بعد التاسع من نيسان عام 2003 أتت “الكعكة” أكلها، وطابت نكهتها وصارت بمتناول الأيادي، بعدما كانت حكرا على يد رأس النظام وحده، وهبّ الى أرض العراق آكلو الكعكة من كل فج عميق، وظهر -فجأة- من ينادي بالوطن من كل حدب وصوب، وهم تحت مسميات عدة. فمنهم المعارض، ومنهم المطارَد، ومنهم السجين السياسي، ومنهم المنفي، ومنهم المحكوم بالاعدام. ومع ذا لم تكن الساحة العراقية تخلو من الشرفاء والخيرين الوطنيين، لافيما مضى من السنوات ولا في التي نعيش مرارتها منذ أكثر من عقد منها، إذ مامن شك أن كثيرين قد رفدوا البلد بما ملكوا وما اقتدروا عليه من مال وجهد وعلم ووقت، وكذلك نفوس عزيزة، بذلوها في جوانبه السياسية والاجتماعية والاقتصادية والتربوية، ولم يألوا جهدا في العطاء والتضحية على تقلب أوضاعه بين خير وشرور. ولو استثنيا الشخصيات الصادقة والصدوقة، صاحبة الماضي العريق والمشرف في النضال ضد الدكتاتور، والذين قدم بعضهم حياته ثمنا استرخصه لأجل مبادئ وطنية سامية، او الذين نفذوا بجلدهم من بطش الحاكم وفتكه، وعادوا الى أرض الوطن بعد سقوطه لخدمة العراق والعراقيين، وكذلك الشرفاء الذين لم تثلم وطنيتهم إغراءات المناصب والجاه والمال، أقول لو استثنينا هؤلاء فان الساحة السياسية أصبحت عقب السقوط أشبه بحلبة مصارعة، شهدت اقتتالا شرسا ومستميتا على جملة مكاسب، لم تكن واحدة منها تمت الى مسميات الوطنية بصلة، فكانت تسمية الكعكة أدق التسميات، واقتسامها كان أصدق وصف لسياسيي هذي السنين، بل أن أغلبهم كشف بعد تسنمه مهام أعماله، عن أوراقه الحقيقية ورسالته التي كلفه بها أسياده، للعب بها على طاولات مجالس الدولة الثلاث، ولاسيما طاولة المجلس التشريعي، الذي أثبت عدد كبير من النواب فيه، انهم يمثلون أجندات وجهات ينصاعون لأمرها، ولا يمثلون الناخبين الذين تحدوا الظروف الأمنية الصعبة التي رافقت العمليات الانتخابية الثلاث الماضية لكي يصوتوا لمن ظنوا فيه الظن الحسن. والحديث عن سلبيات العمليات الثلاث ولاسيما الأخيرة يجب أن يكون بلهجة شديدة، ذلك أن المرء لايلدغ من جحر مرتين، فكيف بنا وقد لدغنا للمرة الثالثة من العقارب المبيتة ذاتها!.
والحديث -وإن كان سابقا لأوانه- عن الدورات الثلاث يجب أن يأخذ وتيرة بعيدة عن اللوم والتقريع، إذ يجب أن يستحيل الكلام الى أفعال كي يكون مجديا في الدورة الرابعة، فالعيب كل العيب علينا نحن الناخبين جميعا أن تتصاهر أخطاؤنا السابقة وتتناسل، ليأتي الوليد الرابع مشوها مسخا، لاسيما ونحن نجني مرارة ثمار مازرعناه في صناديق الاقتراع، رغم مرور أكثر من عامين على خطئنا الأخير في سوء اختيارنا. لكن، من منا سيثأر لأخطائه الثلاث، ويفضل بتر إصبعه على أن يصطبغه رابعة، في سبيل تخويل فاسد وإعطائه حق السيادة في أمرنا، والترؤس علينا، والتحكم بمصائرنا؟
[email protected]