18 ديسمبر، 2024 6:47 م

حرب أوكرانيا طريق نحو الدولة العالمية روسيا ليست جزءا من أوروبا وتركيا مع العرب ضحايا تنتظر الدور

حرب أوكرانيا طريق نحو الدولة العالمية روسيا ليست جزءا من أوروبا وتركيا مع العرب ضحايا تنتظر الدور

 

الدولة أو الحكومة العالمية

الدولة أو الحكومة العالمية فكرة سياسية على مستوى دراسات العلاقات الدولية في ظل نظريات فلسفية متعددة. هذه الفكرة متجذرة في الفلسفة الغربية، وتبدأ بالفيلسوف الألماني إيمانويل كانط ونظريته المعنونة بنهاية التأريخ، وهي لا تعني نهاية العالم كما يظن بعض الناس. نهاية التأريخ، تعني أن تطور الفكر الإنساني الإجتماعي سيصل ذروته، في ما يتعلق بالوصول إلى أمثل وأفضل نموذج للحكومة والإدارة والسياسة. اعتبر كانط أن الحرية هي ذروة ما يناضل من أجله الإنسان، في بلوغ القمة التي لا يمكن بعدها إيجاد فكرة أمثل منها، في خضم النضال الإنساني نحو الأرقى. لكن الفيلسوف الألماني فريدريك هيغل طوّر النظرية، واعتبر أن بلوغ ‘الإقرار أو العرفان‘ (Recognition) هو الذروة التي يكافح من أجلها الإنسان. فحين يحصل كل إنسان على الإقرار بحقوقه وإحترامه وكينونته، فحينئذ نكون قد وصلنا إلى نهاية التأريخ كذروة للإنتاج الفكري الثقافي الإنساني، ولا يمكن إستنباط فكرة أسمى من بعد هذه الذروة. الفيلسوف الألماني الآخر كارل ماركس أكد مباني الفيلسوفين كانط و هيغل، لكنه اعتبر الإشتراكية والدولة العمالية هي التي تحقق هذه النهاية السامية من الحرية و الإقرار، بعد أن يتخلص العمال من قيود العبودية ويقدرون على تشكيل دولة المساواة حيث يتم توزيع الثروة بين الجميع بشكل متساوي، وحينئذ سيحصل الجميع على الحرية والعرفان المتبادل. وبعد مرور حوالي ثلاثة أرباع قرن على بناء الدولة الشيوعية، وحيث لم تتحقق هذه الذروة، وفي عام 1989، وقرب إنهيار الإتحاد السوفيتي (الدولة الإشتراكية)، ظهر الفيلسوف الأمريكي-الياباني فرانسيس فوكوياما ليعلن إنتهاء الإشتراكية والآيديولوجية الماركسية، وبالتالي اعتبر أن الديموقراطية الليبرالية في الغرب هي نهاية التأريخ والذروة التي من أجلها يكافح البشر. ماعدا هؤلاء الفلاسفة هناك آخرون ناقشوا الفكرة وشرحوها مثل الفيلسوفين الروسيين أليكساندر كوجيف و فلاديمير سولوفيوف وآخرون.

