22 ديسمبر، 2024 4:34 ص

حديثٌ ” موسكَوِي ” !

حديثٌ ” موسكَوِي ” !

كانَ من المفترض افتراضاً و وجوباً أن يغدو العنوان اعلاه ” حديثٌ روسيٌّ – او من روسيا وعنها ” حيث اتواجد الآن , لكنّ اضطراري ” لأسبابٍ خاصة ” لإلغاء رحلتين جويتين داخليتين الى كلتا مدينتي < سانت بطرس بيرغ التي كانت تسمى لينينغراد في الحقبة الشيوعية , والى مدينة ” سوتشي ” الساحلية المطلة على البحر الأسود > قد قادَ وأدّى الى حصرِ وتكبيلِ كلماتي داخل العاصمة الروسية فقط , وكأمانةٍ صحفيةٍ وغير صحفيةٍ ايضاً .

ما أنْ لامَسَت دواليب الطائرة لمدرج مطار موسكو الدولي , وخلال الدقائق او الثواني القلائل اللائي سارت ثمّ توقّفت الطائرة أمام الخرطوم ! , لاحظتُ ورصدتُ أنَّ اعداد وجنسيات الطائرات المتوقفة ” او الجاثمة ” على ارض المطار ومدارجه الفرعية لم تزد عن اعداد اصابع اليدين ومعظمها لشركة طيران ” ايروفلوت ” الروسية , وربما افرزَ ذلك أنّ حقائب المسافرين في طائرتنا وصلت الى الحزام الناقل بعد 7 دقائقٍ ونيف .!

وتجاوزاً واجتيازاً لمفارقاتٍ اخرى في المطار شبه الخالي من المستقبلين وحتى من مندوبي الشركات السياحية , وبعدَ نحو ربعِ ساعةٍ من مغادرة المطار , في الطريق الى فندق

Korston الشهير , لفتَ انتباهي مرور سيارة شرطة النجدة الروسية حيث كانت ماركتها من شركة ” فورد ” الأمريكية .! وكنتُ اتوقّع أن تكون إحدى سيارات ” فولكا او لادا ” الروسيتين , حيث أنّ سيارات الشرطة ينبغي ان تكون من صناعة الدولة المنتجة والتي تمثّل سيادتها , كما في معظم دول العالم المنتجة للسيارات والعجلات , لكنَّ دهشتي ما لبثت أن تلاشت وتضاعفت ! في اليوم التالي اثناء جولتي في شوارع موسكو حيثُ رأيت دورياتٍ متفرقة لسيارات شرطة النجدة من انواع مختلفة المانية وكوريّة ومن دولٍ اوربيةٍ اخرى , اعتبرتُ ذلك ” بيني وبين نفسي ” وربما من زاويةٍ صحفيةٍ محددة او ضيّقة أنّ مؤدّى عدم انتظام هذا النظام في توحيد عجلات الشرطة هو احدى افرازات ال < البيروسترويكا والغلاسنوست > التي اوجدها الرئيس الروسي السابق غورباتشوف منذ نحو 18 عاماً والتي كأنها ما برحت تنمو .! وفي مجالاتٍ وتفاصيلٍ ملموسةٍ ومرئيةٍ اخرى . وبهذا الصدد ومن زاويةٍ جانبيةٍ او فرعية , فقد سألتُ البعض ممّن يتحدثون الأنكليزية عن سبب إختفاء او عدم وجود ايّ أثرٍ لسيارات ” موسكوفيج ” في شوارع موسكو .! وعلمتُ أنّ مصنع هذه السيارات قد تمّ الغاؤه منذ زمنٍ بعيد , وأنّ العراق كان الدولة الوحيدة تقريباً التي تستورد هذه السيارات لأسبابٍ سياسية وتتعلّق ايضاً بالمبادلات التجارية . ونشير ايضاً أنّ التحدّث بالأنكليزية يقتصر تقريبا على مواطني العاصمة وبشكلٍ محدودٍ جداً ويكاد ينعدم كلياً في المدن الروسية الأخرى , وفقاً لما سمعته من بعض المثقفين الروس .

