19 ديسمبر، 2024 3:25 ص

حديث عن ” داعش ” وما بعدها ..

حديث عن ” داعش ” وما بعدها ..

في خضم ما تشهدهُ الساحة العراقية من مواجهات متنامية مع الارهاب ، تحاول بعض الاوساط الاعلامية المغرضة المحلية منها أو العالمية ، وبدافع من اجندتها و ماتمليها عليها مصالحها ، إشاعة نمط من أنماط الثقافة المبتورة اللامسؤولة ، التي تجرد المواطن من واجباته ونظرته الصحيحة لهذه الأحداث ، تعينها في ذلك من حيث تدري أو لاتدري بعض الأصوات العشائرية أو الطائفية أو الحزبية ذات النظرة الضيقة ، التي أخذت تعزف على نفس الوتر، في محاولة لتصوير المشهد على ان مواجهة “داعش”  هي “معركة” الحكومة العراقية لوحدها ..
وبعضاً من هذه الأبواق إنما تشيع ذلك عن حسن نية او بدونها ، فهي إما غبية أو متغابية ونحن نستبعد ذلك ، لانها تعرف حق المعرفة ان المعركة ضد الارهاب إن كان  داعش أوالقاعدة ، أوغيرها ، فهي مجرد صور تعددت لعملة واحدة هي الارهاب ، وانها معركة العالم بأسره ، او هكذا كان مخططاً له ، وهو صُنع عدو شبحي الهيئة ، مجهول التمويل ، تحركه اصابع بالخفاء ، يستهدف استدامة خوفنا وشعورنا بالتهديد ، وانحسار آفاق تفكيرنا بالدفاع وبأسوار الحاجة للحماية وللسلاح ، والانشغال بمعارك داخلية وذاتية ، تستنزف طاقاتنا ومواردنا وقدراتنا ، وبالمقابل هناك من يتقدم ويزدهر ويستقوي على حساب مانعانيه من ضعف جراء هذه المواجهات ، مما يشكل بيننا وبينه فجوة نستطيع تسميتها بـ ( الفجوة الحضارية ) ، بكل أبعادها الانسانية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية بل والعسكرية  وغيرها ، هذا من جانب ، ومن جانب آخر ألا يحق لنا التساؤل عن سبب عدم امتداد هذه العمليات الارهابية لساحات دول بعينها ، كدول الخليج بشكل عام وأرض نجد والحجاز منها بشكل خاص ..؟ وهنا بالطبع سيرتجف المرجفون من اصحاب النيات ( الحسنة ) دوما الذين ينكرون علينا الايمان بنظرية المؤامرة ، مع كل ذلك الوضوح الذي تعكسه معطيات الواقع الذي  يشير الى تعرض بلدنا و دول اخرى  محددة للمؤامرة ذاتها دون غيرها ..
ان معظم الدول التي شهدت تلك الاحداث الدراماتيكية التي سميت ( الربيع ) هي من ذوات الموارد ، سواءً كانت هذه الموارد  بشرية او اقتصادية او ذات موقع جغرافي أو استراتيجي ، يحقق الاستفادة للدول المتآمرة ، او لتتجنب خطراً محتملاً منه على أقل تقدير..
 