كانط بين الدولة القومية و العالمية

في خضم شرحه لفكرة الوصول إلى الذروة المفترضة من الحرية، طرح كانط فكرة العلاقات الدولية بين الدول القومية في العالم. واعتبر كانط الدولة القومية ضرورية، للوصول إلى الحرية و بلوغ السلام العالمي. واعتبر التوازن بين هذه الدول، شرط أساس في الحفاظ على السلم والحرية. وفي المقابل، اعتبر كانط الدولة أو الحكومة العالمية (أي دولة القطب الواحد التي تحكم جميع البشرية) هي دولة إستبدادية تناقض النضال العالمي من أجل بلوغ الحرية. و خمّن كانط أن هكذا دولة وهي التي ستكون إستبدادية في كينونتها وطبيعتها، ستقمع حرية الناس. وإذا ما تمت مصادرة حرية الناس و حقوقهم، فإن الناس لا يجدون مأوى يلجأون إليه هربا من هذا الإستبداد (لقد جادل فلاسفة غربييون معاصرون هذه الفكرة ضد الإستبداد الغربي مثل جاك رانسييه، أدريان بيبرزاك، آلان باديو وسلافوي زيزاك وآخرون). لكن منظرو العلاقات الدولية في الغرب، وإذ هم يقبلون بمباني فلسفة كانط، في ما يتعلق بفكرة نهاية التأريخ كذروة للفكر الإنساني، لكنهم يقفون بالضد معه في كيفية تطبيق هذه النهاية. فهؤلاء المنظرون، يعتبرون الدولة القومية عائقا أمام هذه الذروة، وأن الحكومة أو الدولة العالمية ضرورية حتمية، لتحقيق حصاد النضال الإنساني. ويبرر هؤلاء تصورهم، أن الدولة القومية لا تعير القضايا العالمية كقضايا المناخ وخطورتها، وقضايا الإرهاب والسلم العالمي الخ، أي إهتمام جدي وإن جلّ إهتمامها منصب على المصلحة القومية-الوطنية وفق نظرية ‘الواقعية‘ في العلاقات الدولية. على أن قضية الأسلحة النووية، تشكل لب رفض هؤلاء المنظرين للدولة القومية. فهم يعتبرون أن تشكيل الدولة العالمية ضرورة حتمية، للتخلص من الأسلحة النووية وحصرها في يد حكومة واحدة، ويقولون بأنه لا يمكن البقاء في السلم العالمي في ظل سباق التسلح، وإمتلاك دول متخاصمة للسلاح النووي. كما يعبرون بإختصار، أن الإحتماء من كارثة محتملة من إستعمال السلاح النووي لا يمكن بالإنتظار حتى تموت الشمس (كناية عن طول الإنتظار)، فالدول القومية لن ترضى بتسليم السلاح النووي إلا إذا استحوذت عليها دولة أو حكومة عالمية تهتم بالسلم العالمي وحقوق الإنسان، بمعايير موحدة تتفق عليها البشرية. وفي نفس الوقت تتعاظم مخاوفهم من هذا السلاح وهو بيد دول توتاليتارية ومتخلفة، أن إستعماله في أي وقت محتمل الحدوث. ومن هنا، فإنهم يعتبرون أمريكا وتوابعها من الدول الأوروبية الغربية هي المؤهلة للعب هذا الدور، وهو جمع السلاح النووي في أيديهم، لإعتبارات حضارية وقيمية لا تقبل منافساً آخر غير غربي في العالم لهذه المهمة بطبيعة الحال.

روسيا ليست جزءا من أوروبا والغرب

لا ينظر الغربييون (الأمريكييون و الأوروبييون الغربييون) إلى روسيا كجزء من الغرب، ولا إلى الروس كغربيين. جغرافياً يقع من روسيا في الجزء الآسيوي حوالي 77% من مساحتها، و 33% في الجزء الأوروبي الذي يفصل بينه وبين أوروبا الغربية شريط طويل من هلال أوروبي شرقي من دول كانت جزءا من الإتحاد الروسي (السوفيتي سابقا). ودول هذا الهلال تتضمن أستونيا، لاتيفيا، ليتوانيا، بيلاروس، بولندا، أوكرانيا، رومانيا وبلغاريا؛ ناهيك عن شريطٍ آخر محاذي للشريط المذكور ويتضمن عدة دول وهي سلوفاكيا، التشيك، هنغاريا، رومانيا، كرواتيا، صربيا، ألبانيا، كوسوفا، بوسنيا، فضلا عن دول أخرى متفرقة في وسط هذين الشريطين و بإتجاه البحر البلطيقي والمتوسط والأسود. فما عدا فنلندا التي تعتبر سياسيا جزءا من أوروبا الغربية في أقصى شمال أوروبا، لا تملك روسيا أي حدود مشتركة مع الغرب الأوروبي، بل هي على مسافة بعيدة منه. حال دول الهلال الأوروبي الشرقي، يشبه أهل الأعراف يوم القيامة. فهذه الدول تنظر إلى روسيا كجحيم وإلى الغرب كجنة، يتعوذون من الأولى ويرجون الأخرى.

