18 ديسمبر، 2024 10:48 م

يُطلعنا تراثنا الإجتماعي على ماكان يُوليه مجتمعنا من إهتمام لحماية مناطقهم ، وقراهم ، ومحلاتهم من محاولات الإعتداء ، والسرقة ونهب الأموال ، والتجاوز على ابناء تلك المناطق والقرى والمحلات ، والحرص كل الحرص على أن تبقى كرامة كل فرد فيها ، محمية مُصانة ، لأن المبدأ السائد آنذاك هو ان مايصيب الفرد يمس المنطقة او المحلة بأكملها… حيث كانت هناك مقاييس ، وإعتبارات لايحيد عنها الجميع ومن خرج عنها كان محل إزدراء، وتحقير ، وعدم إحترام… لذا كان حرص الفرد على أن يبذل قصارى جهده من أجل صد كل محاولات التجاوز والاعتداء على المحلة او المنطقة التي ينتمي اليها.

وعلى إمتداد المسيرة الإجتماعية ، تطلعنا الوقائع والأحداث على أفراد سلكوا نهجاً مغايراً ، وهو سرقة ابناء جلدتهم والأعتداء على ممتلكاتهم ، بل أن الأمر يصل أحياناً الى التعاون مع لصوص آخرين من خارج مناطقهم..هؤلاء يطلق عليهم حسب الموروث الإجتماعي حرامي الديره…وهو ما إقترن مع التأكيد على صعوبة الحماية من أمثال هؤلاء لسبب بسيط هو وجودهم في المنطقة وخفاء أمرهم وعدم الشك فيهم كأبناء منطقة ومن ثم صعوبة إنكشاف أمرهم..

ولربما اقدموا على مختلف الأعمال والسرقات ولم يُكتشف أمرهم إلا بعد حين.

اكتب هذه الأسطر وفي ذهني مقارنة بين حرامي الديره وبين مايشهدهُ واقعنا من سرقات فلكية لانظير لها ، أقدمت عليها بعض المجموعات أو الأفراد عُهدت إليهم حماية الممتلكات ، وصيانة الثروات بحكم المواقع والوظائف والمناصب التي أُسندت إليهم ، ففي الوقت الذي تُوضع فيه القوانين والضوابط والسياقات للمحافظة على المال العام ، نجد هؤلاء قد إتخذوا من مواقعهم في الدولة وسيلة للنهب والسرقة والإحتيال …الأمر الذي يجعلنا نشعر بالخيبة والأسف الشديد ، لأننا نتوقع هذه الأعمال من مستويات متدنية من الوعي والثقافة والسلوك الأخلاقي فإذا بنا أمام عناوين لانتوقع منها ماوقع وماحصل وماأرتكب من جرائم لاتغتفر، بدافع الكسب المادي والثراء الفاحش على حساب مقدرات البلد.

تصرف هؤلاء يضعنا أمام حيرة وتساؤلات لاتنتهي مفادها : غياب المقاييس وعدم الثقة وإختلال النظرة المعنوية للعناوين المختلفة.

ففي الوقت الذي يفرض العنوان الوظيفي على المواطنين واجب الإحترام والهببة لتعلقه بهيبة الدولة نجد ان هذه السلوكيات المنحرفة قد أدت فعلها في إهتزاز ذلك الاحترام ، وتلك الهيبة ، وبالتالي تصدع جانب اساسي من جوانب النظام الإجتماعي ومايتصل بسبب هذا التصدع من تأثير على مجمل مؤسسات الدولة.

أعود لما تبادر الى ذهني من صورة لحرامي الديره ووجه الشبه مع اولئك اللصوص…

وإن كان الواجب المفترض جماية ثروات البلد من الإعتداء الخارجي فإن الواجب يقتضي كذلك وبنفس الأهمية تأمين الحماية من حرامي الديرة.