فلماذا لايجعلنا ذلك نؤمن بان الغرب ماضٍ في مخططه نحو اعادة تشكيل خارطة  ( الشرق الاوسط الجديد ) ، مع انه لم يكن هنالك في الاصل  ( شرق اوسط قديم ) حتى يعاد تشكيله ، وهذه لوحدها جزئية من جزئيات تلك المؤامرة ، التي مؤداها جعلنا تحت طائلة  التأثير المستمر و الرضوخ للأمر الواقع .
انها لعبة مصالح صَمّمَتْ مشاهدها الدول الغربية الكبرى المستفيدة منها ، حيث عملت جاهدة وماتزال من خلال مايلي :
اولا : ان مشروع اعادة رسم الخارطة السياسية للمنطقة العربية يعتبر من المهام الصعبة التي تحتاج لمن يعمل على الارض ، وبدلا من استقدام الجيوش لاحداث هذه التغييرات طورت هذه الدول استراتيجيتها الاستعمارية القديمة باخرى أكثر ملائمة لاجواء العالم الجديد (العولمة) لتجنب افتضاح مراميها ، فعمدت الى استحداث جيوب هنا وهناك ، اخذت تغذيها وتدعمها بالمال والسلاح لتنوب عنها حين تحين ساعة التنفيذ .
ثانيا : لقد وجد مخططوا الستراتيجية الدولية ان افضل من يقوم بهذه المهمة ( التغيير )  هم قوم من جنس الاقوام نفسها المشمولة بالتغيير متى ماشاءت ذلك ، من حيث معرفتها الطبوغرافية و الانثروبولوجية ، وبطبيعة الحال فان اقوى رابط تجتمع عليه شعوبنا هو الاسلام ، لذلك عملت على ان يقترن ويمتزج الارهاب والاسلام معاً عبر فعاليات مخطط لها تعتبر مقدمات دعائية واعلامية لهذا المزج المتعمد ، محققة بذلك هدفا يضاف لهدف التغيير ، هو اضعاف الاسلام والمسلمين وتشويه صورتهما خصوصاً بعد ان لمست ان نموه بات يشكل خطراً داهماً عليها وان امتدادته وصلت لعقر دارها .
ثالثاً:  ان انشغال المنطقة العربية بمحاربة بعظها البعض سواء تحت عنوان الارهاب أو من خلال تغذية مشاكل بين قطر عربي وآخر هو اضعاف للكل حتى اولئك المحسوبون عليها ، بل انهم اكثر من تحتقرهم وهم يعلمون.
رابعاً :  كل ماتقدم يتيح لاسرائيل الاستقواء والبقاء بعيداً عن التهديد والاحتواء، خصوصا من الدول المحاذية لها جغرافياً ، أو الدول التي تستعديها بشكل عام ، مما يعطيها الفرصة لترسيخ كيانها ، وبناء امكانياتها الدفاعية واللوجستية وتطوير قدراتها الهجومية لضمان تفوقها المستمر على الدول المحيطة والمهددة لكيانها.
خامساً: ان اشاعة الفوضى وانعدام الامن يعتبر احدى سبل انعاش اقتصادها  وصناعتها لاسيما صناعة السلاح وتسويقه للدول التي تعاني من التهديدات المصطنعة .
 سادسا : السيطرة على الدول المصدرة للبترول من خلال ربطها بمعاهدات امنية تستوجب وجود قواعد عسكرية تجعلها خاضعة لها  باستمرار وجود التهديدات التي لاتنتهي الا بانتهاء آخر برميل نفط .
فهل سنستفيق ياترى على صرخات صحوة  لنقلب السحر على الساحر ..؟
وعلى مايبدو ان هذا التساؤل سابقاً لآوانه على المدى المنظور ، ولكن بامكاننا ان نقول باطمئنان المُقر وايمان المستقر بان صفحات المواجهة هذه سواء مع ( داعش أوالقاعدة أو الميليشيات ) ستنتهي بعون الله ، لتبدأ الصفحة الأصعب ، صفحة المواجهة والتحدي مع أنفسنا ، فعلى صعيد العراق فان حجم ما نحن فيه من تداعيات متسارعة في احداثها متزامنة في ايقاعها في وقت نعاني فيه من نقص على كافة الأصعدة اهمها هشاشة جبهتنا الداخلية ، وبعض التصدعات النفسية التي  أثرت وماتزال تؤثر بشكل خطير على سير العملية السياسية ، وانعكاساتها على روح الشعور بالمواطنة ، ناهيك عما نحتاجه لاستعادة قدراتنا الدفاعية من خلال اعادة بناء وتعزيز قواتنا المسلحة ، واستعادة وتعظيم قوتنا الاقتصادية ومتطلبات التنمية الصناعية والزراعية ، واعمار البنى التحتية ، مما يتطلب السير على هذا الخط بشكل متوازي مع خط مواجهة الارهاب مهما تعددت الوانه واختلفت اشكاله ، وذلك لن يتحقق بجهد حكومي لوحده ، فالطائر لايطير الا بجناحين ، لذا لابد من تكاتف الشعب بكافة اطيافه ونخبه السياسية مع الحكومة لمواجهة التحديات المصيرية التي يواجهها العراق  ، سواء على صعيد مواجهة الارهاب او على صعيد البناء عبر ارساء قواعد تجربتنا الديمقراطية والارتقاء بمستوى العمل السياسي على أسس التنافس الشريف التي تمليها علينا أصول منظومتنا الاخلاقية كعرب ومسلمين ، لا تلك المفاهيم المستوردة التي لا تمت لواقعنا بصلة .
طبتم

أحدث المقالات

أحدث المقالات