ثقافيا وتأريخيا، ظلت روسيا مختلفة ومتنافرة مع الغرب الأوروبي. فروسيا ظلت منذ القرن الثالث عشر تحت الحكم المغولي ولمدة ثلاثة قرون. وهذه الفترة تشكل حقبة هي الأهم في تأريخ أوروبا والتي فيها ترسخت صياغة الهوية الأوروبية الغربية في عصر النهضة (بدأ في إيطاليا) الذي أعقبته مراحل ثلاث جد مهمة وهي مرحلة الإصلاحات الدينية التي بدأت شرارتها في ألمانيا، ومرحلة إكتشاف أمريكا التي انطلقت من إسبانبا (الأندلس)، ومرحلة الثورة الصناعية التي ظهرت في بريطانيا بعد إكتشاف الفحم. وهذه المراحل أفضت بالتدريج إلى مرحلة التنوير والحداثة والثورة الفرنسية ،وكذلك السياقات التي احتضنت صعود الغرب كقوة عالمية جارفة لغيرها على أصعدة العلم، الصناعة، التكنلوجيا، الثقافة، المال والإقتصاد الخ. روسيا التي عاشت في ظل الإحتلال المغولي لثلاثة قرون ومن ثم في ظل النظام القيصري والإمبراطوري الروسي (وكلاهما كانا آرثوذوكسيان) على خلاف الغرب الأوروبي الذي تشكلَّ من الكاثوليك والبروتستانت، ظلت روسيا بعيدة كل البعد عن تشكُل الهوية الأوروبية الغربية، وجوهرها الثقافي-السياسي-الديني. كما أن مرحلة الإشتراكية التي بدأت في عام 1917 في ظل الآيديولوجية الماركسية-اللينينية عمقت هذا الإختلاف والتنافر، برسوخٍ وسّعَ الشرخ بين العالمين إلى حد العداوة والخصومة التي صاغت عقلية الطرفين باتجاه إغتراب كامل ونهائي عن بعضهما البعض، بحيث ينظر كل طرف إلى الآخر كغريب وكعدو محتمل في أي وقت. أما الحرب الباردة وما أعقبها من إنهيار الإتحاد السوفيتي فعمق هذا الإغتراب والعداوة، بشكلٍ، تجوهرت في أوروبا وأمريكا نظرة إحتقار للروس واعتبارهم متخلفين وفقراء، ونظرة عدائية ذات شعور بالنقص من قبل الروس تجاه الغرب. ولكن الرئيس الروسي القادم من عالم المخابرات السري والمعقد، حمل معه كل هذه المشاعر والخلافات والنفور والإغتراب والعداوة، وظل يعمل على إعادة روسيا إلى سابق عهدها الإمبراطوري الذي لا يمكن فيه القبول بهيمنة أمريكا وأوروبا. هذا الرئيس هو فلاديمير بوتين الذي تسنم رئاسة الوزراء ثم رئاسة الدولة منذ عام 1999، وهو يعمل بإستمرار لتوطيد روسيا كشوكة في أعين الغربيين، واليد التي تشد الخناق عليهم وتكسر هيبتهم.

