23 ديسمبر، 2024 3:02 م

وضع عامل المقهى قدح الشاي ,وانا احاول توجيه سؤالي لاستاذ جميل:
-“هل تعلم ان الامام علي (ع) تمنى يوما ان تكون رقبته  بطول رقبة البعير حتى يطلق كلامه بتأني وحكمة….؟”
اجاب   :
-“ان حكمة الامام علي (ع) ونظرته الراقية البعيدة للامور توضح  احتياجات الانسان للحكمة والموعظة وهذه واحده يراد بها تنبيه الانسان الخطاء على احترام كلمته واطلاقها في الوقت والمكان المناسبين .!.فرب كلمه اودت بصاحبها الى الهلاك واخرى اوصلته اعلى الرتب…!؟”
هززت رأسي مؤيدا اجابته اللطيفة واضفت قائلا :
-“ان الامام علي (ع) له نظرته الثاقبة والدراية الكاملة في المجتمع العربي ونفسيته قبل ان يأتي علم النفس الى حيز الوجود ، وان زمننا هذا يفتقد تلك الشخصيات العظيمة ويتوق لحكمتها لما تحمل من صفات مؤثرة وحكمة وموعظة ونظرة ثاقبة في الامور…!”
رد الاستاذ جميل :
-“وان تلك الشخصيات خالدة وقد وهبها الله عز وجل استمرارا نافذا وصيرورة مؤثرة وساطعة ما دامت ارض تدور وشمس تشرق ، ان افعال تلك الشخصيات العربية كشخصية الامام علي(ع) هي مسؤولية كبيرة للحفاظ على ديمومة و استمرار التوازن الاجتماعي والروحي و الانفعالي بين افراد الامة وهي التي وضعت رواسي الاسلام الحقيقي ونشرته بصفاتها الحميدة ومثلها العليا والذي يفتقده جيلنا هذا…..!”
 تحسر الاستاذ جميل وصمت فقلت له لقد برد شايك يا ابا علي ؟:
-” نعم… !”
 واردف قائلا:
-” هل يعرف سياسينا شيئا عن الامام علي(ع) وحكمته …!؟ الم يتأثروا بتلك الشخصية العظيمة والاقتداء بها وبنهجها الانساني والاخلاقي على الاقل….!؟… فهم موزعون على الفضائيات المعادية لبلدهم والكل يصرح بالمصطلحات الرنانة التي لا تغني عن جوع او عطش وقد اوصلونا الى الدرك الاسفل من التخلف…..!؟”                                      اجبته قائلا:                                                                                             -“هذا هو التخلف السياسي بعينه لان كل واحد منهم يعتقد بان السياسة كلام وتصريحات فارغة فقط…! قد يتصوروا ان تلك هي المعارضة السياسية وان صدق حدسي فتلك مصيبة لا بعدها مصيبة…!؟”                                                                                ضحك الاستاذ جميل وحاول تغير الحديث قائلا
 
-” ان الجيل الجديد لا يعي الكثير من المفاهيم والعبر التي زرعها اجدادنا العظماء وربما الهانا والهاهم عنها هذا التقدم التكنولوجي المسعور لهذا العصر والاحداث الصعبة التي مر بها ابناء هذا الجيل من الظلم والقهر….!؟”
وافقته الرأي متسائلا عن المفاهيم والعبر، اجابني:
-”  اعني الحلم و الغيرة و النخوة و المروءة و الايثار و التضحية…؟!”
فهززت راسي متفقا معه .
-“اضاف لو سألت احد الشباب الواقفين امامك الان عن معنى الحلم لا جابك ، بما يراه في المنام.. ..!؟”
 ضحكنا طويلا لهذا التأويل والتخريج لكلمة الحلم و قلت :
-“هل تتذكر الحكاية التي درسناها في دروس القراءة ولا اذكر أي مرحله من المراحل الابتدائية لان ذلك قد مر عليه حوالي خمس واربعين سنه …!”
اجاب الاستاذ جميل بلهفه :
-“وما تلك الحكاية ؟”
اجبت:
-” حكاية الاعرابي الذي وقف امام الحليم العربي المشهور، معن ابن زائده ، مختبرا حلمه وانشد:
أتذكر اذ لحافك جلد شاة            واذ نعلاك من جلد البعير
اجابه معن بهدوء وثبات اذكر ولا انسى ولم ينزعج من قول الاعرابي السمج مطلقا….!
 اكمل الاعرابي قائلا:
فسبحان الذي اعطاك ملكا        وعلمك الجلوس على السرير
اجاب معن سبحانه وتعالى علمني و اعطاني الكثير واني اشكر فضله ولم ينزعج معن ابن زائده  لقول الاعرابي القاسي ….!؟
اضاف الاعرابي بيتا اقسى من البيتين السابقين:
فعد لي يا ابن ناقصة بشئ       فأني قد عزمت على المسير
اجاب  معن بهدوء اطعموه وجزلوا له العطاء ..!
علق الاستاذ جميل على تلك الصورة الجميلة من الصبر والحلم وقارنها بالواقع الذي نعيشه الان من الاحداث والمشاكل الغريبة على مجتمعنا وديننا الحنيف وغياب الحلم والصبر واحتضان المسيء والشجار الدائم الذي تراه في كل يوم و المفخخات و التفجيرات و العيارات النارية التي تسمعها في كل دقيقه بمناسبة او بدون مناسبة لعرس او مباراة  كرة قدم ….!؟
هززت راسي مؤيدا حماسة الاستاذ جميل وقلت :
-“اصبح انتهاك القانون عندنا هواية وربما عند البعض طبع وعادة سيئة…. !؟”
ابتسم  الاستاذ جميل  وقال:
-” لاشك في ذلك…..!!؟”
 وفي هذا الحديث الجميل ، انقطع التيار الكهربائي كالمعتاد مساء كل يوم ، نهضنا من المقهى نتلمس طريقنا بصعوبة في الظلام ، مددت يدي الى جيبي ودفعت لعامل المقهى ثمن الشاي وتوجهنا كل نحو بيته وفي اليوم التالي عدنا الى المقهى كالمعتاد فقابلنا عامل المقهى بابتسامه عريضة اثارت انتباهنا …!؟ سألته عن السبب فرد وناولني ورقة وقال :
-” يا استاذ البارحة لم تدفع لي ثمن الشاي ….!؟”
قلت:
-“كيف وانا سلمتك ثمن الشاي بيدك…!؟”
اجابني وهو غارق في الضحك :
-” نعم …! لقد سلمتني قائمة التليفون تلك…!؟”
_”اووه….!….. يا الله…!…لقد قلبت جيوب جميع ملابسي البارحة بحثا وتفتيشا عنها ، كنت قد استلمتها يوم امس من البريد اثناء مراجعتي للشكوى على تليفوني الصامت والهادئ دوما الذي لا ينطق او نسمع له رنة منذ ثلاثة شهور…!؟…بدلا من اصلاحه حملوني مسؤولية دفع هذه القائمة الثقيلة وكما رأيت …..!؟”
ضحكنا وشاركنا عامل المقهى الضحك و من سمع الحديث ، يبدو ذلك ليس همي وحدي وانما هم الجميع…نشكر الله على ذلك …..!؟