إذ تعتبر روسيا خامس دولة في العالم في انتاج السيارات وتكتظّ شوارعها بكلّ انواع السيارات الأمريكية والأوربية والكورية ” كما سيارات الشرطة ” , فهنالك اعداد قليلة جدا ومتفرقة من سيارات ” لادا و فولكا الروسيتين ” فأنّ شوارع موسكو عريضة للغاية حيث بمقدورها استيعاب اضعافاً مضاعفة من اعداد المركبات الحالية وللخمس وعشرين سنة القادمة , وطالما الحديث هنا جرَّ وانجرّ الى الشوارع وما يدبّ فيها , فمن الملاحظ أنّ عشرات او مئات الآلاف من العمارات والبنايات التجارية والسكنية والأدارية , فلا توجد فيللا او شقّة واحدة ينشرون اصحابها لملابسهم على بالكونات شقق العمارات , ولعلّ ذلك نهج متّبع للحفاظ على مظهر ومنظر العاصمة , ويرتبط بالذوق الأجتماعي .

ومع كلّ هذا وذاك , فالحياة في موسكو تبدو مفتقدةً للدينامية والحيوية والحركة , والمدينة تفتقد ابسط مقومات السياحة بكلّ جزئياتها , ومن المفارقات اللائي فوجئوا بها السياح العراقيون هي رفض البنوك ومحلات الصيرفة لتبديل وتصريف عملة الدولار التي عليها اختام بعض محلات الصيرفة في العراق , مما تسبب لإرباكٍ كبيرٍ لهم , وقد اتخذنا الأحتياطات اللازمة مسبقا قبل المجيء الى روسيا .

شخصياً , دأبتُ الى إقامة علاقات عامة مع مسؤولي الفنادق في اية دولةٍ ازورها , وذلك لخدمة اعتباراتٍ صحفية خاصة , ولنيل تسهيلات اضافية شخصية , وبالصددِ هذا فقد دار حديثٌ مطوّل بين مديرة فندق Korston وبيني ” حيث دعوتها لإرتشاف القهوة في الجناح الذي أقيم فيه ” وممّا دار من حديثٍ وحوار , فقد سألتها اذا ما يتمتّع الرئيس فلاديمير بوتين بشعبيةٍ في العاصمة موسكو وكذلك في المدن الرئيسية الأخرى وفي المدن غير الصناعية البعيدة , اجابتني السّت المديرة التي تتمتّعُ بجمالٍ أخّاذ وبرشاقةٍ وأناقةٍ تشدُّ الأنظارَ والأبصار , وهي في منتصف ثلاثينيات العمر , بأنّ جيل الشباب في عموم روسيا يرفضون بقاء بوتين في سدة الحكم ولا يطيقونه , بينما الأجيال الأكبر سنّاً بمن فيهم والديها واقاربها ومعارفها بجانب علاقاتها الأخرى فأنهم يفضّلون بقاء السيد بوتين على رأس السلطة , وإذ سألتها عن ماهية هذا التفاوت والتباين بالنسبة للرئيس الروسي , ذكرتْ أنه بقي طويلا في السلطة . بدّوري علّقتُ على جوابها بأنّ ذلك ليس سبباً كافياً لهذا الموقف , واضفت : ربما أنّ جيل الشباب الروسي لم يعايشوا فترة او عهد الرئيس الروسي السابق ” بوريس يلتسين ” وسيّما فترة الحقبة الشيوعية وما فرضته من قيود اجتماعية واقتصادية على المجتمع الروسي , وقد اعجبَ ردّي هذا للمديرة الجميلة وابدت ارتياحاً فكرياً ونفسيا له , واشادت بمتابعتي لظروف روسيا السياسية والمراحل التي مرّت بها قبل وبعد تفكك الأتحاد السوفيتي السابق , وانفصال واستقلال عدد من الدول التي كانت ضمن منظومة الأتحاد السوفيتي والمعسكر الأشتراكي وحلف وارشو السابق .

–   انتهى –