الحرب في أوكرانيا وصراع الوجود والزوال

لهذا، ومنذ سنوات طويلة، يعتبر الغربُ روسيا دولة توتاليتارية، وفلاديمير بوتين ديكتاتورا على شاكلة هتلر وستالين وصدام حسين. يحاول بوتين فرض إرادته عبر بوابة أوكرانيا، في حرب انطلقت شرارتها قبل أيام. لكن الخطورة الأعظم من هذه الشرارة هي، أن هذه الحرب خلقت حتمية دفعت بكل الأطراف نحو نقطة اللاعودة. فروسيا إن انسحبت من أوكرانيا فهذا يعني إنسحابا مخزيا يشبه إنسحاب صدام من الكويت، وسيخلق إستياءا كبيرا في روسيا ضد نظام بوتين لا يُستبعد أن ينتج إنتفاضات وثورات عليه للإطاحة به. وإذا استمر بوتين في فرض غزوه لأوكرانيا، فهذا الأمر يلاقي رفضا صارما من قبل أوروبا وأمريكا. وفي ظل إستمرار الحرب والصراع، فإن تقسيم العالم إلى معسكرين متنافرين سيكون حتميا. أما إذا خسرت روسيا الحرب في أوكرانيا، وتقهقر الجيش الروسي نحو روسيا، فإن هيبة بوتين ونظامه تتعرض لإنكسار خطير من جراء هبوب رياح الناتو من جهة الغرب، وهو ما يعني دفع بوتين إلى مواجهة الروس والجيش الروسي وجها لوجه، كما فعل الغرب مع صدام حسين في عام 1991. وهكذا حال، يعني حتما نهاية الإتحاد الروسي، وتقسيم روسيا الإتحادية على موجة جديدة من ظهور الجمهوريات القومية. وفي هكذا واقع، فإن إحتواء الصين يصبح لقمة سائغة أو سهلة الهضم. وفي هذه الأحوال فإن ما يساعد الغرب في تحقيق هدفه نحو تشكيل الدولة أو الحكومة العالمية هو عدة أمور، منها الفقر في الدول المناوئة له مثل روسيا، الصين، كوريا الشمالية وإيران الخ. كما أن التهافت والإنجذاب بين شعوب العالم نحو الثقافة والمنتوجات الغربية يظلان سلاحا خفيا بيد الغرب، في كسر إرادة الدول التي تعاديه بقوة عسكرية جبارة، دون توازن مع الجوانب الأخرى الإقتصادية والثقافية. فروسيا والصين تشبهان صورة كاريكاتورية. إذا اعتبرنا الرأس يمثل الثقافة والساعدان القوة العسكرية والرجلان القوة الإقتصادية والمالية والصدر والبطن مستوى المعيشة للشعوب؛ فإن صورة الصين أو روسيا هي كالتالي: ساعدان ضخمان جدا ومفتولان، مع رجلين نحيفتين هزيلتين، ورأس صغير غير جذاب، وبطن وصدر ضعيفين يقوسان ظهرا محدودبا، ليجسد شخصاً بائسا معدماً مازال يتمتع بساعدين قويين يُشكّـل بهما الخطورة المميتة في أي لحظة. إذا انتصر بوتين في هذه الحرب سيؤخر الحلم الغربي في تشكيل الدولة أو الحكومة العالمية المنشودة، والتي ينظّر لها كبار صنّاع القرار في أمريكا وأوروبا. أما إذا فشل وتقهقر، فإن المصير الذي أفتك بصدام سيفتك به، إلا إذا استعمل السلاح النووي، وهو ما يريد صناع القرار الأمريكي-الأوروبي مصادرته واحتكاره للغرب. هل من المعقول أن يستعمل بوتين هذا السلاح؟ إذا كانت أمريكا وهي “ديموقراطية ليبرالية” استعملته في اليابان في الحرب العالمية الثانية، في الوقت الذي تُقدم هي من قبل منظري الحكومة العالمية كجوهر و واجهة لفكرة نهاية التأريخ، والذروة التي يكافح البشر من أجل الوصول إليها، فما الذي يمنع بوتين من استعماله إذا خسر الحرب، وهو يعتبر ديكتاتورا يمثل عالما متخلفا وفقيرا ومنبوذا؟! مالذي يملكه بوتين ليخسره إذا هُزم غير نفسه وأحلامه؟

