو ضعف في قدرات الاجهزة الامنية المليونية على حسم المعركة ومن غير المعقول أن تبقى المعارك مفتوحة وبلا سقف خصوصا تزامنها مع الانتخابات البرلمانية وأوضاع انسانية صعبة للنازحين .
تجربة نظام صدام حسين في حربه مع ايران تحولت الى حرب استنزاف كلفت الموازنات العامة للدولة الكثير وكلفت من الارواح الملايين لذا دفعت الى خلق مشكلات جديدة للدولة حتى بعد انتهاء الحرب العراقية الايرانية نتيجة الديون الكبيرة والكلف العالية للحرب لذا سعى النظام انذاك الى البحث عن مصادر جديدة للتمويل دفعته الى احتلال دولة الكويت الشقيقة وارتكاب اخطاء قاتلة كلفت الدولة والنظام المباد نفسه الكثير  .
الآن التجربة تتكرر لكنها بايقاع مختلف وبمعارك من نوع آخر ، حروب داخلية حروب سياسية واقتصادية ومعارك ادارية على كافة الصعد ومع جميع الاطراف ، لذا فانها تنذر بكارثة جديدة على الديمقراطية الناشئة وعلى الاوضاع الاقتصادية التي تعاني مشكلات حقيقية يمكن أن تدفع النظام السياسي القائم الى ارتكاب مشكلات اخطر عبر تراكم الاخطاء .
القوى المعارضة للحكومة في اغلبها تعاني نفش مشكلات الحكومة من نزوع نحو التفرد والاستحواذ على المال العام ولاتملك هي الاخرى رؤيا للخروج من أزمة الانبار بل تجدها في بعض الاحيان مستفيدة من ما يحصل ، طبيعة الاوضاع توفر ارضية للتشدد والانقسام الطائفي ، مشكلة الدولة تشمل طبيعة النظام السياسي وادارته للازمات وللاسف فان الخطوط الحمراء في ادارة من هذا النوع المصالح الشخصية وكل ما سواها مستباح .
يوجد قلق حقيقي من تحول الاوضاع في العراق الى حالة مشابهة لما يحدث في سوريا لان مصالح الكثير من الدول تحتم بقاء الاوضاع في سوريا وفق معادلة ” نظام ضعيف ومعارضة ضعيفة ” لذا فان النظام والمعارضة منذ أكثر من سنتين يسعيان الى حسم المعركة لكنهما غير قادرين ، والسؤال الآن ما الفوائد المتحققة من هكذا وضع ؟ جميع الاطراف مستفيدة ، حلفاء النظام مستمرون بتنفيذ برنامج اقليمي واعداء النظام يواصلون مساعيهم للمحافظة على مصالحهم في المنطقة .
تأثير هذه الاوضاع على الحالة العراقية يكمن في وجود محاولات جدية لتحويل طبيعة الصراع  في العراق الى حالة مشابه لما يحدث في سوريا ” نظام سياسي ضعيف يستشري فيه الارهاب ” واليوم يوجد أكثر من انموذج مرشح للتغول على حساب الدولة الضعيفة ، أموال النفط تسمح لاي حكومة كانت أن تتحرك بمعزل عن الارادة الشعبية وهذا الامر تكشفه طبيعة عقود التسليح والصفقات وطبيعة الانفاق وغيرها .
لذا قد تلتقي المصالح الاقليمي في معادلة اساسها الضعف وذلك لعدم استخدام أموال النفط في تهديد دول اقليمية على المستوى الاقتصادي مثلا أو استخدامها في دعم منظات ارهابية أما عمليات بيع الاسلحة للعراق والتي يفسرها البعض بوصفها دعما لايمكن لها سوى تحقيق ارباح للدول التي تبيع هذه المنتجات .
القوات الامنية لم تتمكن من حسم المعركة في الانبار التي مضى عليها أكثر من شهرين والاسباب تعود حتما الى اصرار الجماعات المسلحة على ضرب التجربة الديمقراطية والاستمرار في هتك ارواح الناس باساليب وحشية ورخيصة من ناحية ومن ناحية أخرى فشل المؤسسة السياسية والحكومة على وجه التحديد في ايجاد حلول للمشكلات الامنية التي تضرب الدولة منذ عشر سنوات .
الاموال المخصصة للصراع في الانبار يمكن الاستفادة منها للسلم والبناء والتنمية وبالامكان توظيفها في اطار يخدم عمليات البناء والتنمية لكن طالما كانت أموال النفط في العراق تستخدم لادارة الحروب والازمات وطالما كان العقل السياسية لكل الاطراف المتخاصمة كريم في دفع الاموال للحرب لكنه شحيح الانفاق تجاه قضايا تتعلق بالسلم الاجتماعي والتنمية .