على صعيد الخلافات السياسية المتوارثة في الساحة العراقية، نرى ان المشكلة الأولى على الأعم الأغلب والأهم الأوجب.. هي مشكلة الأكراد، إذ مافتئت هذه الـ (طلابة) تتمحور اجتماعات كثيرة وجلسات طويلة ومؤتمرات لها أول وليس لها آخر، فضلا عن السفريات والرحلات والـ (تسيورات) التي يقوم بها مسؤولون من بغداد الى محافظات الشمال العراقي التي بات يطلق عليها مصطلح (إقليم). ولم لاتكون إقليما..! وقد أهدى اليهم المقبور صدام بحمقه هذه الأقلمة على طبق من ذهب، وآخر من فضة وثالث من نفط ورابع من سياحة.. وأطباق أخرى كثيرة، هي بالنسبة للأكراد كما نقول: (إجت للحلگ).
وعلى الرغم من مرور العراق بأصعب مرحلة وأخطرها سياسيا وأمنيا، نرى الجانب الكردي المتمثل بكتله وأشخاصه، يثير بين الحين والآخر غبارا يعتم الأجواء ويزيدها ضبابية، واللافت للنظر أن الإثارة هذه تتبع توقيتات لايمكن ان تكون عفوية او اعتباطية، وكأن القوى الكردية متفقة على (كهربة) أجواء الاجتماعات واللقاءات وكذلك الأجواء الإعلامية، بجعل قضية من قضاياها او مشكلة من مشاكلها المستديمة هي الشغل الشاغل على مدار الساعة. فتارة يثيرون موضوع رواتب البيشمركة، مطالبين المركز بالإسراع بتسديدها لحكومة الإقليم، وتارة أخرى يؤججون الرأي العام في مشروعية تصديرهم النفط العراقي من أراضي الإقليم، مع أن القانون لايجيز لهم هذا إلا بما نص عليه من شروط. وتارات أخرى يجعلون من المناطق المتنازع عليها نقطة خلاف جذرية، يتخذونها حجة لمقاطعة جلسات مجلس النواب، او يعتمدونها كذريعة لمعارضة التصويت على قانون او قرار يخدم العراق والإقليم بضمنه. ويبدو ان القائمين على صنع القرار في حكومة الإقليم يجيدون فن التباكي، فهم يطالبون حكومة العبادي -كما طالبوا حكومة المالكي من قبل- بمد “جسور الثقة” بين المركز والإقليم، والتعاون في “حلحلة المشاكل العالقة بينهما” ويظهرون دوما “النوايا الحسنة” لإعادة العلاقات المؤسساتية بين بغداد وأربيل. ولايفوتهم قطعا إرسال وفد من المسؤولين الأكراد في حكومتهم وبرلمانهم “تطير فوق رؤوسهم الطير”، لإيهام الرأي العام بأن حكومة الإقليم جادة في “رأب الصدع” و “رتق الجرح” و “لملمة الأزمة” و “ترميم الشرخ”، التي أصابت كلها مجتمعة العلاقة بين حكومتي المركز والإقليم.
وبملاحظة مايعقب زيارات مسؤولي الإقليم وعلى رأسهم رئيس حكومة الاقليم نيجيرفان بارزاني لبغداد، يتضح لنا انها زيارات لاتتعدى كونها “تغيير جو” او كما يقال “ذر الرماد في العيون”، بدليل التصريحات والإدلاءات التي تصدر من هناك بعد عودة وفدهم، عن جدية الجانب الكردي في إقامة علاقات ودية مع المركز، خالية من المشاكل العالقة بينهما.
ان هذا الأسلوب “الثعلبي” يتبعه الأكراد منذ أحد عشر عاما، فهم يدعون التقرب الى المركز من جهة، في حين هم يزرعون الطريق الواصل بين بغداد وأربيل موانع وعراقيل تزيد الخلاف خلافا، وتعمق من الهوة الفاصلة بين الإثنين من جهة أخرى، ولاتفوتهم طبعا استعارة دموع التماسيح كواجهة تعكس صورة المظلومية لكسب ود الآخرين، ولست أدري ما العمل وما القول حين تنفد الحجج وتنعدم التبريرات!.