تركيا والعرب في هذه المعادلة

الضحية الأولى في هذه الحرب ستكون تركيا، وسنرى في المستقبل عقابيل الحرب الأوكرانية كيف ستؤثر في تركيا تأثيرا عظيما. فأردوغان هو مثل بوتين في نظر الغرب، بل ويُعتبر أسوأ منه. وينظر الأمريكييون والأوروبييون إلى أردوغان كزعيم ديكتاتور ومتعصب، لا يكنّ للغرب غير مشاعر الكره. لكن أردوغان دخل هذه المعركة إلى جانب أوكرانيا والغرب، وتلعب طائراته البيرقدار دورا مهما في تدمير أرتال روسيا من المدرعات والدبابات. بطبيعة الحال، فإن تركيا مازالت عضوا في الناتو، حتى ولو لم تكن عضويته مرغوبة فيها، بل ظلت مجمدة بصمت ولسنوات طويلة. ولو تذكرنا ما حصل أثناء إسقاط تركيا للطائرة الروسية من سكوت لدول الناتو، تجاه ما بدا من تصعيد التوتر من قبل روسيا ضد تركيا، فنتبين أن الغرب كان قد وضع عمليا عضوية تركيا في سلّة المهملات. في هذه الحرب هناك ثلاث نتائج لا غير، كما في مباراة كرة قدم. فالنتيجة إما تعادل بين الطرفين، أي التفاوض وإحتفاظ كل طرف بقوته ومكانته، وهذا مستبعد جدا في ظل معطيات واقعية وموضوعية وتأريخية. والإحتمال الثاني هو إنتصار روسيا وخسارة الغرب لهذه المرحلة، دون أن تعني هزيمته. والإحتمال الثالث هو إنتصار أوكرانيا، ومن ورائها الغرب، وهو يعني هزيمة روسيا نهائيا. في كل هذه الحالات فإن الخطر القادم سيكون من نصيب تركيا. فلو تحقق الإحتمال الأول، أي التعادل بين الطرفين فمعناه أن روسيا تتوج فعليا ورسميا بزعامة العالم الشرقي والآرثوذوكسي، وأتباع الكنائس الشرقية، وهو عالم مناوئ للغرب. وهذا العالم الآرثوذوكسي-الشرقي يتضمن في دائرته دولا تعادي تركيا وتبغضها. والأخطر من ذلك هو، أن هذه الدول تحيط بتركيا إحاطة السوار بالمعصم، وهي روسيا نفسها، أرمينيا، اليونان، فضلا عن دول أخرى مثل إيران وسوريا اللتان تتمتعان بعلاقات تصل مستوى التحالف مع روسيا. ناهيك عن الشعب الكُردي الذي يبلغ تعداده أكثر من 35 مليونا في تركيا وهم مقموعون منذ أكثر من قرن، ومجردون من حقوقهم كاملة، وربما يندر مثيل لهم في التعامل الإلغائي بهذه الطريقة من قبل أي دولة في العالم تجاه جماعة قومية أو دينية. وهذه الأطراف هي أطراف محاربة لتركيا، الآن وفي المستقبل. والأسوأ بالنسبة لتركيا هو أن الغرب وهو يحمل مشاعر غير ودية تجاه تركيا، فإنه على الأقل يقف موقف المتفرج، إن لم يكن يدعم بقوة أي حملة عدائية تستهدف تركيا. أما إذا انتصر الغرب على روسيا، ومن ثم تم دحر بوتين وتسليمه لرحمة الجيش والشعب الروسي المستائين، فإن أول ملف سيبتُّ فيه الغرب بعد هذا النصر، هو ملف الرئيس أردوغان بإعتباره من صنف الزعماء المنبوذين الذين لا مفر من التخلص منهم، لأنهم عقبات أمام المد الغربي وسياساته وقيمه. وليس أسهل على الغرب من تحريك دول أطراف تركيا ضدها، وتحريك مكونات داخل تركيا تم هضمهم من قبل مؤسس الجمهورية كمال أتاتورك، حيث لم يستطع أردوغان التخلص من إرثه الثقيل والخطير.

الغرب يعتبر نفسه سيد العالم، ويعتبر حضارته وقيمه هي المتفوقة وهي التي تستحق البقاء، لذلك يطرح نفسه بتواضع جم وهو ينحني قليلا، ليعطي هذه الحضارة والقيم للفقراء والمتخلفين في العالم الذين يريد الغرب وضعهم في مؤخرة العربات التي يجرها بحكومة عالمية موحدة المعايير والقيم!

أما العرب فلا شأن لهم، فهم ليسوا أكثر من عمال في محطة الوقود، شغلهم الشاغل هو تعبئة الآلات الحربية للعالم بالوقود، فضلا عن تعبئة خزانات الوقود للإستعمال العام في دول الرخاء، حيث تعيش شعوب العالم الأول. ورغم أن محطة الوقود هي من ملك العرب، لكن الغرب يقول لعماله العرب أنه يضع مستحقاتهم في بنوكه، بينما هو يوهمهم أن الحسابات مسجلة بأسمائهم. لكن الغرب، والحق يقال، يدفع لهم بعض النقود “كاش” يكفي لتغطية نفقاتهم وعيشهم برخاء مؤقتا. وفي كل الأحوال، فلا قدرة لهم في التصدي لأي مستجد على الساحة العالمية، من إفرازات الحرب والسلم، ولا طاقة لهم بأي تقسيمات محتملة لخريطة الدول والشعوب. فحاجات العرب تقتصر اليوم على الخبز والأوكسجين والتبغ للمدخنين، ولا غير ذلك. لذلك، يستقلون البحر أرطالاً بأمل الوصول إلى الغرب والحصول على الرغيف هناك، فمردود محطات وقودهم يقبع هناك في بنوك الغرب.