ليس ظنا ولا رجما بالغيب أن الرئيس الدكتور برهم صالح عاشق حقيقي للسلام ومحب صادق لحقن دماء البشر البعيدين عنه، فكيف بأهله وأحبائه وجيرانه الأقربين الأوْلى بالمعروف؟.
فهو منذ أن دخل القصر الجمهوري المسمى بقصر السلام وهو مسافر، لا يكل ولا يمل، ولا يعود من سفر إلا وهو مزمع على سفر جديد، بحثا عن السلام، وحالما بعدم السماح بجعل العراق ساحة صراع بين الجارة إيران وبين (خصومها) المتحدين، الرئيس الأمريكي ترمب وقادة السعودية والإمارات ومصر والبحرين، لا لشيء، وحسب تصريحات الرئيس ولقاءاته الصحفية والتلفزيونية التي لا تتوقف، إلا من أجل صيانة وطنه الصغير، العراق، وتجنيبه حرائق الحروب القادمة المتوقعة التي لا ناقة له فيها ولا جمل، مع إرفاقهذلك كلَّه برغبته التي يكرر التعبيرعنها دائما وأبدا في إقامة علاقات احترام متبادل طيبة وأخوية ونقية بين الجمهورية العراقية التي يرئسها وبين جيرانها، وبالتساوي وبالقسطاط، بحيث لا تميل كفة جارة على أخرى على أرض العراق وفي سمائه ومائه، بتاتا، ومع سبق الإصرار والترصد.
والحقيقة أن هذا كان سيكون موقفا سياسيا سياديا مخلصا ووطنيا مُهمّاً ومحترما جدا يسجله التاريخ للرئيس لو كان العراق ما زال بكرا ومستقلا وغير محتل ولا منتهك الحدود والحقوق والكرامة، وليس له مالك عتيٌّ قويٌ، وعليه وصيٌّ ووكيل.
والأهم الأهم أنه كان سيكون جهدا مثمرا ومؤكدَ النجاح لو أن الجارة إيران قرررت، بصدق ونية صافية حقيقية ليس فيها شيء من تقية، أن تعود إلى رشدها، وتعترف بذنبها،وتبدي استعدادها للتوبة عن التدخل في حياة الآخرين، وتكف عن تمويل عصابات القتل والتهجير والنهب والسلب في العراق وسوريا ولبنان واليمن وفلسطين، وعن تهريب السلاح، وتدبير المؤامرات والدسائس، وأن تودع العنجهية القومية المتعالية إلى دون رجعة، وأن تطلب ممن تضرر بسياساتها التسلطية الاستعمارية والاحتلالية الصفح والغفران، وعفى الله عما سلف، لتبدأ رحلة الود الصافي، والصداقة المنزهة، والتعاون على البر والتقوى والعيش بسلام مع الجميع، بلا مفخخات ولا صواريخ ولا طائرلات درون ولا ألغام، وكان الله يحب المحسنين.
وسواء كانت زيارات الوساطة التي يقوم بها الرئيس برهم صالح للعواصم العربية والإقليمية والدولية، بطلبٍ من إيران أو بدون طلبها، فإنه ينفخ في قربة مثقوبة، ويحلم بأن تطير العنزة أو يبيض الديك.
فجولاتُه المضنية الباهظةُ أثمانُها عبثٌ ليس له نهاية، ومضيعةُ للوقت وللجهد والمال وماء الوجه، دون ريب.
فالواقع الذي ملَّ الشعب العراقي من تكرار شكاواه من قسوته ومرارته هو أن مندوب المرشد الأعلى علي خامنئي، الحاج قاسم سليماني، هو رئيس جمهورية العراق، وهو رئيس وزرائه، ورئيس برلمانه، ومُحرك وزرائه ومدرائه وسفرائه، وهو قائد جيشه وشرطته وأمنه، أجمعين.
بل حتى الفراشون وخدم القصور الرئاسية والوزارات والبرلمان والبنك المركزي والإذاعات والتلفزيونات والجرائد والملاهي والبارات ومخازن المخدرات مُنصَّبون من قبل حضرة المندوب السامي الإيراني المفدى.
ولا خيار لمن يريد أن يجلس على كرسي حكومي مذهب لكي يملأ جيبه وجيوب أبنائه وإخوته وأصهاره بالقناطير المقنطرة من المال سوى أن يجلس عليه بلا عينين ولا أذنين ولا لسان، وأن يكون إيرانيا أكثر من الإيرانيين، أو أن يَبعُد عن الشر ويغني له.
والأكرم والأنفع والأجدى والأحفظ للكرامة أن يكنَّ الرئيس في قصره، وأن يكف عن الجري وراء سراب، وأن يتوقف عن هذه الجولات التي لا ينتج عنها سوى ضياع هيبة الرئاسة والرئيس، وذلك لأن المواطن العراقي، قبل غيره، وأكثر من غيره، يعلم بأن العراق ليس دولة محايدة لكي يسعى إلى تحقيق مصالحة بين وإيران وخصومها، لا لأن الرئيس برهم صالح منحاز ومهتم بحماية ظهر النظام الإيراني، بل لأن إيران ذاتها لا تريد مصالحة، ولا تقدر عليها.
أليست، وهي في عز محنتها الجديدة التي توشك أن تقطع أنفاسها، مصرة على الإثم والعدوان؟، أما زال حرسها الثوري يطلق الصواريخ ويزرع الألغام ويهرب السلاح والمقاتلين إلى عصاباته الإرهابية هنا وهناك، ولا يرعوي، ولا ينوي أن يصلي على النبي،ولا أن يعود إلى جادة الصواب؟
وفي رأيي المتواضع أن الرئيس برهم صالح، بما له من صلاحيات ونثريات مالية هائلة، ومؤهلات ثقافية وعلمية والإنسانية وأخلاقية، لو وفر وقته وجهده وتفرغ لرعاية مؤسسات الثقافة والسياحة والفنون، وملأ شوارع العراق وساحاته وحدائقه وشواطئه بالزهور والرسوم والتماثيل وفرق الموسيقى والرقص والغناء، لزرع بعض أملٍ في نفوس أهله العراقيين المهمومة، وفي قلوبهم المكلومة، فذلك أنفع له ولنا وللرئاسة، ولجيرانهم القريبين والبعيدين، أجمعين.